نوال السعداوي ... وداعاً مُلهمة النساء المتمرّدات

02 : 00

بعد مسيرةٍ حافلة في الدفاع عن حقوق المرأة ونتاجٍ فكري وأدبي أثرى المكتبات العربية بأعمالٍ فكرية وأدبية لا تحصى حصدت لها شهرة واسعة عربياً وعالمياً، توفيت أمس الكاتبة والطبيبة والناشطة النسوية المدافعة عن حقوق المرأة نوال السعداوي عن تسعين عاماً. وشاءت المصادفة أن ترحل السعداوي في يوم عيد الأم، هي من تحوّلت في حياتها الى "أمّ" ملهمة لأجيالٍ من النساء والرجال على السواء، تشعل فيهم روح التمرّد على تقاليد بالية وتحثّهم على إحداث ثورةٍ فكرية تحرّرهم من التبعية وتنقذهم من براثن الجهل المدمّر. رحلت أمس إذاً من أحدثت خضّةً فكرية في زمنٍ ما كان يُسمع للمرأة العربية فيها حسّ ومن هنا استمدّت جبروتها وفرادتها. انطفت إذاً مَن أبت السكون وآمنت بأنّ الثورة لا تحدث في الخفاء... مَن "حطّمت قفل الدرج وكتبت في النور وغضبت وثارت" بملء جوارحها. وقد تكون السعداوي قد رحلت فعلاً بالجسد ولكن أعمالها على صورتها ومثالها تماماً لن تعرف الاستكانة بل ستبقى تحرّك ثوراتٍ في عقول أجيالٍ من النساء لسنواتٍ قادمة، فالثورة كما كانت تقول دوماً "لسه لم تبدأ لأنّ الثورة الحقيقية هي تلك التي تحصل في العقول"... وداعاً إذا لسيدةٍ استثنائية مع يقيننا بأن فكرها سيبقى خالداً وبأنّ يوماً ما وبعد أن تتحرّر المرأة العربية فعلاً من قيودها الخانقة ستقف في الساحات عالية الجبين لتشكر بصوتٍ عالٍ من شقّت لها طريق الأمل ومدّتها بشعلة "الشرف الحقيقي": نوال السعداوي.


وُلدت الراحلة في "كفر طلحة" في محافظة الدقهلية في مصر عام 1931، لأسرة متوسطة الحال وكانت الإبنة الثانية بين تسعة أبناء. كان أبوها موظفاً في وزارة المعارف، وقد أدّى دوراً كبيراً في حياتها. تعلَّمت منه التمرّد على قيود المجتمع، وأن الثوابت التي لا تؤمن بها هي أصنام يسهل تحطيمها. حاولت أسرتها تزويجها في عمر العاشرة، وحين رفضت وقفت والدتها الى جانبها.

تخرجت من كلية الطب في العام 1955. وعلى الرغم من الصراع الدائم داخلها بين الأدب والطب، فإن أحدهما لم يحسم المعركة؛ فقد كانت طبيبةً مشاكسة وأديبةً مثيرة للجدل. تزوّجت ثلاث مرات ودفع زوجها الأخير شريف حتاتة بأعمالها إلى العالمية بترجمتها إلى اللغة الإنكليزية.


بدأت الكتابة مبكراً فكان أول أعمالها عبارة عن قصص قصيرة بعنوان "تعلمت الحب" في العام 1957، وأولى رواياتها "مذكرات طبيبة" العام 1958. ويعتبر كتاب "مذكرات في سجن النساء" (1986) من أشهر أعمالها. أمّا في المسرح فعرفت بـ"الزرقاء" و"سقوط الإمام" العام 1987 و"أوراق حياتي" عام 2000.


ناضلت الراحلة على مدار حياتها، ضد ختان الإناث. فقدت وظيفتها في وزارة الصحة المصرية عام 1972 بسبب كتابها "المرأة والجنس" حيث هاجمت فيه تشويه الأعضاء الجنسية للمرأة وقمع النساء. كما أغلقت في عام 1973 مجلة الصحة التي أسستها قبل ذلك بسنوات. غير أنها لم تتوقف عن التعبير عن آرائها.


وفي العام 1975 نشرت رواية "امرأة عند نقطة الصفر" المستوحاة من قصة حقيقية لإمراة التقتها وكانت تواجه عقوبة الإعدام. وعام 1977 نشرت روايتها "الوجه العاري للمرأة العربية" وثقت خلالها تجاربها إذ كانت شاهدةً على جرائم اعتداء جنسي و"جرائم شرف" ودعارة خلال عملها كطبيبة في إحدى القرى. وأثارت الرواية حالة من الغضب، واتهمها النقاد بتعزيز الصور النمطية للمرأة العربية.


أودعت السعداوي في السجن في أيلول 1981، ضمن حملة اعتقالات طالت معارضي الرئيس المصري أنور السادات. وكتبت حينها مذكراتها باستخدام مناشف ورقية وقلم لرسم الحواجب هربته إليها عاملة جنس سجينة.


وبعد اغتيال السادات أطلق سراح السعداوي، لكن نشاطها خضع للرقابة وحُظرت كتبها. مع الاشارة الى أنّ مجلة "تايم" الأميركية اختارتها ضمن قائمة الـ100 امرأة الأكثر تأثيراً في العالم لعام 2020 بمناسبة اليوم العالمي للمرأة، ومنحتها غلافاً احتفائياً عن عام 1981 الذي واكب تعرضها للسجن.


وخلال السنوات التالية، تلقت تهديدات بالقتل من جانب أصوليين، كما رُفعت ضدها دعاوى قضائية، لتضطر في نهاية المطاف إلى العيش في منفى في الولايات المتحدة، حيث واصلت هجومها من هناك ضد الدين والاستعمار وما وصفته بالنفاق الغربي. كذلك، شنت حملة ضد ارتداء الحجاب، مهاجمةً في الوقت نفسه استخدام مساحيق التجميل والملابس الكاشفة، ما أثار غضب زميلاتها من الناشطات النسويات.



خلال تسلمها دكتوراه فخرية من الجامعة الوطنية المستقلة في المكسيك (أ ف ب)


مسيرة حافلة


كانت السعداوي عضواً في المجلس الأعلى للفنون والعلوم الاجتماعية في القاهرة وأسست جمعية التربية الصحية وجميعة للكاتبات المصريات وعملت لفترة كرئيسة تحرير مجلة الصحة في القاهرة، ومحررة في مجلة الجمعية الطبية.


في رصيدها أكثر من خمسين عملاً متنوعاً بين الرواية والقصة والمسرحية والسيرة الذاتية وتُرجمت أعمالها إلى أكثر من 40 لغة. وتعتبر واحدة من أهم الكاتبات المصريات والأفريقيات على مرّ العصور وحصلت على جائزة الشمال والجنوب من مجلس أوروبا، وجائزة "إينانا" الدولية من بلجيكا في العام 2005، و"شون ماكبرايد" للسلام من المكتب الدولي للسلام في سويسرا في العام 2012.


عادت السعداوي إلى وطنها الأم عام 1996، وسرعان ما أثارت ضجة في البلاد، فترشحت الى الانتخابات الرئاسية عام 2004 ثم شاركت في الانتفاضة الشعبية ضد حكم الرئيس السابق حسني مبارك عام 2011. أمضت سنواتها الأخيرة في القاهرة إلى جانب ابنها وابنتها. وتوفيت بالأمس عن عمر ناهز الـ90 عاماً، بعد أن تعرضت لأزمة صحية نقلت إثرها إلى أحد المستشفيات حيث فارقت الحياة.


من أشهر أقوالها


• جريمتي الكبرى أنني امرأة حرّة في زمن لا يريدون فيه إلا الجواري والعبيد.، ولدت بعقل يفكر في زمن يحاولون فيه إلغاء العقل.

• نقطة الضعف التي يرتكز عليها الرجل في محاولته للسيطرة على المرأة حمايتها من الرجال. غيرة الذكر على انثاه. يدعي انه يخاف عليها وهو يخاف على نفسه. يدعي انه يحميها ليستحوذ عليها ويغلق عليها اربعة جدران.

• لقد أصبح الخطر جزءاً من حياتي منذ رفعت القلم وكتبت. لا يوجد ما هو أخطر من الحقيقة في عالم مملوء بالكذب.

• إن قلة عدد النساء والفتيات المهتمات بعقولهن، هي ظاهرة موجودة في المجتمع العربي وهي ظاهرة لا تدل على أن المرأة ناقصة عقل ولكنها تدل على أن التربية التي تلقتها البنت منذ الطفولة، تخلق منها إمراة تافهة التفكير.

• إن حريتي لا أستمدها من خلايا ضعيفة من خلايا جسدي وإن قيودي لا تنبع من خوف على عذرية واهية تمزقها خبطة عشواء... قيودي أضعها بنفسي حين أريد القيود وحريتي أمارسها بإرادتي كما افهم الحرية.

• من الخطأ والتخلّف أن تشعر النساء بالرضى عن حياتهنّ والسعادة لمجرد إنجابِ الأطفال.. إن العمل ضرورةٌ إنسانية، أما الإنجاب فليس إلا وظيفة بيولوجية تقوم بها جميع الكائنات الحيَّة ابتداء من الأمبيا إلى القرود.

• بدلاً من ترقيع غشاء البكارة فى أجساد النساء أليس من الأفضل تغيير مفهوم الشرف في عقول الرجال؟

• إن الإنسان يولد عارياً ويموت عارياً، وما تلك الأثواب التي يلبسها الإ زيف يحاول أن يغطي بها حقيقته.

• يربون البنت الصغيرة منذ طفولتها على أنها جسد فقط فتنشغل به طوال حياتها ولا تعرف أن لها عقلاً يجب أن تنميه.

• الانسان انسان بعقله وليس بجسده. ولهذا يجب أن يرتبط مفهوم الشرف بعقل الانسان سواء كان ذكراً أو امرأة. فالعقل الصادق هو الانسان الشريف. والعقل المفكر المنتج هو الانسان الشريف.

• المرأه كالدولة إن لم تعيل نفسها بمالها فقرارها ليس بيدها.

• كلما أمعنت النظر في مشاكل حياتنا زدت اقتناعا بأننا بحاجة إلى مزيد من الحب والرحمة؛ فالحب يجعل الحياة مقبولة بما يثيره فينا من أحاسيس، والرحمة تلطّف الحياة برقتها وخيرها.











شهادات فيها


تصدرت الراحلة "تريند" مواقع التواصل الاجتماعي ونعى كثير من الفنانين، الكاتبة المصرية اخترنا منهم الباقة التالية:

الاعلامي ريكاردو كرم: "حطّمي قفل الدرج واكتبي في النور... إغضبي وثوري ولا تستكيني". نوال السعداوي قالت: "أنا ضدّ"، حطّمت الأغلال وعاشت حرّة. وداعاً".


الشاعر والمسرحي يحيى جابر: "نوال السعداوي هي الأصل... هي الأمّ التي علمتنا كصبيان أن نتعلم ونفهم ونصغي للنساء انهن مولودات من وجع لحم ودم... هي من أخرجت المرأة من قصيدة الرجل الى الحياة".الدكتورة إيناس عبد الدايم وزيرة الثقافة المصرية: "اهتمت الراحلة بالكثير من القضايا الاجتماعية ووضعت مؤلفات تضمنت آراء صنعت حراكاً فكرياً كبيراً".


نشرت الناشطة النسوية ثريا بهجت، اقتباساً من كتاب الراحلة "الوجه العاري للمرأة العربية" جاء فيه: "التضامن بين النساء يمكن أن يكون قوة قوية للتغيير، ويمكن أن يؤثر في التنمية المستقبلية بطرق إيجابية ليس فقط للمرأة وإنما أيضا للرجال". وعلقت: "فقدنا اليوم أيقونة نسوية ومفكرة مصرية عظيمة مع وفاة نوال السعداوي التي علمت وألهمت الكثير من النساء والرجال".


نشرت الفنانة السورية سلاف فواخرجي صورة للسعداوي وميادة بسيليس، معلقةً عليها: "في عيد الأم... كل الحب والاحترام... لسيدات عظيمات أحبّهن وأجلّهن... رحلت في العيد... سيدات صنعن مجداً وتركن أثراً لا يمحى ولن يمحى... تحية لعائلاتهن ولوجع فراقهن".


حرصت الإعلامية المصرية رشا قنديل، على نعي السعداوي ونشرت صورة كاتبةً: "أنتِ امرأة متوحشة وخطيرة. أنا أقول الحقيقة. والحقيقة متوحشة وخطيرة".

غردت الفنانة أنغام كاتبةً: "انا لله وإنا إليه راجعون. وداعاً دكتور #نوال_السعداوي المفكرة والأديبة وصاحبة الرأي المستنير لروحك السلام والرحمه".

MISS 3