أحمد علي الزين

كتابات تستحق النشر

إلى لقمان سليم

8 شباط 2021

02 : 00

صباح الخير ياااا بيروت، عاصمة لقمان.

"نحن يا صديقي قد نُقْتل، ولكن لا نموت..."

تراني أمامك أعزلَ وواضحاً بصريح صوتي الكامل واسمي الكامل، على اسم نبي الحكمة: لقمان.

تعثر على سورته في القرآن، وتعثر عليَّ في بيروت، في الحارة، في الحانة، في الكتاب، أو في صحبة في المقهى، أو في الطريق الى الزمان.

لماذا تقتلني؟ قل لي: من فوّضك، من أرسلك؟ من أخبرك أني عدوّك؟

انا يا ابن بلدي لا أكرهك.

من في هذه الليلة، من شتاءٍ متردّد، عليَّ دلّك لتغدر بي؟

من قال لك إنّي هذه الليلة عائدٌ من جنوبي الى جنوني وحدي؟ الى حارتي ومحترفي وأهلي وامرأتي وحديقتي وحلمي، عائد وحدي الى سلمى أمي، الى بيت أبي وجدي، الى رشا اختي "مشغولة البال علي". ليس لديّ حزبٌ ولا حرس. كما تراني عائداً وحدي، حيناً أمشي بصحبة صديق وحيناً بصحبة كتاب وحيناً بصحبة أحلامي وفي كلّ حينٍ بصحبة مدبّر الأكوان...

اين كنت؟ تسأل.

كنت عند صديقي شبيب، من آل الأمين، ختمنا الليل بقصيدةٍ عن رضوان عليه السلام، وتذكّرنا محمد شمس الدين وضمور اليد في آخر تعويذةٍ رسمها، وعدنا الى سالف الأيام بسرعة البرق، تحسّرنا بسرعة الدمع على ما كان.

تذكرنا تذكرناااا، وغمرنا للحظةٍ صمت ركام المدن والسنين، وكأنّ الدنيا شريطٌ تستعيدُ منه ما تريد ولكنه لا يمحو ما لا تريد!

تذكّرنا الرسائل وفيلم نيرودا وساعي البريد. حياتُنا مقاطع تلتقطُها عدسة عين الزمان.

ثم اتفقنا في مقطع ما قبل الرحيل أنّنا نحب الحياة والبلاد ووقّعنا البيان الأخير.

وفوق هذا الحب زدنا دمعةً في الكأس، ودمعةً على حسرات الأمس،

ودمعةً مؤجّلة اسمّيها عادةً "لا بأس"... لا بأس يا صديقي: إن قُتِلنا فلَنْ نموت!

وخرجتُ في الليل عاشقاً كعادتي لأشمّ هواء الدنيا النقيّ في ليلنا الجنوبيّ، مشتاقاً للكلام الذي لم أقله بعد، للمنازلات الجميلة التي لم أخضها بعد، خرجتُ وكأنّي أعلم أنّك تترصّدني لتقتلني!

لماذا تقتلني وأنا وحدي في هذا الليل أعزل وصريح؟

تعالَ نتّفق على ما نختلف عليه،

لأكُن صريحاً معك، كعادتي، أنا لا أحبّ العنف، أحبّ الكلام... يجعلني العنف أخرس.

العنف هو كاتمٌ موقّت للصوت،

حتى لو أدّى الى الموت،

ولكن، له انفجار مدوٍ يقتلعك ويقتلع من أرسلك،

تعال أخبرك أنّ فعلك سيقتلني الآن وبعد حين سيقتلك.

أظنّك تعرف قول أهلنا القدماء: وبشّر القاتل بالقتل ولو بعد حين.

كنتُ يا بنيّ في ضيافة آل الامين، عائداً الى بيتي،

في شبهة آمن، ولا أُخفيك،

رجف قلبي حين أقبلتَ عليّ بمسدّسك. ابتسمتُ لك وفي نفسي سألت: من أرسلك؟

خفتُ. نعم خفت!

لستُ، كما يُظَنّ دائماً، شجاعاً،

لكنّي كتبت، نعم كتبت

انك ستبقى جباناً مهما قَتلتَ.

وابقى شجاعاً مهما قُتِلتُ.

بلّغ أيّها الليل سلامي لأهلي، لأمّي سلمى، لأختي، للزملاء في استديوات العاجل،

لصحبتي من زمان في ليل كاراكاس، عند ابي ايلي الذي مات، للساحات، لشلعة الفتيات المغرمات، لفتية المدينة المنكوبة رافعة الاعلام والنشيد والأمل.

بلّغ سلامي لبيروت: نحنُ يا صديقي قد نقتل ولكن لا نموت!


MISS 3