د. ميشال الشماعي

السباق إلى الدّولة

22 نيسان 2021

02 : 00

تتابع هذه الأكثريّة الحاكمة معركتها في الإطباق على مفاصل الدّولة كلّها لكأنّ الحياة السياسيّة في لبنان طبيعيّة ولا تشوبها أيّ شائبة؛ والأكثر من ذلك، تتجاهل الهمّ المعيشي والاقتصادي والنقدي لكأنّ ناسها تعيش في إمارة موناكو. فهل من سبل باقية للمواجهة؟ أم الوضع العام آيل إلى الانفجار؟

ممّا لا شكّ فيه أن لا انفراجات في المدى المنظور، لا سيّما بعدما بات واضحاً ربط الملفّ اللبناني في البازار التفاوضي بين أميركا وإيران. وعلى ما يبدو أنّ هذا المسار طويل جدّاً وليس كما اعتقد مهندسو الانقلاب على الدّولة في لبنان. لذلك من المحتمل الآن اللجوء إلى خطط بديلة للإطباق بطريقة أسرع. لقد أطلّ الأمين العام لـ"حزب الله" رافعاً السقف في خطابه فاعتقد بعضهم أنّه يتحضّر لمواجهة عسكريّة ما، فأتت المفاجأة بافتتاح السوبرماركات والبطاقات التموينية التي أطلقها كبطاقة "سجّاد".

ف"الحزب" حاضر للمواجهة الاقتصاديّة ومحصّن بيئته، ولكن هل هذا التّحصين يشمل البيئة الحاضنة كلّها أم فقط المقرّبين منه ومن القيادات والعناصر فيه؟ وإن دلّ ذلك على شيء فهو يدلّ بأنّ النّاس عامّة لم تعد قادرة على المواجهة، حتّى أولئك الذين يعيشون في بيئة "الحزب" نفسها. سيصل وقت وهو قريب جدّاً، ستنفجر فيه هذه البيئة من الدّاخل. أمّا في البيئات الأخرى فحدّث بلا حرج. ما من بيئة تمتلك مقوّمات جدّيّة لمواجهة الأزمة الاقتصاديّة لا سيّما بعد اقتراب موعد رفع الدّعم في نهاية شهر أيّار المقبل. وهذا بالطبع سيؤثّر في الأزمة الاقتصاديّة السوريّة أيضاً لأنّ التهريب عندها لن يجدي أيّ نفع بسبب غياب غاياته الرّبحيّة النفعيّة.

من هنا، لا ينتظرنّ أحد أيّ انفراجات دوليّة لأنّ الملفّات التفاوضيّة في المنطقة بطيئة جدّاً ولا تسير بوتيرة متسرّعة. وبناء على ذلك كلّه، لا تضيّع هذه الأكثريّة أيّ فرصة فهي وضعت نصب عينيها اليوم معركة القضاء. الهدف تحدّد أمّا الوسيلة فهي التي برعت فيها هذه الأكثريّة، أيّ التعطيل الذي سيستمرّ حتى نهاية شهر أيّار فتنتهي بذلك ولاية مجلس القضاء الأعلى. وعندها تعيّن هذه الأكثريّة مجلساً يشبهها تماماً لتأتي الخطوة التالية بتطيير التشكيلات القضائيّة التي عمل عليها الرئيس سهيل عبّود مع فريق عمله. فيصدر بعدها المجلس الجديد تشكيلات جديدة تشبهه هي الأخرى، وينصرف عندها إلى المحاسبة الاستنسابيّة التي سيوظّفها حتماً بالسياسة؛ هذا من دون الحديث عن مخاطر التعرّض لحريّة الرأي والتعبير.

لا خلاص في لبنان إلا بزوال هذه الأكثريّة، وهذه المسألة لا تحصل في انقلاب أو بتسلّم الجيش زمام الأمور بحكومة عسكريّة ذات صلاحيّات استثنائيّة. ذلك الجيش الذي يحاولون إسقاط هيبته بتوريطه سياسيّاً، وهذا بالطبع محال. لا سيّما بعدما فشلت هذه الأكثريّة بزجّه في أتون التظاهرات والمواجهات مع الثوّار. الحلّ الوحيد هو باستقامة الحياة الديموقراطيّة من خلال العمليّة الانتخابيّة التي تسعى هذه السلطة إلى تطييرها. وذلك جليّ بعد الحديث الذي تسرّب من المطابخ الدستوريّة المقرّبة من العهد عن إمكانيّة تجديد ولاية كاملة لهذا المجلس النيابي، ما سيسمح لهذه الأكثريّة بالسيطرة على الاستحقاقات الانتخابيّة القادمة كلّها: البلديّة والنيابيّة والرئاسيّة.

لذلك كلّه، لا ينفع بعد اليوم أيّ اصطفاف خارج منظومة الأرض السياسيّة أي الواقع السياسي. فأيّ معارضة لا تمتلك الأرضيّة السياسيّة الصلبة ستعطي فرصة جديدة لهذه الأكثريّة للإنقضاض على ما تبقّى من دولة وشعب، ليتحكّم الركن الثالث المضمر من هذه المعادلة بكلّ شيء. فهذه الأكثريّة اليوم هي في سباق مع فريقين متوازيين: فريق النّاس الذي يحرّكه الهمّ الاجتماعي، وفريق يحاول تشكيل جبهة معارضة لن يكتب له إلا النّجاح الجزئي، إذا ما استثنى القوى السياسيّة الفاعلة واكتفى فقط بمجموعات الضغط من المجتمع المدني.

هذا السباق إلى الدّولة إن لم يأخذ في الاعتبار وجع النّاس، فسيسبقونه هم حتماً إلى الانفجار الكبير، ليصبحوا هم الدّولة المقبلة. ومن يعِشْ يرَ.


MISS 3