جاد حداد

المرأة معرّضة لأمراض القلب رغم تراجع ضغط دمها؟

3 آذار 2021

02 : 00

يُعتبر الحفاظ على ضغط الدم ضمن النطاق المثالي عاملاً أساسياً لحماية القلب والصحة الجسدية عموماً. تسمح الدورة الدموية السليمة في أنحاء الجسم بتوزيع الأوكسجين ومغذيات أخرى على مختلف الأعضاء والأنسجة للحفاظ على سلامة الوظائف الجسدية.

يضخّ القلب الدم عبر الشرايين. وحين يتدفق ذلك الدم في أنحاء الشرايين، يفرض ضغطاً على الجدران الشريانية، ما يؤدي إلى مشكلة ارتفاع ضغط الدم.

يشمل معدل ضغط الدم قياسَين مرتبطَين بهذا الأثر: الضغط الانقباضي والضغط الانبساطي. يشير الضغط الانقباضي إلى قوة الدم أثناء خفقان القلب. أما الضغط الانبساطي، فيشير إلى القوة التي تُسجّل بين ضربات القلب حين ترتخي عضلة القلب. وفق التوصيات الراهنة، تبلغ العتبة القصوى من ضغط الدم الانقباضي الطبيعي لدى جميع الراشدين 120 ملم زئبق. تُعتبر هذه العتبة نموذجية منذ سنوات عدة.

قد يؤدي ارتفاع المعدل فوق هذه العتبة إلى الإصابة بمشكلة ارتفاع ضغط الدم، ما يعني زيادة مخاطر أمراض القلب والأوعية الدموية، مثل قصور القلب والجلطات الدماغية. لكن تكشف دراسة جديدة نشرتها مجلة "الدورة الدموية" أن المرأة قد تكون معرّضة لأمراض القلب والأوعية الدموية إذا كان ضغط دمها أقل من 120 ملم زئبق.

ترأست الدكتورة سوزان تشانغ، مديرة "معهد الأبحاث حول الشيخوخة الصحية"، فريق الباحثين الذي أجرى هذه الدراسة في معهد "شميت" للقلب التابع لمركز "سيدرز سيناي" الطبي في لوس أنجلوس.

ضغط الدم الطبيعي للرجال والنساء

حلل الباحثون قياسات ضغط الدم لدى 27542 مشاركاً، منهم 14873 امرأة (54%). لم يكن أيٌّ من المشاركين مصاباً بأمراض القلب والأوعية الدموية في بداية الدراسة، لكن أُصيب 7424 شخصاً منهم (44% من النساء) بنوع قاتل أو غير حاد من هذه الأمراض على مر فترة الدراسة التي امتدت على أربعة عقود. سُجّلت 3405 حالات من احتشاء عضلة القلب، و4081 حالة من قصور القلب، و1901 جلطة دماغية.

ركّز الباحثون على قياسات ضغط الدم لدى النساء تحديداً ومدى ارتباطها بحوادث أمراض القلب والأوعية الدموية.

استعملت الدراسة مقاربة نموذجية لتحليل قياسات ضغط الدم التي تتطابق مع أمراض القلب لدى النساء. كانت الأبحاث السابقة قد كشفت أن احتمال الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية يزيد تزامناً مع ارتفاع ضغط الدم وتجاوزه عتبة معينة. لكن تكشف البيانات في هذه الدراسة اختلافاً أساسياً: تتراجع عتبة ضغط الدم التي تطرح المخاطر على النساء.

حددت الدراسة عتبة 120 ملم زئبق للرجال، وهي تتماشى مع التوجيهات الموصى بها راهناً. في المقابل، رصدت الدراسة زيادة في مخاطر الإصابة بالأمراض لدى النساء حين اقتصر ضغط الدم على 110 ملم زئبق أو أقل من ذلك في بعض الحالات.

كذلك، حددت الدراسة مختلف نطاقات الخطر للإصابة بأمراض قلبية معينة. كانت مخاطر الإصابة بقصور القلب متشابهة لدى النساء والرجال حين تراوح الضغط بين 110 و119 ملم زئبق أو 120 و129 ملم زئبق على التوالي. وكانت مخاطر الإصابة بجلطة دماغية متقاربة حين تراوح الضغط بين 120 و129 ملم زئبق للنساء و140 و149 ملم زئبق للرجال.

عتبة المخاطر بين الجنسين

رغم تفاوت النطاقات المحددة في مختلف الأمراض، بدت عتبة المخاطر لدى الرجال أعلى من النساء دوماً.

كذلك، أجرى الباحثون تحليلات ثانوية حيث كرروا جميع النماذج المصنّفة بحسب الانتماء العرقي، فقد كان 66% من المشاركين من أصحاب البشرة البيضاء و26% منهم من أصحاب البشرة السوداء. صنّف الباحثون تحليلاتهم أيضاً بحسب العمر والمجموعات التي ينتمي إليها المشاركون. فراجعوا النتائج مثلاً بعد استبعاد من يأخذون أدوية خافضة لضغط الدم. في المرحلة اللاحقة، لاحظ العلماء نزعات متشابهة.

تقول تشانغ: "تكشف أحدث نتائجنا أن هذه المقاربة الموحّدة في تحليل ضغط الدم قد تسيء إلى صحة النساء".

قدّمت دراسة سابقة قادتها تشانغ أيضاً تفسيراً محتملاً لهذه العتبات غير المتماسكة وقابلية الإصابة بالأمراض. استنتجت دراسة من العام 2020 أن المرأة تصاب بارتفاع ضغط الدم بوتيرة أسرع من الرجال وقد تظهر مؤشرات المشكلة في مرحلة مبكرة من حياتها.

لتفسير هذا الاستنتاج، يشير العلماء إلى اختلاف التركيبة البنيوية والخصائص الفيزيولوجية للأوعية الدموية بين الرجال والنساء، إذ يكون قطر الشرايين لدى النساء أصغر من الرجال مثلاً.

في الوقت نفسه، تكشف هذه النتائج أن المرأة قد تكون أكثر عرضة من الرجل لأمراض القلب والأوعية الدموية، حتى لو كان الطرفان بالعمر نفسه وسجّلا مستوىً متشابهاً من ارتفاع ضغط الدم.


الخطوات المقبلة في أبحاث صحة القلب


إستناداً إلى الدراسة الجديدة، يبدو أن مستوى ضغط الدم الذي اعتبره الخبراء طبيعياً في السابق قد لا يكون النطاق المثالي للنساء. هذا الخلل المحتمل يُسلّط الضوء على الثغرة القائمة في الأبحاث الحاصلة حتى الآن ويطرح أسئلة محورية حول سبل الوقاية من أمراض القلب وطرق معالجتها.

تقول تشانغ: "بناءً على نتائج بحثنا، نوصي الأوساط الطبية بإعادة تقييم التوجيهات المرتبطة بضغط الدم إذا كانت لا تراعي الاختلافات القائمة بين الجنسين". لا بد من إجراء أبحاث إضافية لتحديد العتبة التي تستلزم معالجة ارتفاع ضغط الدم لدى النساء، سواء بقيت بمعدل 120 ملم زئبق أو تراجعت إلى حدود 110.

يُخطط فريق البحث لإجراء هذا النوع من الأبحاث في المرحلة المقبلة لتوسيع المعلومات العلمية حول صحة القلب والأوعية الدموية لدى النساء.



MISS 3