"نداء الوطن" تنشر موجزاً عن دراسة لـ"جوستيسيا": الحصانة ليست مطلقة والهيئة المشتركة توسّعت في الطلب

02 : 01

جوستيسيا

أعدّت مؤسسة JUSTICIA لحقوق الإنسان، بإشراف رئيسها الدكتور بول مرقص، وبواسطة الباحثين فارس أبي خليل ومها داغر، دراسة عن الحصانات والأذونات في القانون اللبناني، تنشر"نداء الوطن" في ما يلي موجزاً عنها:

"بدايةً، إن الحصانات هي إستثناء على القاعدة الدستورية العامة التي تنصّ في المادة 7 أنّ كل اللبنانيين سواء لدى القانون، فهي نوع من الحماية القانونية التي يكفلها القانون والدستور لفئة معينة تعمل في الشأن العام، وذلك لحمايتها من الضغوط والترهيب والاضطهاد بسبب أقوالها أو أفعالها التي تصدر عنها أثناء قيامها بمهامها. كلّ هذا يؤكد أنّ الحصانات لا ينبغي أن تكون درعاً سياسياً يحتمي وراءها صاحبها ويتم إستغلالها للتهرّب من العدالة ومواجهة المسؤوليات. بالنسبة للحصانة النيابية، فقد كفل الدستور اللبناني في المادتين 39 و40 منه حصانة للنائب من أي دعوى جزائية قد تقام ضدّه "بسبب الآراء والأفكار" التي يبديها خلال نيابته. وباستثناء حالة الجرم المشهود لا يجوز أثناء دور الإنعقاد إتخاذ إجراءات جزائية بحق أي نائب عضو من أعضاء المجلس أو إلقاء القبض عليه إذا اقترف "جرماً جزائياً إلاّ بإذن من المجلس النيابي"، وهذا ما كان يُعتمد في فرنسا قبل التعديل الدستوري لعام 1996 الذي أزال حصانة النوّاب في ما يخص الملاحقة.

أما بالنسبة إلى الوزير فإن المادة 70 تمنح مجلس النواب سلطة إتهام رئيس مجلس الوزراء والوزراء عن إخلالهم بالواجبات المترتبة عليهم ولا يجوز أن يصدر قرار الإتهام إلاّ بغالبية الثلثين من مجموع أعضاء المجلس. ويحاكمون أمام محكمة خاصة تسمى "المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء".

لدى البتّ بالإذن يُنظر إلى الموقع الحاضر الذي يشغله الشخص المطلوب رفع الحصانة عنه، ففي ظلّ وجود حكومة تصريف أعمال فإنّ المادة 69 من الدستور الفقرة الثالثة تنصّ على أنه "عند استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة يصبح مجلس النواب حكماً في دورة انعقاد استثنائية حتى تأليف حكومة جديدة ونيلها الثقة"، بالتالي، يتوجب اتباع المسار القانوني لرفع الحصانات عن النواب لملاحقتهم أي سنداً للمواد 89 الى 98 من النظام الداخلي لمجلس النواب.

إن طلب رفع الحصانة يقدّم إلى رئيس المجلس الذي بدوره يدعو هيئة مكتب المجلس ولجنة الإدارة والعدل إلى جلسة مشتركة لدرس الطلب وعلى هذه الهيئة تقديم تقرير بشأنه في مهلة أقصاها أسبوعان، وإذا لم تقدمه خلال هذه المهلة، وجب على رئيس مجلس النواب إعلام المجلس في أول جلسة يعقدها، وللمجلس أن يقرر منح الهيئة المشتركة مهلة إضافية بالقدر الذي يراه كافياً أو وضع يده على الطلب والبت به مباشرةً، وعندما يباشر المجلس البحث في طلب رفع الحصانة تستمر المناقشة حتى البت نهائياً بالموضوع.

في الخلاصة، إن رفع الحصانة النيابية عن أحد نوّاب البرلمان قد تتطلب في الأحوال العادية عملية طويلة من المناقشات والبحث داخل مجلس النواب للتوصل إلى قرار رفع الحصانة أو إبقائها. إلا أننا لا نرى أن ذلك يجب أن يكون حاصلاً في جرائم كبيرة كمجزرة المرفأ طالما هو واضح أن الاستدعاءات ليست من قبيل الضغط على بعض النواب بسبب عملهم النيابي، وهذا هو السبب من وراء الحصانة بل بسبب مسؤولياتهم الوزارية السابقة، مما يدعونا لإعادة التفكير في إعادة صوغ هذه الحصانات على نحو تسقط فيها حكماً تجاه جرائم مماثلة. حسب المادة 91 من النظام الداخلي، يجب أن تتضمن المذكرة المرسلة من النائب العام التمييزي، نوع الجرم وزمان ومكان ارتكابه، إضافةً إلى "خلاصة عن الأدلة التي تستلزم اتخاذ اجراءات عاجلة بشأنها". كما أن المادة 98 من نفس النظام تنصّ على أن للهيئة المشتركة وللمجلس عند درس ومناقشة طلب رفع الحصانة "تقدير جدية الملاحقة والتأكد من أن الطلب بعيد عن الغايات الحزبية والسياسية ولا يستهدف حرمان النائب من ممارسة عمله النيابي". لكن بناءً على الهدف المرتجى من وراء طلب الإستجواب نرى أنه لا يجوز التوسّع في الطلبات كما حصل، خصوصاً في ظلّ حجم القضية وخطورتها ووضعها، بل كان يتوجب الإكتفاء بالطلب المُرسل من المحقق العدلي والمُفصّل بحدود معقولة قانونياً.

ظهرت الحصانة البرلمانية في إنكلترا عام 1688على أثر قيام الثورة الإنكليزية وإقرار الدستور الذي نصّ على أنّ حرية التعبير والمناقشات داخل البرلمان لا يمكن أن تكون سبباً للملاحقة القضائية للنواب أو محلاً للمساءلة أمام أي من المحاكم، بهدف حماية النوّاب من ضغط الملوك، وذلك فقط بالدعاوى المدنية وبعض الإجراءات الخاصة بالدعاوى الجزائية، واستثنى قضايا الخيانة العظمى والجنايات والإخلال بالأمن.

وعليه، فالحصانة وجدت في الأصل كأساس ليتمكّن النائب من القيام بعمله، وقضية على هذا القدر من الأهمية كانفجار المرفأ تتعلّق بالأمن اللبناني مباشرةً، فلا يمكن أن تستخدم الحصانات كعائق لإكمال التحقيقات والوصول إلى الحقيقة. وبعيداً من أي نصّ قانوني، يجب أن يتمّ الإستغناء عن الحصانات واستكمال العملية القانونية في سبيل إحقاق الحقّ.

وهذا ما أكدّه إجتهاد لمحكمة استئناف بيروت تاريخ 28/5/1997 والتي أشارت فيه إلى ما يلي: "تذرع النائب بالحصانة يصبح تعطيلاً للقوانين وتصبح النيابة وكأنها درع يحتمي وراءه النائب لتجعله في حمى من الملاحقة حتى وإن كان فعله، عبر أقواله وأفكاره وآرائه، فيه مخالفة للقوانين الجزائية الأمر الذي لا يمكن لأي منطق قانوني أن يسلم به". وأكّده أيضاً قرار محكمة التمييز رقم517 تاريخ 20/11/1955 الذي أشار إلى ما يلي: "فإن تذرعه بالحصانة يصبح تعطيلاً للقوانين وتصبح النيابة وكأنها درع يحتمي وراءه النائب لتجعله في حمى من الملاحقة حتى وإن كان فعله، عبر أقواله وأفكاره وآرائه، فيه مخالفة للقوانين الجزائية الأمر الذي لا يمكن لأي منطق قانوني أن يسلم به".

أما بالنسبة إلى الموظف، فهو يملك حصانة وظيفية جرّاء إنتمائه إلى السلك الوظيفي، ويخضع للقانون رقم 112/59 وملاحقته تستوجب إذناً من الإدارة المختصة، حسب المادة 61 من قانون نظام الموظفين المذكور، وإذا رُفض طلب النيابة العامة بإعطاء الإذن بالملاحقة، جاز لها في مهلة 15 يوماً من تبلغ الرفض، عرض الأمر على النائب العام التمييزي الذي يبت به بقرار معلّل يبلّغ إلى المعنيين ضمن مهلة مماثلة، ويعتبر انقضاء هذه المهلة دون البت بالموافقة موافقة ضمنية على الملاحقة.

سبق أن رفع مجلس النواب الحصانة عن نواب على مرّ السنين الماضية، مثلما حصل مع النائب رفعت قزعون عام 1952 بتهمة قتله صحافياً، وأيضاً مع النائب يحيى شمص عام 1994 بتهمة تهريب المخدرات.

والآن، وفي ظلّ إجراءات التحقيق والإدعاءات القانونية في قضية مجزرة المرفأ التي قد تشمل المزيد من المسؤولين والسياسيين، إلى أي مدى ستبقى هذه الحصانات عائقاً أساسياً أمام العدالة المنتظرة من اللبنانيين عموماً وأهالي الضحايا والشهداء خصوصاً؟ وإن رُفعت، هل ستكون رهن التسويات السياسية؟ أم أنه آن الآوان لأن تأخذ العدالة في لبنان مساراً جديداً من القوّة والفعالية في المحاسبة؟




3