وهبي قاطيشه

نَحنُ وبايدن

2 شباط 2021

02 : 00

... وأخيراً حصل التحوُّل في الإدارة الأميركية. رحل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب عن "عرش" البيت الأبيض، وباشر الرئيس جو بايدن ولايته، منذ اليوم الأول، بتصويب بعض ما خلَّفَه سلفُهُ من تداعياتٍ على المناخ، العنصرية، المكسيك... لإعادة تثبيت الدور العالمي الرائد لأميركا، ومسؤوليتها في حفظ الأمن والإستقرار الدوليين.

طبعاً، وكالعادة، يبدو أن بعض المسؤولين اللبنانيين، على جانبي خط المواجهة الحكومية، "موالاة ومعارضة"، ينتظرون هذه اللحظة الأميركية، كُلٌ منهما من منظاره الخاص، لابتلاع جرعة جديدة من التأييد لفريقه أو لفريق حليفه في الإقليم، تسمح له بتسجيل بعض النقاط الداخلية في لبنان على خصمه، معتقداً أن الأزمة اللبنانية تحتلُّ الأولوية في ملفات الرؤساء في البيت الأبيض.

ومع الإقرار بالمسؤولية الدولية لواشنطن في السلام العالمي، ودورها في حلِّ الكثير من الأزمات، إلاّ أن الدولة العظمى ليست هي التي تتسببُ بالأحداث والأزمات الدولية، فهي تشارك في إيجاد الحلول لهذه الأزمات، انطلاقاً من نظرة استراتيجية واسعة لمناطق العالم، وليس نظرة بالمفرَّق لبعض الدول، كما يشتهي بعض اللبنانيين. ففي كتابه "أميركا الجديدة"، يقول كيسنجر: "يتهمون أميركا بافتعال الأزمات؛ لكن الحقيقة هي أن الشعوب تختزن الأزمات وتتسبب بها بنسبة 85%، فتتدخل أميركا بعدها بنسبة 15%، للمساعدة في حلَّ هذه الأزمات، قبل أن تتفاقم وتتوسع وتنعكس سلباً على الإستقرار الدولي". هذه الثقافة التي يعيشها بعض المسؤولين اللبنانيين، ويسقطونها على جمهور واسع من مؤيديهم، عندما غلّبوا العاطفة في السياسة على العقل، حوَّلت البعض من الشعب اللبناني مع الأسف، إلى شعبٍ إتكالي لحلِّ أزماته، يتسبَّب بهذه الأزمات في الداخل، ويطلب من الغريب بِعَتبٍ كبير ليساعده في حلِّها بعد أن تخلّى هو عن مسؤولياته في خياره السياسي.

طبعاً أزماتنا في الداخل هي من صنع أيدينا بنسبة كبيرة ؛ لأن بعضنا تنازل عن السيادة الوطنية للغريب، والبعض الآخر أيَّد هذا الفريق طمعاً بمالٍ أو بمنصب، والثالث فضَّل دولة المزرعة لتكديس الثروة من المال الحرام، وبعض تجار السياسة استغلوا اللحظة ليستفيدوا في تحقيق ثروة غير مشروعة... كلُّ ذلك على حساب الدولة ومصالحها. لذلك قبل أن يطلب اللبنانيون المساعدة من أي صديق لحلِّ أزمتهم ويعتبوا عليه، عليهم أن يتحمَّلوا مسؤولياتهم كمواطنين في حسن اختيار ممثليهم، وأن يرصدوا مصادر تراكم ثروات هؤلاء "الممثلين" العاملين في الدولة، ويحاسبوهم في صناديق الإقتراع، فيقطعوا بذلك شوطاً بعيداً بنسبة 75% من محاسبة هؤلاء في استرجاع سيادة الدولة، ومصالحها الحيوية واقتصادها المزدهر...

لذلك، وقبل التفكير بتلقّي المساعدة من بايدن أو غيره من أصدقاء لبنان، يبقى السؤال: هل قام كلٌ منا بواجبه الوطني، بحسن اختيار مسؤوليه ومراقبتهم ومحاسبتهم؟ طبعاً لا. وإلاّ لماذا هجرنا أصدقاؤنا التاريخيون بانتظار أن نمارس حياتنا السياسية كمواطنين مسؤولين؟ إنها مسؤولية كل مواطن قبل الوصول إلى بايدن.


MISS 3