شربل داغر

إلى من غابوا ويغيبون...

19 نيسان 2021

02 : 00

لا ينقضي يوم من دون أن يموت شاعر او كاتب عربي معروف ما يشير إلى خسارات اكيدة، ولا سيما لمن هم كانوا في أوج تكريسهم وعطائهم.

ويقوى المتابع على ضبط لوائح خاصة بكل بلد عربي في هذا الفقدان الأدبي المتفاقم...

يكفي، مثلما حدث لي قبل ايام، أن انتقل إلى المكاتبات الهاتفية في "المسنجر"، لكي أتحقق من خساراتي الشخصية المتمادية: الياس... محمد... رفعت... شاكر... وكثيرون غيرهم.

استعيد ما كان يجمعنا من مواعيد وتفاهمات وخفة... استعيدها، ما يُدير الخنجر في جسد المحبة.

غير أن هذا الامتحان القاسي يصيب الادباء مثل القراء بدورهم.

هكذا يموت أحبة لي، وأصدقاء كثر.

يموت من تزداد أرقامهم فوق أرقام من سبقوهم، ممن لا اعرف، لكنني اعرف ان لهم حيوات ورغبات وآمالاً تساقطت في حمى الهواء الصاعق.

ما أشنع ما يصيبنا، إذ تتحول الملامسة إلى وثيقة وفاة، والتنفس إلى اختناق، والقربى إلى عدوى، والاجتماع الأنيس إلى مقتلة جماعية!

والأوجع، في هذه الجائحة، هو أنّ كل واحد منا يصبح ناقلَ الموت لمن هم قريبون منه، لمن يشاركهم البيت والغرفة والطاولة وقطعة الخبز والتحية...

هكذا تصبح جملة جان- بول سارتر الشهيرة: "الجحيم، هم الآخرون"، وفق هذه الصيغة: "الموت، هم الأقربون منا".

اعرف أنّ هناك من سيموتون- كما في عمل أدبي لمرغريت دوراس- مثل الجندي الانكليزي الذي مات بعد وقف إطلاق النار.

اعرف ان هناك من يموتون وسيموتون بعد توافر اللقاح، مثل سراج ليل امام عاصفة هوجاء.

متى تلك الحياة التي نعبُّها بكلتا اليدين، ونتنشقها بأوسع الصدر، فيما نعدو ونلهو كما لو أنها شريكة لعوب!؟

يبدو ان الأرض ليست آمنة مثلما توهمنا، ولا سيطرنا عليها مثلما عملنا وخططنا...

يبدو أنّ الحياة هبة وليست حقاً. هي نعمة، وليست قوّتنا وعلامتنا في الوجود، إذ أنها قد تكون نقمة ظالمة لكثيرين.


MISS 3