ألان سركيس

تغريدة جعجع لتنشيط "الذاكرة الرئاسية"... والمعركة على جبهتين

12 أيلول 2019

02 : 20

"القوّات" تواجِه مرحلة جديدة من العزلة السياسيّة بطلها "الوطني الحرّ" الذي انقلب على "اتفاق معراب" (ألدو أيوب)

يبدو أن الخطوات التي ستتخذها "القوات اللبنانية" في المرحلة المقبلة ستكون تصاعديّة، مع اشتداد الطوق عليها ومحاولات عزلها.

تواجِه "القوّات" مرحلة جديدة من العزلة السياسيّة، هذه المرحلة بطلها "التيار الوطني الحرّ" الذي انقلب على "اتفاق معراب"، لكن الأساس لإتمام العزل هو تلاقي مصلحة "تيار المستقبل" مع مصلحة رئيس "التيار الوطني الحرّ" الوزير جبران باسيل، واتفاقهما على إدارة المرحلة وتقاسم السلطة.

وتؤكّد "القوّات" أنها ماضية في معركتها ضدّ الفساد والصفقات والسمسرات لأن أوضاع البلاد لم تعد تحتمل الدلع والمعالجة بالمسكّنات، "فإما أن تقال الحقيقة كما هي أو عندها يكون السكوت خيانة".

ولا تبالي "القوّات" في دخولها في صدام مع أي مكوّن، سواء كان خصماً أو حليفاً، وهي تعتبر أن الناس تراقب كل ما يحصل وتُصدر أحكامها الصائبة، وحكم الناس يهمّنا أكثر من أحكام رجال السياسة الذين تربطهم المصالح وتتحكّم بحركتهم.

ومن الآن وصاعداً، تبدو "القوّات" وكأنها أمام مرحلة مواجهة، "ظهرها إلى الحيط" واتجاه بوصلتها معروف، وهي لن تتواجد في المنطقة الرماديّة كرمى لعينَي أحد.

ولا يهمّ الحزب الذي خرج رئيسه من السجن في تموز 2005، من معه ومن ضدّه، إذ إنّ الرهان على بعض القوى السياسيّة بات واضحاً، فالإتفاق مع "تيار المستقبل" هو على المستوى الإستراتيجي الكبير، لكن في إدارة الملفات الداخلية، فالتيار "الأزرق" أقرب إلى التيار "البرتقالي" منه إلى حليفه السابق. والأمر نفسه ينطبق على "الحزب التقدّمي الإشتراكي"، لكن هامش الإلتقاء مع "الإشتراكي" في الملفات الداخلية بات أكبر بكثير من "المستقبل".

وتؤكّد "القوات" أن كل الملفات التي طرحتها في السابق، وفي الوقت الحالي كانت محقّة، وأكبر دليل هو ملف المعابر غير الشرعية، فعندما طرح رئيس الحزب الدكتور سمير جعجع هذا الملف، قامت القيامة ولم تقعد، إلى أن أتى تأكيد رئيس الحكومة سعد الحريري على وجود هذه المعابر، "فأكّد المؤكّد" ووضع وزير الدفاع الوطني الياس بوصعب في وضع لا يُحسد عليه.

وأمام هذه الوقائع، وبعد انتشار حديث منذ أشهر عن أن جعجع يُهادن "حزب الله"، ويدخل في مرحلة جديدة مع الحزب عنوانها التهدئة، كان جواب جعجع عندما يُسأل عن هذا الموضوع أن لا سبب لمهاجمة "حزب الله".

لكن الحقيقة كانت مغايرة للواقع، إذ إن جعجع، وبعد بدء حديث نصرالله عن أن "الحزب" لن يبقى ساكتاً إذا استهدفت الولايات المتحدة الأميركية إيران، تحرّك، وأوفد الوزير السابق ملحم الرياشي منذ 6 أشهر إلى الرؤساء عون والحريري وبري، وطلب منهم إتخاذ موقف فوراً والضغط على "حزب الله" كي لا يستعمل لبنان منصّة إيرانيّة، وكذلك، العمل على تأمين حياد لبنان وحمايته من اللعبة الإقليميّة الكبرى والصراع بين أميركا وإيران، خصوصاً أنّ الشعب اللبناني لا يريد الدخول في مثل هكذا مواجهة، لأن أحداً لم يعط نصرالله التفويض للحديث باسم الشعب اللبناني، ومن قال إن لبنان يجب أن يقف مع طهران، فالذي يحمي لبنان هو الحياد لا الوقوف في المحور الإيراني أو الأميركي.

ومن جهة ثانية، ركّزت رسائل جعجع إلى الرؤساء، وعلى رأسهم عون، على أن سلاح "حزب الله" موضوع خلاف بين اللبنانيين، ولا اتفاق على الإستراتيجيّة الدفاعيّة وبالتالي يجب على الدولة ألا تسمح للحزب بتوريط لبنان في الصراعات الكبرى، ويجب المسارعة إلى الإتفاق على الإستراتيجية الدفاعية ووضع السلاح تحت إمرة الدولة اللبنانية.

وأتت تغريدة جعجع الأخيرة بعد خطاب نصرالله، وخصوصاً في الشق الإيراني، ووضع الخطاب في عهدة عون، كاستمرار للرسائل التي وجّهها جعجع عبر الرياشي سابقاً، حيث ان جعجع يريد من عون التحرّك لحماية لبنان وعدم السماح لـ"حزب الله" بأن يأخذ البلاد إلى الحرب أو تستعمله طهران كمنصّة لتصفية حساباتها مع واشنطن.

وفي حسابات "القوات"، أن كل الجهد الذي تبذله لقيام الدولة القويّة لا يستقيم من دون تسليم السلاح غير الشرعي وعلى رأسه سلاح "حزب الله".

ولم تُسقط "القوّات" من حساباتها للحظة أنه لا يمكن التأقلم مع السلاح، خصوصاً أن هذا السلاح هو ما يقوّض قيام الدولة، لكن الأمر المؤسف والذي تلاحظه "القوات" أن الدولة اللبنانية باتت وكأنها غير موجودة، وخطابات الأمين العام لـ "حزب الله" السيّد حسن نصرالله هي التي تحدّد السياسة الدفاعية للدولة اللبنانية، والأخير لا يُقيم أي اعتبار لها.ومن هذا المنطلق، ترى "القوات" نفسها مضطّرة لأن ترفع الصوت عالياً لمواجهة مخطّط قضم الشرعيّة والإنقضاض على أساسات الدولة، وبالتالي، فإن "القوات" تعتبر أن معركتها هي على جبهتين، الجبهة الأولى داخل إدارات الدولة لوقف مسلسل الهدر والفساد والسرقات وإنقاذ الوضع، والمعركة الثانية سياديّة بامتياز، إذ إنه من غير المسموح أن يُسيطر حزب يملك السلاح ومدعوم من الخارج على قرار الدولة ويضع لبنان في مواجهات لا يريدها شعبه.