عماد موسى

أنا ميشال عون

9 نيسان 2021

02 : 00

في "السيرة شبه المحرّمة " التي كتبها الصافي السعيد عن "المجاهد الأكبر" الحبيب بورقيبة، استوقفني في المقدمة هذا التوصيف "حين تكون قامتك قصيرة وتخاف أن يحجب عنك الآخرون الرؤية، عليك إما السير في المقدمة وإما الصعود فوق أكتاف الآخرين".

وقد روى لي صديق تونسي، ونحن نمر من أمام قصر الحبيب بورقيبة (1900 - 2000) في المونستير، أن الرئيس السابق شبه معزول عن العالم، وفي كل يوم يتناول سماعة الهاتف ليتحدث إلى مواطن يختار اسمه من دليل الهاتف، يعرّف عن نفسه."أنا الحبيب بورقيبة" يدردش معه بما يشبه الغمغمة ويذكره أنه لا يزال موجوداً. وفي زمن عزّه، كان يلتقي مرة في الأسبوع، إثنين من مواطنيه، كي يسمع منهم مباشرة شكواهم وشؤونهم. فإن فرحوا فرح قلبه. وإن اشتكوا دمعت عيناه.

أخرج زين العابدين بورقيبة من قصر الرئاسة في عملية نظيفة استغرقت 12 دقيقة، ولم يخرجه من التاريخ.

كان بورقيبة، في سن "الجنرال" عون اليوم، يومَ اُبعد عن السلطة.

والجنرال مثل بورقيبة مسكون بتاريخه مع فارق التاريخين.

بورقيبة خاض معاركه. وعون ما زال يخوضها. باستثناء معركة الوصول إلى الندوة البرلمانية والسلطة، كل معارك الجنرال دونكيشوتية أو مدمّرة، عسى يوفّق في معركة التدقيق الجنائي، وقد خاطبنا أول من أمس، نحن مواطنيه، بالقول: أنا ميشال عون، الجنرال اللي بتعرفوه، ومعرفته تجعلنا أسرى القلق على الكيان وعلى الحاضر والغد.

يخوض الجنرال معركة التدقيق الجنائي المالي وهو قبل 31 عاماً خاض معركة كي لا يحصل التدقيق معه. ومعاً نقرأ في كتاب " الياس الهراوي ـ عودة الجمهورية من الدويلات الى الدولة" ما يأتي: "قُدّرت المبالغ التي تطالب الدولة عون بإعادتها إليها، بنحو خمسة وسبعين مليون دولار وهي قسم من موارد الجبايات وثمن المحروقات والقمح، أُودع ثلاثون مليوناً منها باسمه وباسم زوجته في مصارف فرنسية بموجب أوامر تحويل.. وتمكنّا قبل عمليات إنهاء التمرد من الحؤول دون تحويل 17 مليونا و600 ألف دولار".

ويورد الهراوي في كتابه صور التحاويل مكتوبة بخط اليد وموقعة باسم العماد عون ( ص 200 و201 و202) ومعروف أن الدعوى التي اُقيمت على عون في خلال وجوده في السفارة الفرنسية بقيت حبراً على ورق، وكان طي ملف عون القضائي جزءاً من صفقة العودة.

ألم تكن المسألة يومها، أو بعد أعوام، تستأهل تحقيقاً مالياً، جنائياً أو غير جنائي يبرّئ ساحة من يخوض اليوم معركة إعادة أموال المودعين اللبنانيين وإماطة اللثام عن وجوه الحرامية الأنذال؟

في المحصّلة لن يهنأ للرئيس ميشال عون عيش، ونتمنى أن يعيش أكثر من بورقيبة، قبل استكمال معاركه.