جاد حداد

الخمول يسبق أعراض الخرف بسنوات

30 كانون الثاني 2021

02 : 00

تكشف دراسة جديدة أن الخمول الذي يصيب المعرّضين وراثياً للخرف الجبهي الصدغي قد يسبق ظهور الأعراض بسنوات عدة. لذا قد يكون استهداف أول مؤشرات الخمول طريقة فاعلة لتأخير هذا النوع من الخرف أو إبطاء تطوره.

يكون الخرف الجبهي الصدغي وراثياً في بعض الحالات ويحمل بين 10 و30% من المصابين به تاريخاً عائلياً بالمرض.

على عكس أشكال الخرف التي تُعتبر أكثر شيوعاً وتميل إلى إصابة كبار السن، يترافق الخرف الجبهي الصدغي مع تغيّر السلوك والشخصية واللغة تزامناً مع الحفاظ على المهارات المكانية والذاكرة. تتعدد الأعراض السلوكية المحتملة، منها عدم الاهتمام بالمحظورات الاعتيادية، والسلوكيات المتكررة أو القهرية، وتراجع الطاقة، والخمول أو الكسل.

قد يخسر المصابون بهذا المرض حوافزهم ومبادراتهم واهتماماتهم، ما يؤدي إلى تكوين انطباع خاطئ عنهم واعتبارهم مصابين بالاكتئاب.

توضح المشرفة الرئيسة على الدراسة الجديدة، مورا مالبيتي، طالبة دكتوراه في علم الأعصاب العيادي في جامعة "كامبريدج" في بريطانيا: "ترتبط الحالة بتراجع وظيفي وتدهور نوعية الحياة وفقدان الاستقلالية الشخصية وانخفاض فرص النجاة".

يميل الخمول إلى الظهور قبل سنوات من تشخيص الخرف الجبهي الصدغي. أرادت مالبيتي وزملاؤها التأكد من ارتباط الخمول بأول مؤشرات المرض والتغيرات الدماغية التي تسبق ظهور الأعراض الأخرى.

توضح مالبيتي: "كلما اكتشفنا أول آثار الخرف الجبهي الصدغي، أي حين يشعر الناس بأنهم لا يزالون بخير، تتحسن فرص معالجة الأعراض وتأخير الخرف أو حتى تجنّبه".

نشر الباحثون نتائجهم في مجلــــة "الزهايمر والخرف".

مخاطر وراثية

راقب الباحثون طوال سنتين أشخاصاً شاركوا في "مبادرة الخرف الجبهي الصدغي الوراثي" التي تجمع بين خبراء من مراكز بحثية في أنحاء أوروبا وكندا.

بلغ عدد المشاركين 600، وحمل 304 منهم متغيرات جينية تزيد خطر إصابتهم بالخرف الجبهي الصدغي. كان المشاركون المتبقون أقارب لهم لكنهم لم يحملوا تلك المتغيرات. بلغ متوسط أعمارهم الإجمالي 45 عاماً. ولم يُشخَّص الخرف لدى أي من المشاركين في بداية الدراسة.

قيّم الباحثون نتائج فحوصات المشاركين بعد خضوعهم لمسح دماغي عبر تقنية التصوير بالرنين المغناطيسي في بداية الدراسة وبعد مرور 12 شهراً ثم 24 شهراً.

كذلك، قيّموا مهاراتهم المعرفية وسألوا المسؤولين عن الاعتناء بهم حول وجود أي مؤشرات لديهم على قلة الحماسة تجاه اهتماماتهم الشخصية، أو تراجع اهتمامهم بأي نشاطات جديدة أو بالعلاقات الاجتماعية، أو لامبالاتهم بأفراد العائلة.

كشف التحليل أن الخمول زادت حدّته مع مرور الوقت في المجموعة التي تحمل جينات تزيد مخاطر الخرف قبل ظهور أي أعراض أخرى. لم تبرز أي نزعة مماثلة في المجموعة التي لا تحمل تلك المتغيرات الجينية. كذلك، أنذر مستوى الخمول لدى حاملي تلك الجينات في بداية الدراسة بتراجع قدراتهم المعرفية خلال السنتين اللاحقتَين لكن لم يكن العكس صحيحاً.

أخيراً، كشفت نتائج التصوير بالرنين المغناطيسي أن ارتفاع مستوى الخمول ارتبط بتراجع حجم منطقتَين دماغيتَين (الفص الجبهي والقشرة الحزامية) في بداية الدراسة.

تقول مالبيتي: "من خلال تحليل وضع الناس مع مرور الوقت، بدل أخذ لمحة سريعة عنهم، استنتجنا أن أبسط تغيرات في مستوى الخمول قد تنذر بتغيّر القدرات المعرفية. لاحظنا أيضاً انكماشاً موضعياً للدماغ في المناطق التي تدعم الحوافز والمبادرات قبل سنوات من ظهور الأعراض المتوقعة".

يستنتج الباحثون المشاركون في الدراسة: "سيكون فهم أسباب الخمول ونتائجه ودوره في نشوء الخرف الجبهي الصدغي أساسياً لتطوير استراتيجيات علاجية فعالة، منها مقاربات وقائية في سياق المخاطر الوراثية للمرض".

أسباب محتملة للخمول

قد يشتق الخمول من مجموعة عوامل متنوعة. يوضح البروفيسور جيمس رو من قسم علم الأعصاب العيادي في جامعة "كامبريدج"، وهو أحد المشرفين على الدراسة الأخيرة: "قد يتعلق سبب الخمول بحالة طبية تسهل معالجتها، مثل تراجع مستويات هرمون الغدة الدرقية أو مرض نفسي مثل الاكتئاب. لكن يجب أن يتذكر الأطباء احتمال أن ينذر الخمول بالإصابة بالخرف أو يزيد خطر التعرض له ما لم تُعالَج المشكلة، لا سيما إذا كان الفرد يحمل تاريخاً عائلياً بالخرف".

يعترف الباحثون بأن دراستهم كانت محدودة على بعض المستويات، فقد عجزوا مثلاً عن تحليل آثار متغيرات جينية مختلفة قد تزيد خطر الإصابة بالخرف الجبهي الصدغي لأن عدد المشاركين في كل مجموعة وراثية فرعية كان صغيراً جداً.

أخيراً، يذكر العلماء أن الاكتئاب ربما أدى دوراً خفياً في تحديد مستوى الخمول لدى حاملي تلك المتغيرات. لكنه احتمال مستبعد برأيهم لأنهم لم يرصدوا أي رابط مهم من الناحية الإحصائية بين مستويات الاكتئاب ودرجة الخمول.


MISS 3