النبيذ الأحمر... علاج للاكتئاب؟

12 : 55

في الوقت الراهن، تتفاعل معظم الأدوية التي يصفها الأطباء للاكتئاب والقلق مع مسارات السيروتونين أو النورادرينالين في الدماغ. لكن يحاول الباحثون إيجاد علاجات محتملة أخرى، وقد لجأ بعضهم إلى عنصر طبيعي اسمه الريسفيراترول.

الريسفيراترول موجود في قشور العنب والتوت، لكن يبقى النبيذ الأحمر أشهر مصدر له. وزاد اهتمام علماء الطب به في السنوات الأخيرة. كشفت الدراسات سابقاً أن الريسفيراترول يعطي على ما يبدو أثراً مضاداً للاكتئاب لدى الفئران والجرذان.

أما الدراسة الأخيرة، فنُشِرت في مجلة "الصيدلة العصبية" وحللت عن قرب الآليات التي تنعكس على نشاط الريسفيراترول المضاد للاكتئاب. كذلك، تساءل الباحثون عن احتمال أن يكون هذا العنصر أساس علاجات مستقبلية للقلق والاكتئاب.

ركّز الباحثون في جامعة "سوزهو" الطبية في الصين على دور "الفسفوديستريز 4" و"أحادي فوسفات الأدينوسين الحلقي" تحديداً.

ما أهمية "الفسفوديستريز "4 و"أحادي فوسفات الأدينوسين الحلقي"؟

يُعتبر أحادي فوسفات الأدينوسين الحلقي مهماً في عمليات بيولوجية كثيرة ويتولى نقل الرسائل. تتجاوب هذه الجزيئات مع إشارات خارج الخلية، مثل الهرمونات، وتنقل الرسالة إلى المناطق المعنيّة داخل الخلية. أوضح المشرفون على الدراسة الجديدة: "بما أن أحادي فوسفات الأدينوسين الحلقي مُنظِّم أولي للتواصل القائم بين الخلايا في الدماغ، يمكن اعتباره هدفاً جاذباً في علاجات الاضطرابات النفسية".

ذكرت دراسات سابقة أيضاً أن الريسفيراترول يزيد مستوياته في عدد من أنواع الخلايا.

أما الفسفوديستريز 4، فيشير إلى فئة من الأنزيمات التي تُفكك أحادي فوسفات الأدينوسين الحلقي، ما يسمح بتنظيم مستويات هذه الجزيئة داخل الخلايا. يؤدي ارتفاع معدل الفسفوديستريز 4 إلى زيادة ذلك التفكك، وقد ألمحت دراسات سابقة إلى دوره في الاكتئاب والقلق.

ذكرت إحدى الدراسات مثلاً أن تثبيط الفسفوديستريز 4 زاد مؤشرات أحادي فوسفات الأدينوسين الحلقي، ما أدى إلى تراجع السلوكيات المرتبطة بالقلق والاكتئاب لدى الفئران.

استعملت الدراسة الأخيرة من جهتها نماذج حيوانية وزرعت خلايا عصبية لدى الفئران (بما يشبه تلك الموجودة في الحُصَين البشري) لتفسير أثر الريسفيراترول على سلوكيات القوارض.

أثر الضغط النفسي

لم يفهم الخبراء بالكامل بعد أسباب الاكتئاب وظهوره لدى أشخاصٍ دون سواهم.

تُسمّى إحدى النظريات الشائعة في هذا المجال "فرضية القشرانيات السكرية". يطلق الجسم تلك القشرانيات التي تشمل الكورتيزول عند التعرّض لضغط نفسي. على المدى القصير، تساعد هذه الهرمونات الجسم للاستعداد لأي أزمة مرتقبة. لكن إذا دام الضغط النفسي لفترة أطول، يمكن أن تُسبب القشرانيات السكرية الأضرار.

لذا يظن بعض العلماء أن الضغط النفسي المزمن يسيء إلى الخلايا العصبية في الحُصَين، علماً أنها على درجة عالية من الحساسية. ثم يُمهّد هذا الضرر لنشوء القلق والاكتئاب.

اهتم الباحثون في الدراسة الأخيرة تحديداً بفهم قدرة الريسفيراترول على عَكْس آثار الضغط النفسي الضارة واستكشاف طريقة حصول ذلك. فاستنتجوا أن زيادة مستويات الكورتيكوستيرون (نسخة من الكورتيزول لدى القوارض) أنتجت إصابات خلوية في الدماغ وزادت مستويات الفسفوديستريز 4: يظن العلماء أن عنصراً من هذه الفئة يؤدي دوراً بالغ الأهمية على مستوى الإدراك والاكتئاب.على صعيد آخر، تبيّن أن العلاج بالريسفيراترول كبح زيادة مستويات الفسفوديستريز 4 وخفّض عدد الإصابات الخلوية، كما أنه منع تراجع مستوى أحادي فوسفات الأدينوسين الحلقي.

في مجموعة الفئران التي تمّت هندستها كي تعجز عن إنتاج الفسفوديستريز 4، عزز الريسفيراترول الآثار الواقية لأحادي الفوسفات بدرجة تفوق المنافع المُسجّلة لدى الفئران التي تحمل جزيئة سليمة من الفسفوديستريز 4.

كتب الباحثون: "تطرح هذه النتائج أدلة مفادها أن آثار الريسفيراترول الشبيهة بمضادات الاكتئاب ومزيلات القلق تحصل في معظمها نتيجة تثبيط الفسفوديستريز 4".الأبحاث في بدايتها

تُشكّل هذه النتائج جزءاً بسيطاً آخر من الأحجية. يبدو أن الريسفيراترول، الذي يخفف القلق والاكتئاب لدى الفئران على الأرجح، يعطي مفعوله عبر تثبيط الفسفوديستريز 4 وتنشيط إشارات أحادي فوسفات الأدينوسين الحلقي.

يقول يينغ تشو الذي شارك في الإِشراف على الدراسة ويحمل شهادة دكتوراه في مجاله: "قد يكون الريسفيراترول بديلاً فاعلاً عن الأدوية لمعالجة المصابين باضطرابات الاكتئاب والقلق".

لكن رغم حماسة تشو، تَقِلّ المعطيات التي تثبت قدرة الريسفيراترول على محاربة الاكتئاب لدى البشر. صحيح أن الأدلة على مفعوله لدى الحيوانات تزداد مع مرور الوقت، لكن لا تزال البيانات المشتقة من التجارب العيادية قليلة.

كذلك، يصعب أن تُنقَل النتائج من الدراسات الحيوانية إلى البشر، لا سيما عند التعامل مع الأمراض النفسية، إذ لا تزال فعالية استعمال نماذج الحيوانات لتحليل الاكتئاب محط جدل محتدم. مع ذلك، تبقى أي خطوة لفهم المدخلات والمخرجات الكيماوية للاكتئاب والقلق مفيدة.

في النهاية، يجب أن تعرف أنك لن تحصد المنافع النظرية للريسفيراترول عبر شرب النبيذ الأحمر، فهذا العنصر موجود بكميات ضئيلة في النبيذ، كما أن المواد الكحولية فيه ستلغي أي منافع طبعاً.

نعرف الآن معلومات إضافية عن الآليات الجزيئية الكامنة وراء أثر الريسفيراترول على الاكتئاب والقلق لدى الفئران، لكن يجب أن ننتظر إجراء تجارب عيادية لاكتشاف منافعه المحتملة لدى البشر.


MISS 3