مايا دي فريج

سينما الوطن لا يمكن أن تكون مسؤولية القطاع الخاصّ بمفرده

13 أيلول 2019

11 : 00

كرّمت فرنسا السينما اللبنانيّة عبر اختيارها بانتظام أفلاماً لبنانيّة للمشاركة في أرقى مهرجاناتها. ففي العام 2016، أصرت باريس على توقيع اتفاقٍ طموحٍ للإنتاج المشترك مع لبنان على الرغم من أن المركز الوطني الفرنسي للسينما والصور المتحركة يركز في ميزانيّاته على أولويات إستراتيجية أخرى. ولكنّ لبنان استطاع احتلال مكانة بارزة ضمن هذه الأولويّات.

يتمّ إنتاج جزء كبير من أفلامنا بالتعاون مع فرنسا. واليوم، من خلال "وسام الفنون والآداب الفرنسي" الذي قدّمه لي وزير الثقافة الفرنسي، السيد فرانك رييستر، تكرّم فرنسا مؤسسة سينما لبنان وتظهر من خلال هذا التقدير مدى وعيها لأهمية هذا الهيكل في تطوير هذه الصناعة.

وأميل إلى الإعتقاد، أن هذا التكريم سوف ينعكس إيجابياً أيضاً على قطاعنا الفنّي النابض على وجه العموم ويساهم في مساعدة صناعة ثقافية ناشئة قابلة للتقدّم على الرغم من غياب السلطات العامة في لبنان عنه.

يشكّل صانعو الأفلام اللبنانيّون، وكتّاب السيناريو، والفرق الفنيّة، والمنتجون، والموزعون ومالكو دور العرض في بلدنا شبكة من المهنيّين المتميّزين الذين يروجون للبنان وثقافته الفريدة، ويسردون قصصه، وينبشون ذكرياته بأجمل طريقة.

كُلفت مؤسسة سينما لبنان من قبل وزارة الثقافة اللبنانية بدعم الإبداع السينمائي والمساهمة بترويجه، وهي تبذل قصارى جهدها لتحقيق هذه المهمّة على أكمل وجه. وهي تستند لذلك بشكل أساسيّ على مصادر تمويل خاصّة بالتعاون أحياناً مع المؤسسة العامة لتشجيع الاستثمارات في لبنان - ايدال. وهذا لا يكفي. 


لبنان منبع للأفكار ومساحة للأحاسيس المرهفة. يتمّ عرض أفلامنا في جميع أنحاء العالم ولكن يمكننا تقديم المزيد وعلينا الاجتهاد أكثر.

لا يمكن للسلطات الرسمية اللبنانية أن تستمر بتقبل الوضع الحالي، لم يعد بإمكانها الوقوف على مسافة اللامبالاة بهذا القطاع الصناعيّ والإبداعيّ الأساسي. يفترض بالدولة اللبنانية أن تواكب التطور الحاصل على الساحة الفنية من خلال سياسة عامّة تستند إلى رؤية استراتيجيّة وسياسة مالية واضحة المعالم. لا يتعلق الأمرهنا بابتكار ضريبة جديدة لصالح السينما اللبنانية بل بجعل البيئة التشريعية تتطوّر في الاتجاه الصحيح.

إذا كان المطلوب منّا المساهمة في الجهد الجماعي للحدّ من العجز العام، من المفترض أن تأخذ المواهب اللبنانيّة مكانها والموقع الذي تستحق في المشهد السينمائي العالميّ. لهذا، نحن بحاجة إلى المزيد من الجرأة وإلى التحلي برؤية إستشرافية للمستقبل، قائمة على مبادرات فعالة: نحن بحاجة إلى مراجعة السياسة الضريبيّة على عقود الفنانين، لخفض رسوم التأشيرات لهم، والتي أصبحت باهظة، تقديم إعفاء ضريبيّ للرعاة، توجيه نسبة صغيرة من صافي إيرادات شباك التذاكر إلى القطاع الإبداعي للسينما اللبنانية. وهذا سيعود بالفائدة على مالكي دور العرض. يجب على الأفلام الأجنبية واللبنانية المعروضة في لبنان أن تساهم مالياً في زيادة عدد ونوعية أفلامنا الوطنيّة، وبالتالي إثراء الحضور اللبناني في صالات السينما، المتحمّس لقصص قام لبنانيّون بكتابتها وإخراجها. إنّ صادراتنا والتوزيع المتزايد للسينما اللبنانية سوف يخلقان معدّل دوران أعلى، وفرص عمل، وعائدات ضريبيّة، وبشكل خاص، حضوراً متميّزاً للبنان خارج حدوده.

إنّ غياب الدولة في هذا القطاع كما في قطاع الصناعات الثقافية والإبداعية بشكل عامّ ليس قدراً يصعب تجاوزه حتميّاً ولكن الإستمرار بسياسة عدم الإكتراث بالقطاع يعد بمثابة خطأ فادحٍ في حقّ صناعاتنا الفنّية والترفيهيّة. إنّ مؤسسة سينما لبنان بطبيعة الحال بتصرّف السلطات اللبنانية الرسمية من أجل معاونتها في صناعة مستقبل أكثر إشراقاً للسينما اللبنانية. وهذه حاجة ملحة.


MISS 3