مايز عبيد

في طرابلس... نسوة يتغلّبن على الأوضاع الصعبة بأيديهنّ

5 حزيران 2021

02 : 00

نعمل بأيدينا أي شيء أفضل من مدّ اليد

تضغط الحياة بكل ثقلها على الناس فترمي بالكثير من العائلات في مهبّ الأزمات والصراع مع الحياة والبقاء، وهو أصعب صراع قد يواجهه الإنسان في مسيرة حياته. فالأزمة الإقتصادية والإجتماعية التي تمرّ بها البلاد أدّت إلى تغيير جذري وواسع في معيشة الكثير من العائلات. في المقابل، تحاول الكثير من هذه العائلات تأمين أعمال لم تكن تفكّر فيها من قبل، أو أن تبتكر بعض الأعمال التي تؤمّن لها المورد المالي من عرق الجبين، من أجل كسب مورد رزق وتأمين المعيشة والإستمرارية، بدل مدّ اليد إلى هذا وذاك، وانتظار المساعدات التي قد لا تأتي البتّة.

في أحد الأحياء الصغيرة المتفرّعة من سوق العطارين، في منطقة قريبة من المسجد المنصوري الكبير في طرابلس، مجموعة من النسوة، توزّعن بين لبنانيات وسوريات، يتجمّعن ويقمن ببعض الأعمال البيتية المنزلية، لبيعها للناس المارة جاهزة للطبخ أو ما شابه. فهناك من تقطف أنواع "السليق"، وهناك من تورّق "ورق العنب" أو تلفه، وهناك من تنقر الكوسا وتجهّزه... الحاجة حلوم أحمد حامد هي إحدى هؤلاء النسوة، تقوم بتوريق "القطيفة" - وهي نوع من الخضار تشبه الملوخية تنبت في الأراضي بين المزروعات وتؤكل مقلّاة مع البصل - وبتنظيفها وفرمها وتجهيزها لكي تباع جاهزة للطبخ في المنازل.

تقول حلوم حامد لـ"نداء الوطن": "أنا في الأصل من عكار وأسكن في طرابلس- ساحة الدفتار. أجمع "الأركوزي" أو "القطيفة" من الأراضي ثم أبسّطها في هذا المكان، وأحياناً أشتريها من سوق التبانة. لدي عائلة من 4 بنات وصبيين لا أحد يعمل منهم. كان عندي بنت تعمل في مدرسة لكنهم سرّحوها... للأسف ليس هناك عمل في هذا البلد لأحد وأنا هنا أعمل لأن ذلك أفضل من مدّ يد العوز للناس، ما أجمعه بالقليل من المال (20 ألف ليرة لبنانية أقل أو أكثر)، أعيش به مع عائلتي ولا أرغب بأكثر من السترة".

إلى جانب الحاجة حلوم، عدد من النسوة تعمل كل واحدة منهنّ في مجالها، وهناك ايضاً من تشتري أكياس البطاطا وتقوم بتقشيرها وتقطيعها لبيعها جاهزة للطبخ أو القلي.. وأخرى صبية أيضاً تحفر الكوسا والباذنجان وتجهّزها للحشي والطبخ.

بهذه المهارات التي هي من صنع أيديهن، تحاول هؤلاء النسوة التغلّب على مصاعب الحياة وما فيها من ضيق، فتكسر النمطية القائمة، وتعمل من كدّ وتعب يدها، من أجل أن تؤمّن معيشتها ومعيشة عائلتها في هذه الظروف الصعبة التي تمرّ بها العائلات بشكل عام وعائلات طرابلسية بشكل خاص، لا سيما في الأحياء الشعبية الفقيرة في المدينة. أحد الأشخاص اشترى طبخة كوسا جاهزة للحشي وآخر اشترى "قطيفة جاهزة"، وأخرى اشترت كوسا أيضاً وقالت: "أنا معلمة مدرسة لا وقت لدي لشراء الكوسا ومن ثم حفره... وأنا أمرّ شاهدت النسوة واشتريت وهذا أمر قد سهّل عليّ، فكل ما علي هو أن أحشي الكوسا وأطبخها ليلاً ولن يستغرق ذلك معي أكثر من ساعة ونصف، شكراً لهنّ والله يرزقهن".

يحاول الناس في هذا البلد التأقلم مع الأوضاع وسدّ منافذ العوز في بلد جعلت فيه سلطته كل الناس فقراء يتسوّلون أموالهم ويقفون بالطوابير من أجل تأمين حاجياتهم ومستلزماتهم.


MISS 3