عيسى يحيى

مهرجانات بعلبك من خلف الشاشة رسالة أمل وتصميم على دعم الإبداع اللبناني

10 تموز 2021

02 : 00

رسمت مهرجانات بعلبك الدولية التي أطلقها الرئيس كميل شمعون عام 1956 وخصّ بها المدينة التي لا تغيب عنها الشمس طلائع الخير على جبين القلعة التي تزدان بجماليتها وروعة نقوشها وتصاميمها، وفاضت جعبتها على مدار تلك السنوات بكبار النجوم والفنّانين اللبنانيين والعرب الذين حطّت أقدامهم على مدرجات معبد باخوس مكللين بذلك التاريخ العظيم.

إقترن إسم قلعة بعلبك بمهرجاناتها الدولية التي كانت تطلّ كل عام، وفي برنامجها السنوي مجموعة حفلات يحييها كبار الفنانين على مسرحٍ وقف عليه الرحابنة وفيروز ووديع الصافي وفرقة "كركلا" ونصري شمس الدين، وغيرهم من الأسماء الكبار الذين يحاكون بمقامهم الفني تاريخ قلعة بعلبك، الشاهد على عراقتها والتي أتقن الرومان بناءها، مكّللةً بالعواميد الستة، مرصعةً بجمالية أثرية فريدة من نوعها أقلّ ما يقال فيها أنها أهلٌ لمهرجانات دولية يقصدها محبّو الفن من مختلف أنحاء المعمورة.

خمسةٌ وستون سنة عمر مهرجانات بعلبك الدولية ملأت خلالها على مدار تلك السنوات الدنيا فرحاً ورقصاً، ووجد عشّاق الفنّ والموسيقى ضالتهم أمام معبد باخوس الذي شكّلت مدرجاته اساس المهرجانات، فهو أحد المعابد الثلاثة الضخمة التي بناها الرومان داخل القلعة، وكلٌ منها يرمز إلى شيء، والمنقوشة على جدرانهم كتابات ورموز تدلّ على ديانات الحضارات التي مرّت على هذا الكنز التاريخي الذي تحتويه بعلبك، ولم تكن الدولة اللبنانية على قدر هذا المعلم الأثري الذي يفيض تاريخاً وجمالاً لو إستُغلّ وإستعمل وِفق الوجهة الصحيحة لكان أحد أهمّ الروافد المالية للدولة وللمدينة.

"يا قلبي لا تتعب قلبك وبحبك على طول بحبك....بتغيب كتير وبتروح كتير وبترجع ع دراج بعلبك" بهذه الكلمات المطبوعة في أذهان اللبنانيين على إختلاف أجيالهم، عبّرت الفنانة فيروز عن حبها لمدينة الشمس وقلعتها ومهرجاناتها، وهي التي أحيت عدداً منها منذ بدئها عام 1956، وغابت المهرجانات قسراً خلال الحرب الأهلية 22 عاماً لتعود عام 1997 وتنطلق من جديد بزخم أكبر وإرادة على إكمال الطريق الذي خطّه الرئيس شمعون، لتؤدي الأحداث السورية والحرب الدائرة وتأثّر بعلبك والبقاع الشمالي بها، وسقوط الصواريخ في المدينة إلى حجب المهرجانات مجدّداً ونقلها عام 2013 إلى بيروت، ما دفع الفنان عاصي الحلاني الذي كان سيحيي احدى الحفلات يومها إلى تأجيل حفله للعام القادم. فالوقوف في أحضان القلعة وعلى مدرجاتها حلمٌ يراود كل فنان، ويسعى إليه معظمهم، فالمهرجانات والقلعة مساهمٌ اساسي في رفع اسماء الفنانين عالياً.

وإضافة إلى التوترات الأمنية التي شهدتها المدينة والإشكالات المسلحة خلال الأعوام السابقة، والتي كانت عاملاً مساهماً في تراجع السياحة في المدينة وهروب عدد من السياح إلى مدينة زحلة وعدم المكوث في بعلبك بعد الإنتهاء من زيارتهم وحضورهم المهرجانات حيث ينتظرهم اصحاب المطاعم والأوتيلات بفارغ الصبر لتعويض خسائرهم، جاءت جائحة "كورونا" لتزيد من حجم المعاناة وتعيد إلغاء المهرجانات العام الماضي بفعل منع التجمّعات، ما إنعكس تراجعاً في أعداد الزوار والسيّاح، واقفلت العديد من المؤسسات السياحية والمطاعم أبوابها بسبب الخسائر المتزايدة وإنعدام الحركة السياحية، وإقتصرت المهرجانات على إحياء حفلة موسيقية لفرقة السمفونية اللبنانية نقلت على محطات التلفزيون بشكل مجاني ومباشر، لتعيد اللبنانيين والعالم بالذاكرة إلى المهرجانات وإلى رحاب القلعة. وهذا العام أيضاً، تطلّ مهرجانات بعلبك من خلف الشاشة، في رسالة تحمل الأمل بقرب إنتهاء الأزمة الصحية التي يمرّ بها العالم، وبإرادة وعزيمة على أن المهرجانات لا يمكن أن تتوقف بالرغم من كل الصعوبات، وعليه أطلقت لجنة مهرجانات بعلبك الدولية هذا العام حملة "Shine On Lebanon" لتسليط الضوء على المواهب اللبنانية الشابة في أرجاء الموسيقى، عبر رحلة في معابد قلعة بعلبك التاريخية. وتهدف المبادرة إلى إظهار وإبراز مواهب الموسيقيين والملحّنين والمغنين اللبنانيين الشباب الذين لم تسمح لهم الفرصة لتقديم عروضهم أمام الجمهور، والمبادرة مكوّنة من 10 حلقات، مدة كل منها 8 دقائق ستعرض على الهواء مباشرة ومن مواقع أثرية مختلفة من العصر الروماني في قلعة بعلبك وحجر الحبلى، معابد نيحا، قصرنبا، مجدل عنجر وعين حرشي، في مبادرة تهدف إلى تعريف الناس الى تلك الأماكن واستكشافها بالتعاون مع المديرية العامة للآثار، حيث تم تصوير الحفلات في أواخر شهر حزيران عند غروب الشمس لتعرض مساء اليوم (امس) وتبرز موهبة الخريجين اللبنانيين وروعة المكان.

وفي رسالة منه، أكّد محافظ بعلبك الهرمل بشير خضر"ان مهرجانات بعلبك اليوم ستظهر الوجه الحقيقي والحضاري لبعلبك، فهذه المنطقة تستحقّ الاهتمام الكبير ولا سيما بحضور المغتربين". وقال: "إنّ قسماً كبيراً من اللبنانيين لم يكتشفوا بلدهم بشكل كاف وادعوهم الى زيارة بعلبك، ومهرجانات اليوم ستكون حدثاً مهمّاً للمغتربين". وتوجه المحافظ خضر بالشكر للمهرجانات "التي ما زالت موجودة وحيّة بالرغم من كل الصعوبات والتحدّيات التي تواجهنا، وقد تمّت من دون اي كلفة من اللجنة، بل تم تقديم المهرجان من قبل عازفين يُعتبرون مواهب جديدة قدّموا الفن مجّاناً لإعادة احياء بعلبك".


MISS 3