د. هشام حمدان

المؤتمر الدولي والضجّة المفتعلة... لماذا؟

2 آذار 2021

02 : 00

ثار "حزب الله" والأصوات التابعة له، على دعوة غبطة البطريرك الراعي إلى مؤتمر دولي برعاية الأمم المتحدة لإنقاذ لبنان. عجباً. فـ"الحزب" لم يعلن غضبه عندما عقدت مؤتمرات دوليّة سابقاً بالتعاون مع الأمم المتّحدة. فهذه ليست المرّة الأولى التي يطلب فيها عقد مؤتمر دولي بشأن لبنان. في 13 أيار 2008، عقدت مجموعة أصدقاء لبنان لقاء في واشنطن، دعمت فيه جهود الجامعة العربيّة التي كانت تعدّ لإرسال وفد وزاريّ إلى لبنان، بهدف دعوة الأطراف اللبنانية إلى الحوار، تمهيداً لإنتخاب رئيس للجمهوريّة. وقد ضمّت المجموعة: الولايات المتّحدة، مصر، فرنسا، بريطانيا، ألمانيا، إيطاليا، الأردن، الكويت، قطر، السعودية، إسبانيا، الإمارات العربيّة المتّحدة، أمين عام جامعة الدول العربيّة، الأمين العام للأمم المتّحدة والإتحاد الأوروبي.

وفي عام 2013، تشكّلت مجموعة أخرى لأصدقاء لبنان، وعقدت خلال ذلك العام سلسلة اجتماعات ناجحة في باريس وروما، عكست الدّعم الذي كان يقدّمه المجتمع الدولي للبنان من أجل مساعدته على مواجهة التحدّيات الإستثنائية. وقد تشكّلت المجموعة من فرنسا، الولايات المتّحدة، ألمانيا، إيطاليا، بريطانيا، الإتّحاد الأوروبي، روسيّا والأمم المتّحدة بالإضافة إلى ممثّلين عن المؤسّسات الماليّة الدوليّة.

وساهم أصدقاء لبنان بعقد مؤتمر دوليّ في روما أواسط تموز 2014، بحضور 43 دولة، بينها دول لاتينية، وأمين عام الأمم المتّحدة، كان مخصّصاً لدعم الجيش اللبناني. وقد قال وزير خارجيّة إيطاليا في حينه، أنجلينو الفانو، وبحضور وزير الخارجيّة "المقاوم" جبران باسيل، بأنّ قوات "اليونيفيل" لا تعمل لصالح السلام والأمن والمراقبة الفعّالة للحدود فحسب، بل أيضاً لتعزيز قوّات الأمن والمؤسّسات العاملة في لبنان، وجعله بمنأى عن تأثير عدوانيّة الجهات الفاعلة غير الحكوميّة (المقصود هنا "حزب الله")، وعن الأزمات الإقليميّة. وهو أكّد على أنّ هذا يتوطّد بشكل أفضل، من خلال ضمان تأييد دوليّ واسع للحكومة لتوطيد الأمن وبسط سلطتها على جميع التّراب الوطني. وقال: "لبنان أكثر من مجرد رسالة، ورسالة تعدّدية لأديان وثقافات وهويّات مختلفة تتعايش جنباً إلى جنب. إنه رسالة للحوار تروّج لها السياسة الخارجيّة الإيطاليّة وتدافع عنها، ليس في لبنان، بل في جميع أنحاء البحر الأبيض المتوسط وتهدف لمواجهة الفصائل المستقطبة والإيديولوجيات الخلافيّة".

وتكرّر هذا المؤتمر بتاريخ 15 آذار 2018، حيث أكّدت المناقشات والمباحثات أنّ المساعدة الدوليّة للبنان مشروطة بتسليم سلاح "حزب الله" ووقف نشاطاته العسكريّة الموزّعة في دول المنطقة. لم يعارض العالم إمكانيّة إقرار استراتيجيّة دفاعيّة للبنان، لكنه أصرّ على ان ينأى لبنان بنفسه عن الحروب والصراعات الجارية من حوله وفقاً لإعلان بعبدا، وعلى وقف نشاط "حزب الله" في الخارج. وقد برز تشدّد دوليّ واضح بشأن تطبيق القرارات الدوليّة. لم تكن تلك المؤتمرات إجتماعات لدول مانحة، وإنما كانت تهدف إلى مساعدة لبنان على مواجهة الأحداث الجارية في الدول المجاورة له، ولا سيما في سوريا، وعلى الحفاظ على الإستقرار فيه. فلبنان هو خطّ الدفاع الأول عن أوروبا في وجه الإرهاب. ودعم لبنان واستقراره ضروريّان للمنطقة.

لم يتحرك "حزب الله" في حينه، فلماذا يثور الآن بسبب طلب البطريرك عقد مؤتمر دوليّ جديد برعاية الأمم المتّحدة لإنقاذ لبنان؟ السبب هو أن البطريرك يطالب بتنفيذ قرارات الأمم المتّحدة. سلاح "حزب الله" ودوره الإقليمي، سيكونان على الطاولة. لم يعد من حاجة لأيّ دور لـ"الحزب" وحلفائه في سوريا والعراق. تمّ إنجاز المهمة فيهما ولم يعد لهما أي تأثير هامّ على أمن إسرائيل. لم يعد من حاجة لحكومات تسوية في لبنان. لم يقرأ "حزب الله" ونظام الملالي الذي يدعمه، ولا نظام الرئيس السوري بشّار الأسد، المتغيرات التي حصلت في العالم منذ عام 1990. فدفعوا ودفعنا معهم الثمن.

البطريرك لا يطلق شعارات في مثل هذه الأهميّة المصيرية، من دون دراسة معمّقة لها، ومن دون تشاور حولها مع الأصدقاء في العالم. البطريرك لا يمزح، ولا يعلن قراراً كنسياً يمكن له أن يبدّله اليوم أو غداً، بل هو يتكلم بشأن مستقبل لبنان، ويدرك أن العالم كله يستمع إليه. لكنهم ولا شك، استمعوا إلى الردّ الأميركي المؤيّد لمطلب البطريرك. وتذكروا أن هذه الدول الصديقة للبنان التي يتطلع إليها غبطة البطريرك، هي التي تشكّل قوات الطوارئ في جنوب لبنان، وأنه بكبسة زر ستكون مع الناتو في كل لبنان، فراحوا يتهمونه بالعمالة. هم الذين يعتمدون ماديّاً وعسكريّاً وفقهيّاً وسياسيّاً على الدعم من إيران. ويرفعون علم إيران بدلاً عن علم لبنان، ويؤكدون أن إيران هي أولاً بالنسبة لهم، لا لبنان، هم أنفسهم من يتهم غبطته بالخيانة والعمالة.

عندما يحين الوقت سنرى غبطته في الأمم المتّحدة، وسنرى العالم كلّه يستمع إليه. العالم يعرف حقيقة ما يمثّله رئيس جمهوريتنا، ويدرك واقع حكومتنا، ولذلك هو لا ينتظر الدولة اللبنانيّة في نيويورك، بل ينتظر أن يستمع إلى صوت الشعب الذي شارك في تأسيس الأمم المتّحدة، الذي لا ينقله أحد كما البطريرك.

سيد حسن لا تخطئ الحساب مجدّداً. عام 2021 لن يكون كما عام 2006. إنتهى دوركم. ساهمتم وفقهاء "المقاومة"، بتحقيق تحويل الدول العربيّة المجاورة لإسرائيل إلى فدراليات طائفيّة. الآن دور لبنان المحايد الذي يريده الغرب نموذجاً حيّاً لوطن الحوار ورسالة العيش المشترك. أنتم لم تستمعوا إلى ما قاله وزير خارجيّة إيطاليا في مؤتمر عام 2014. وبالطبع لم ينقل لكم وزيركم للخارجية "المقاوم" جبران باسيل، ما سمعه. لبنان سيعود درّة الشرق، ونموذجاً للعيش المشترك والإحترام المتبادل بين الطوائف، وجسراً للعلاقات الثقافيّة الغربيّة مع الشرق، ووطناً للحوار. سنعيد بناء لبنان مع أخوتنا الشيعة الذين سيكونون أول المتحرّرين.