الدكتور عصام خليفة

تحية إلى جبور دويهي وفارس ساسين

26 تموز 2021

02 : 00

أكاديميان خدما الأجيال المتعاقبة في الجامعة اللبنانية. مواطنان حملا همّ الإصلاح والتقدّم لأبناء شعبنا. علَمان كبيران غابا عنا في الأيام الأخيرة: الدكتور جبور دويهي وفارس ساسين.

لقد أنجز د. دويهي عمارة أدبية بناها من الحياة الواقعية حيث غاص في دقائق العلاقات والمواقف والخلفيات للبنى الاجتماعية التي حرّكها في عوالم رواياته الرحبة.

لبنان ليس مثالاً أو أيقونة بقدر ما هو عادات وتقاليد وأساطير وأهازيج ومراثٍ، وعنف وصراع وحب وكراهية. يتعمّق في دقائق الحقبات والطبقات الاجتماعية اللبنانية، ويرفدها ينابيع من الآداب العالمية. يغرف من ذاكرته ويومياته مقراً بأنه لم يستطع ان يحقّق حلم التغيير.

أما الدكتور فارس ساسين فهو مفكر فيلسوف واسع الثقافة، موسوعي المعرفة. كتب كثيراً باسمه وباسم غيره. وكان من أركان دار النهار للنشر. كان المثقف الرافض للسير وراء الغرائز في مرحلة الحروب اللبنانية المركّبة.

الراحلان كانا أستاذين مميزين من أساتذة الجامعة اللبنانية. الدكتور دويهي درّس الآداب الفرنسية في كلية الآداب، فرع طرابلس طيلة عقود، وكان مميزاً في عطائه وأسهم دائماً في تحرّك رابطة الأساتذة.

والدكتور ساسين كان المرجع بين أساتذة الفلسفة في فرع البقاع، وكان تمكّنه من اللغات الأجنبية والفلسفة الحديثة والمعاصرة، وحرصه على غزارة العطاء لطلابه، محطّ تقدير من الجميع. وفي المواقف المفصلية كان د. فارس حاسماً في انحيازه للحريات الأكاديمية وفي صلابته في رفض الفساد والتزوير والانحطاط الذي تعاني منه هذه المؤسسة ولا تزال.

وقف الراحلان دائماً في خط الدفاع عن العدالة الاجتماعية، وعن استقلال الدولة اللبنانية، وفي مواجهة قوى التخلّف والتبعية للخارج، ودافعا معاً عن قيم الاستقلال والحرية والإصلاح والتقدّم.

ان الحركة الثقافية - انطلياس التي تعتز بصداقة هذين العلَمين المميزين في ثقافتنا الوطنية تتقدّم من أهلهما ومن مثقفي زحلة واهدن، لا بل من كل مثقفي الوطن بأعمق مشاعر التعزية.

إن حركتنا على يقين من أن أمثال الراحلين الكبيرين سيبقيان خالدين في ضمير كل محب للثقافة، وكل مخلص لقضية استقلال الوطن وحقوق الإنسان فيه.

ثم ان حركتنا لن تتوانى عن القيام بواجبها في إبراز إنجازاتهما عند تنظيم المهرجان اللبناني للكتاب، مع انحسار جائحة "كورونا"، وجائحة منظومة الفساد السياسية التي أسهمت في عملية انهيار الدولة والاقتصاد والثقافة. وستكون الانجازات الأدبية والفكرية للراحلين وأمثالهما جسر العبور الى مستقبل شعبنا وخروجه من نفق الظلام الى آفاق الرفـاه والتقدّم والحرية.