خالد أبو شقرا

"الترقيع" بالتعاميم يقود البلد إلى "الإنتحار"... ولا ضوابط ولا سقوف لارتفاع سعر صرف الدولار

التعميم 158 يفتح "شهية" المصارف على النقد الصعب

28 حزيران 2021

02 : 01

ما سيناله المودعون بناء على التعميم 158 سيدفعونه أضعافاً مع عموم المواطنين نتيجة التضخّم (فضل عيتاني)
إنشغل اللبنانيون نهاية الأسبوع بالبحث "العقيم" عن أسباب ارتفاع الدولار. ردة الفعل على تخطي سعر الصرف عتبة 18 ألف ليرة، كانت تساؤلية أكثر منها "إمتعاضية". محاولات البحث عن إجابات "قفزت" فوق "صفيح" المرحلة الراهنة، لتصل إلى استنباط المستقبل وتحديد السقف الذي ممكن أن يصله سعر صرف الدولار مقابل الليرة في المقبل من الأيام.




إن كانت آفاق سعر الصرف مفتوحة على كل الإحتمالات، فان الضغط على الليرة والإرتفاع في الاسعار مستمران طالما أن "سياسات الترقيع والإنتحار" اللذين تنتهجهما السلطة بمختلف أجهزتها وتلاوينها متواصلان. فالبطاقة التمويلية التي ينعتها "طباخوها" بالإنتخابية، وهندسات الدعم الجديدة، واستنزاف ما تبقى من مدخرات المواطنين، وامتصاص الإحتياطيات حتى آخر "سنت"... عوامل لا تقوض الثقة فحسب، بل تؤدي عملياً إلى انهيار الليرة. ذلك أن "الاحتياطي ليس فقط مخزوناً من المال، إنما هو قاعدة وقانون، وعندما يُشرّع المس به، لا يعود هناك من ضوابط ولا سقف لإرتفاع الدولار"، بحسب تغريدة مدير "مركز المشرق للشؤون الإستراتيجية" د. سامي نادر.

الدولار والتعميم 158

صفحة جديدة من كتاب الإنهيار ستفتح ابتداء من مطلع هذا الأسبوع. عنوانها: "التضخم المفرط"، و"مذيّلة" بتوقيع التعميم 158، حيث "من الملاحظ أن سعر الصرف يرتفع بمعدلات كبيرة في المهلة الأخيرة لاستحقاق تعميم مصرف لبنان"، يقول رئيس مجموعة FFA Private Bank جان رياشي. فـ"فشل البنوك بالضغط على تعديل التعميم 158، واصرار "المركزي" على بدء كل المصارف من دون استثناء التسديد لغاية 400 دولار شهرياً للمودعين في الأول من تموز، قد يكون أدخل بعض المصارف طالباً جدياً على الدولار في السوق الموازية". ما يعزز هذا الإنطباع، من وجهة نظر رياشي، هو "وجود مصارف لا تملك السيولة بالعملة الأجنبية، وانحصار همّ "المركزي" بتطبيق التعميمين 158، و154 اللذين يقضيان برفع السيولة بالعملة الأجنبية في المصارف الأجنبية بنسبة 3 في المئة، بعيداً من كل المعايير المحاسبية والمصرفية. مع العلم أن المصرف الذي يشتري الدولار بسعر السوق لتلبية متطلبات التعميمين أو واحد منهما، يحقق خسائر هائلة. ذلك أن الليرة بالنسبة له ما زالت تحتسب على 1515. ولكن مع وجود معيار واحد لدى "المركزي"، وتغاضيه عن التدقيق والمحاسبة بالملاءة المالية للمصارف، يشجع على شراء الدولار من السوق مهما بلغت الخسائر المحققة. فالمهم بالنسبة للمصارف الإستمرار وعدم الخروج من السوق الذي يفرضه عدم تطبيق أيّ من التعميمين. وعلى الرغم من عدم وجود معلومات تؤكد أن المصارف تشتري الدولار من السوق الموازية، فان عدم وجود مبررات فعلية وجدية لارتفاع سعر الصرف، ومراجعة ما حدث في المرحلة الأخيرة من تطبيق التعميم 154، يدفعان، بحسب رياشي، للشك بأن "سبب ارتفاع الدولار المفاجئ هو عمليات شراء كبيرة من قبل المصارف".

قبل نحو أربعة أشهر، ومع رفض مصرف لبنان تمديد المهلة أمام المصارف لتطبيق التعميم 154، كسر الدولار عتبة الـ8 آلاف ليرة التي استقر عليها منذ آب 2020، ووصل فجأة إلى 15 ألف ليرة. ولم يعد وينخفض إلى ما بين 12 و13 ألف ليرة إلا بعد هدوء "موجة" الرسملة. واليوم يتكرر الأمر نفسه مع التعميم 158 مع فارق أنه "من الصعب معرفة ما يحصل حقيقة في سوق القطع بسبب المضاربة القوية وفشل منصة صيرفة"، يقول رياشي. فـ"المنصة التي كان من المتفرض أن تكون شفافة وتمثل سعر السوق الحقيقي، بقيت مصطنعة كالقديمة، ولكن بسعر 12 ألف ليرة بدلاً من 3900 ليرة"..

المنصة والأسعار

كان من المفترض ألا تتأثر أسعار مختلف السلع والخدمات في الأسواق الداخلية مع تحليق سعر الدولار، حتى لو وصل إلى 18 ألف ليرة. ذلك أن منصة صيرفة وجدت لتؤمّن للتجار دولار الإستيراد على سعر 12 ألف ليرة. ولكن العكس هو الذي يحصل، فمعظم التجار يسعّرون بضائعهم بناء على سعر دولار السوق، والسبب هو أن المنصة "شكل أكثر من فعل. وهي لا تغطي أكثر من 5 في المئة من حاجة التاجر"، يقول رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية هاني بحصلي، فـ"آليات عملها البطيئة والمقيدة للتجارة دفعت الكثير من المستوردين إلى الإستغناء عنها والعودة إلى السوق الموازية لشراء الدولار وتأمين ثمن البضائع. وعلى سبيل الذكر لا الحصر، فان المنصة لا تمول الفواتير الصادرة منذ أكثر من شهر، ولا تقبل بفتح اعتماد ثان إلا بعد أن تكون قد سددت الأول. وبالتالي فان 95 في المئة من حاجة التجار للنقد الأجنبي تموّل من الصرافين في السوق الموازية". في الوقت الذي يدعم فيه مصرف لبنان سعر الصرف للتجار، ولتسديد بعض المتطلبات الخارجية على 12 ألف ليرة، هناك ملفات دعم بمئات ملايين الدولارات عالقة في المركزي.


حصة مستوردي المواد الغذائية وحدهم منها تبلغ حوالى 75 مليون دولار. "ألم يكن من الأفضل أن يدفع المركزي فواتير الدعم لبضائع استوردت ووزعت في الأسواق بأسعارها المدعومة، من أن يخلق آليات تزيد الأمور تعقيداً"، يسأل بحصلي، ليجيب بوصف ما يحدث بـ"الهرطقة، التي تفقد الثقة بالنظام والآليات المتبعة وتزيد الأمور ضبابية، خصوصاً لجهة صعوبة ضبط إمكانية الإستيراد على سعر 12 ألفاً والبيع بحسب سعر السوق". وبحسب بحصلي فانه على عكس آلية الدعم التي كانت تتطلب تقديم ملفات بالكلفة إلى وزارة الإقتصاد والإلتزام بسعر محدد وتقديم لائحة بالمستفيدين، فانه لا آلية للمراقبة على صيرفة، والمصارف التجارية المحدودة الملتزمة بها تضع شروطها الخاصة، لانه ليس هناك من آلية واضحة من مصرف لبنان أو المالية. والخشية، بحسب بحصلي، هي بتكرار المعاناة مع الدعم، حيث يعقد التجار الإتفاقيات ويستوردون من دون أن يسدد "المركزي" التكاليف. هذا، وكان من المفروض ألا يقتصر عمل "المنصة" على المصارف، إنما أن يشمل الصرافين أيضاً، وهذا ما لم يحدث. ومن وجهة نظر بحصلي فان احتمالات التلاعب بالمنصة كبيرة واستفادة التجارة منها ضئيلة جداً.

مستقبل الدولار

كل التوقعات تشير إلى ان سعر الصرف مستمر في مساره التصاعدي في الأشهر القادمة. فعدا عن تلبد الاجواء السياسية وتناقص الإحتياطيات وفقدان الأمل بأي إصلاح، فان حاجة المصارف لتأمين ما يقارب 1.3 مليار دولار ستضغط بقوة على سعر الصرف. وبحسب رياشي فانه "من الممكن مع بدء تطبيق التعميم 158 أن يهدأ سعر الصرف قليلاً نتيجة زيادة عرض الدولار. إلا أنه في حال إدخار جزء من المودعين الدولارات المقبوضة، وتحويل مبالغ الليرة الموازية المقبوضة إلى الدولار بشكل مباشر أو غير مباشر، فان النتيجة ستكون كارثية على سعر الصرف. وبالإضافة إلى العوامل النقدية والتجارية التي تؤثر على سعر الصرف، فإن بعض الخبراء يذهبون باتجاه قيام بعض الجهات الحزبية التي ما زالت تسدد جزءاً من رواتب "أفرادها" بالدولار على "لمّه" من الأسواق، الأمر الذي يسبب المزيد من الضغط على سعر الصرف.

في المحصلة فأن ما سيناله جزء من المودعين بناء على التعميم 158، سيدفعونه أضعافاً مضاعفة، هم وعموم المواطنين، نتيجة التضخم وارتفاع الأسعار. وهذا ما يؤكد أن كل المحاولات الترقيعية تقود البلد إلى الخراب، ولا خلاص حقيقياً إلا بالحل الشامل تحت مظلة صندوق النقد الدولي والإصلاحات الحقيقية.