محمد دهشة

الغلاء يصاحب رمضان صيدا: البيوت أسرار... وأحياناً بلا طعام وشراب

حلويات باتت بعيدة المنال للطبقات الفقيرة

لم تتمالك الحاجة مريم زكنون غضبها وهي تدخل الى سوق الخضار في صيدا لشراء احتياجات شهر رمضان المبارك، اذ ارتفعت اسعارها مُجدّداً لتُحرم العائلات الفقيرة منها، في ظلّ الازمة المعيشية الخانقة التي حرمتها سابقاً من شراء اللحوم والدجاج والأسماك.

ويعترف قاصدو السوق أنّ أسعار الخضار، لا سيّما ما يتعلق منها بإعداد صحن الفتوش الذي يزيّن موائد الصائمين يومياً، لحقها الغلاء ولكنّها ما زالت محمولة قياساً الى ارتفاع اللحوم والدواجن والمواد الغذائية التي يبدو أنّها لن تدخل هذا العام الى منازل كثيرة، فـ"البيوت أسرار"، تقول الحاجة مريم وهي تصف تعفّف عائلات عن السؤال، وتصل الحال في بعضها الى أكل ما تيسّر من الارز أو البطاطا والخبز الناشف وعلى قاعدة "جود بالموجود"، مشيرة الى "أنّ الازمة تضيق الخناق على الناس وتنذر بانفجار اجتماعي قريب لن يرحم احداً، لقد استغلوّا شهر رمضان المبارك ليرفعوا الأسعار ويزيدوا معاناة الناس، فليتّقوا الله في رمضان".

في سوق الخضار، ينادي الباعة بأصواتهم العالية على بضائعهم، يسعون ايضاً الى رزقهم وحالهم لا تختلف عن الزبائن، فالتجّار الكبار "يأكلون بلا شبع وبكلّ جشع ويتركون الفتات لنا"، يقول أحدهم، ويتنهّد "بلا أسباب ارتفعت الأسعار من البندورة والخيار والخسّ والنعناع والحشائش التي تستخدم في صناعة صحن الفتوش لمجرّد حلول رمضان والاقبال عليها". بينما لا يُخفي الحاج محمد مصرية أسفه لـ"تردّي الوضع الاقتصادي الذي يدفع الفقراء والطبقات الشعبية للسعي وراء تأمين قوت يومهم والبحث عن الارخص بين سوق وآخر ودكّان وآخر، بدلاً من التفرّغ للعبادة والطاعة كما تجري العادة"، قبل أن يقسم "لقد بات البعض يعدّ نقوده قبل الشراء كي تكون كافية ويعرف أنّه قادر على شراء حاجته ولا يُحرج".

ويقول مختار حيّ الكنان خالد السنّ لـ"نداء الوطن": "إنّ الغلاء سلبنا شراء ما تحتاج اليه العائلات وخاصة في رمضان، ولكنه كرّس عندنا مفهوم التكافل الاجتماعي بأبهى مظاهره، وهذا التضامن أبعد المشاكل والخلافات عنّا، الكلّ يسعى الى خدمة الآخر ويلعب المخاتير دور الوسيط أحياناً"، مشيراً الى "أنّ بعض الميسورين يقومون بتوزيع مساعدات مالية وحصص تموينية على العائلات الفقيرة، وفي الوقت نفسه تقوم بعض الجمعيات الاهلية والخيرية بتكفّل عائلات وتأمين احتياجاتها الشهرية ولكن تبقى الامكانيات المالية محدودة". ويؤكّد رئيس "رابطة مخاتير صيدا" ومختار حي الدكرمان إبراهيم عنتر أهميّة المبادرات "لكن في النهاية، المواطن هو مسؤولية السلطة والسلطة اليوم تخلّت عن مسؤوليتها، فالتكافل الاجتماعي هو الأساس للمرور والعبور من هذه الازمة التي نعيشها إلى برّ الأمان، والجميع مطالب بأن يهتمّ بالمواطن بعيداً من انتمائه الطائفي أو السياسي أو المناطقي، لأنّ الجميع في سفينة واحدة من يظنّ نفسه بأنّه هو على ظهر السفينة ويرى الشمس والنور والطعام والشراب ويترك من هو في قعرها، فإنّ هذه السفينة ستغرق بالجميع في وسط المحيط".

والى جانب الخضار، ارتفعت أسعار التمور وشراب الجلّاب والتمر هندي والعرق سوس والتوت وسواها، بينما تحوّلت الحلويات على اختلاف انواعها حلماً بعيد المنال، مع الارتفاع الكبير الذي لحق أغلبيتها، وخاصة الرمضانية التي تعتمد على القشطة والمكسّرات، لتبقى مجرّد ذكرى في أيام الخير والعزّ.