د. هشام حمدان

باسم كل ضحايا لبنان: شكراً غبطة البطريرك... ورجاء!

9 شباط 2021

02 : 00

شكراً غبطة البطريرك. شكراً أنّكم رفعتم صوت الضحيّة بعد أن تأكدتم رغم كل مساعيكم النبيلة لإقامة حكومة، أن لا أمل مع هذه السلطة الفاشلة. شكراً، سنستمر في الوقوف إلى جانبكم، مؤمنين كما كنا دائماً، بقيادتكم. فمهما تأخرتم بالتفاعل مع صوتنا، فإننا كنا ندرك أنها تعيش في أعماقكم. نحن الضحيّة لم نكن نستطيع أكثر من أن نرفع صراخنا، وأوجاعنا، وننتظر حكمتكم في علاقة مرهقة لكم، مع أركان سلطة مقيتة، فاسدة، فاشلة، باعت سيادة لبنان، وتاريخه، وكرامته، على مذبح مصالحهم الشخصيّة، وأنانيّاتهم الفرديّة، وتوّجت ذاتها لعشرات السنين، ولاة على رقاب الناس ومستقبل اولادهم، مستمرة في تشتيت أبناء البيت الواحد، والكذب عليهم باستغلال مشاعرهم الدينيّة، بحجة حمايتهم من شقيقهم اللبناني الآخر، متلذذة بعذاباتهم، ووقوفهم طوابير على أبوابهم يستجدون وظيفة هنا، وخدمة هناك، وحقاً لهم أُسكن أدراج الإدارت المعتاشة من أموال مجباة من عرق جبينهم، حتى يأتي أمر إطلاقها بتوقيع الولاة الممهور بذل هؤلاء الأبرياء الطيبين الضحايا.

كنا نشعر معاناتكم مع هذه الرموز التي لم تشأ أن تستمع لحكمتكم، وهي تدرك ما تعانونه في أعماقكم من ضجيج صراخ الناس. لم تأبه لفرصة أخرى تعطى لها، فتستولد حكومة ولو من رموز ذاتها، شكّلت قبلاً الحكومات فأوصلت لبنان إلى الإفلاس والخراب والدمار والإنهيار. فما هزتها أشلاء عشرات الأبرياء متناثرة في تفجير النيترات، مختارة أن تحافظ على عنصرية مشاعرها، معتقدة أن مسعاكم لإنشاء حكومة جديدة إنما غرضه، إنقاذ رئيس معروف بانه مفلس، ويختبئ خلف شهادة يعتقد أنها شهادة براءة له تحمله تذكرته الممهورة بدينه العظيم كماروني، وشهادة براءة يعرف أنها حقيقية ولكن مشروطة من صاحب سلاح متفلت، ويرهن الوطن وأهله لطموحات من يستخدمه. هم اعتقدوا أن هوّية فخامته الدينيّة ستغلب لديكم صراخ الناس وكل هذا التاريخ المرير له، ولأركان السلطة، لكنهم نسيوا أن البطريرك ليس مؤتمناً فقط، على موقع الرئاسة والموارنة، بل على كل لبنان، فلا الموارنة يمكن أن يستمروا من دون الجمهورية، ولا الجمهورية يمكن أن تستمر من دون الموارنة.

غبطة البطريرك، أنتم من أعطي لكم مجد لبنان. أنتم المؤتمنون على ما قام به أسلافكم الذين تركوا لنا لبنان الكبير وبناءه الإستقلالي. كنا نعلم أنكم ستلعبون عاجلاً ام آجلاً، دور بطريرك العدالة والحياد والإنقاذ. سلفكم رحمه الله، كان بطريرك الإستقلال الثاني فساهم في طرد الإحتلال السوري غير المأسوف عليه. ونعلم أنكم ستعملون بقوّة على استرجاع باقي لبنان إلى أهله.

غبطة البطريرك، عندما طرحتم فكرة المؤتمر الدولي، لم نَرتَب لحظة بحكمتكم، ونثق تماماً أنكم لن تسمحوا لأي بلد في العالم، أن يعتبر دعمنا، وسيلة له لإخضاع إرادتنا من جديد. فأنتم من رفع شعار حياد لبنان. والحياد يعني أنّ لنا أصدقاء، ولكن قرارنا يبقى بأيدينا تصنعه إرادتنا المتّحدة. ربما يكون المؤتمر الذي تنشده مقدمة لشحذ الدعم الدولي لنا، لمساعدتنا باستعادة ما سلب منّا قهراً منذ عام 1969، عندما فرض علينا بالتهديد والوعيد إتفاق القاهرة، فانهارت سيادتنا وصار بلدنا منذ ذلك الحين، رهينة للآخرين. نأمل أن يكون محطة تنتقل غبطتكم بعدها، إلى الموقع الأممي الوحيد، الأمم المتّحدة الذي شاركنا نحن شعب لبنان، بإقامته عام 1945، لحمايتنا وحماية كل الشعوب الصغيرة مثلنا، فترفعون صوتنا أمام مجلس الأمن، والجمعيّة العامّة، للمطالبة باسمنا جميعاً، بتنفيذ اتفاق الهدنة، وإعادة لبنان إلى تاريخه القويم، وإلى ماضيه الناصع. وليعلم القريب، والجار، والشقيق، والصديق، والبعيد، أننا كنا ضحايا، ضحايا لديموقراطيّة زرعناها ومارسناها قولاً وفعلاً، بسبب ثقافتنا المنفتحة، ونموذجنا للعيش المشترك الذي رعته دائماً، رسالتنا الإنسانيّة عبر القرون، فتم استغلال كل ذلك وسفكه تحت مقصلة المصالح والأغراض الأنانيّة.

شكراً غبطة البطريرك، فقد بعثتم في قلوبنا الفرح. أنتم اليوم تقفون أمام الناس، وأمام الله، وأمام الضمير الإنساني، وتقومون بما يفرضه موقعكم النبيل. فأنتم المنقذ الوحيد لهذا البلد. والله سيكون عوناً لكم لإخراج لبنان من محنته الطويلة. لقد منحكم الله هذا المجد لتعيدوا لشعبكم حقه المسلوب، ولأن تستعيدوا لهم سيادتهم، وتاريخهم، وتراثهم، وتعيدوا اسم وطنهم لامعاً في دنيا الشعوب الحضاريّة. نحن نثق أنّ كل الشرفاء من رجالات الدين، سيسرون بمرافقتكم في إطار وفد من كل الطوائف، يجمع أيضاً، رجالات لبنان اللامعة في دنيا الثقافة، والفكر، والعطاء الإنساني والمهني، من مقيمين ومغتربين، لم تتلوث أيديهم يوماً بأموال ودماء اللبنانيين وشرفهم، فتذهبون إلى أعلى منبر دولي وتصرخون، كما صرخ غسّان تويني: دعوا شعبي يعيش. أعيدوا تنفيذ اتفاق الهدنة، وامنحونا حيادنا، واعترفوا أنّنا كنّا ضحيّة الديموقراطيّة، والإنفتاح، والحريّات، ومن الواجب مساعدتنا لإعادة إعمار وطننا وإزالة ديون أقامها على كاهلنا، منتهكو كرامتنا وحريتنا وسيادتنا، وخذوا منّا بالمقابل، ما سيدهش العالم.


MISS 3