شربل داغر

الاستعمار الأميركي... المستحيل

26 تموز 2021

02 : 00

سبقَ أن انتقدتُ كتاب "الاستشراق" لإدوار سعيد في أكثر من مسألة فيه. منها أنه "مدَّ" حقبة الاستشراق حتى الحرب العالمية الثانية...

يعود هذا إلى قرار سعيد البحثي بضمِّ الولايات المتحدة الأميركية إلى الخطاب الاستشراقي، الأوروبي النشأة والتطور والمسار.

وسببُ ذِكري هذا يعود إلى خروج الولايات المتحدة الاميركية... خاسرة من حربها في أفغانستان.

إلا أن هذه الخسارة تبدو، في حساب دارسِين، أقل فتكاً بالرصيد الرمزي الأميركي مما كانت عليه خسارتها الأليمة في فيتنام.

هذا الربط بين الاستشراق والتوسع الأميركي غير سليم في نظري، إذ إن ما أقدمتْ عليه الولايات المتحدة الأميركية، في خروجها العنيف والمتأخر إلى العالم، لا يشبه ما كان عليه خروج أوروبا لاكتشاف العالم، ثم لاستعمار مناطق شاسعة فيه.

يكفي أن ننظر الى تاريخ أميركا، بين شمالها ووسطها وجنوبها، كي نتحقق من هذا الفعل الاستعماري الأوروبي، ومن نتائجه اللغوية والثقافية المتمادية حتى اليوم، على حساب اللغات والثقافات والسكان المحليين.

هذا ما لم يَحدث في فيتنام، ولن يحدث في أفغانستان.

لم تستطع الولايات المتحدة الأميركية تبديل لغتي فيتنام وافغانستان، مثلما فرضت المملكة الاسبانية لغتها على غالب شعوب أميركا الجنوبية، ولا البرتغال لغتها على البرازيل. وما يُقال في اللغة، يمكن أن يُقال في الثقافة والأدب... إلا أن الأكيد هو أن الطالب، والشاب قبله، في فيتنام وافغانستان يتطلعان إلى تعلم الإنكليزية بتلقائية، ويَعملان ويُخططان للدراسة في جامعة أميركية، إن لم يكن للهجرة والعمل فيها.

المفارقة الأشد في هذا المسار، بالتالي، هي أن خيارات الولايات المتحدة الأميركية الباهظة في عنفها، وذات الكلفة الدامية الهائلة، حيث سعت إلى البقاء العسكري والسياسي، تتعارض تماماً مع الإشعاع اللغوي والجامعي والعلمي الأميركي في العالم.

لهذا فإن قرقعة العسكر، والترسانات العنفية، لم تعد تجدي نفعاً في الغلبة المستدامة (وهو ما يظهر في الصراع الحالي في فلسطين)، ولن تقوى خصوصاً على اختراع الآخر ثقافياً، خصوصاً إذا كان هذا الآخر منتِجاً في ثقافته، وبانياً لها.


MISS 3