جاد حداد

كوفيد طويل الأمد... أعراض الأسبوع الأول تُنذر بنسبة الخطر!

27 تموز 2021

02 : 00

وفق منظمة الصحة العالمية، تجاوز عدد الإصابات بفيروس "كوفيد - 19" عتبة 190 مليوناً عالمياً وتخطّت حصيلة الوفيات الأربعة ملايين. في ظل تفشي هذا الوباء، اتضح أن العدوى المستجدة قد تُسبب اضطراباً طويل الأمد في بعض الحالات، إلى جانب احتمال الإصابة بمرض حاد أو قاتل خلال الأسابيع القليلة الأولى بعد التقاط الفيروس.

يواجه معظم المصابين بالعدوى أعراضاً خفيفة أو معتدلة ويتعافون بعد أسبوعين أو ثلاثة أسابيع على ظهور الأعراض الأولى. في المقابل، يميل عدد صغير لكن ملحوظ من الناس إلى مواجهة أعراض دائمة بعد مرور أربعة أسابيع على نشوء المرض. تُعرَف الأعراض التي يختبرها الناس بعد هذه المرحلة الحرجة باسم "كوفيد طويل الأمد" أو "كوفيد ما بعد المرحلة الحادة".

في هذه الحالة، يتعرض الناس لمرض مطوّل بغض النظر عن حدة الأعراض خلال المرحلة الخطيرة من العدوى. تختلف طبيعة الأعراض بين المصابين بهذا الشكل من المرض، لكن تبرز أعراض مشتركة مثل التعب، والألم العضلي، والصداع، والاكتئاب.

يصاب شخص واحد من كل خمسة بأعراض "كوفيد - 19" بعد خمسة أسابيع، وقد تستمر هذه الأعراض بعد مرور 12 أسبوعاً لدى 10% من مجموع المصابين بالعدوى. حلّل فريق "علاجات كوفيد طويل الأمد" في جامعة "بيرمينغهام" في بريطانيا 27 دراسة سابقة حول هذا النوع من الحالات لتحديد أكثر الأعراض شيوعاً وتوضيح مؤشرات المرض المطوّل.

راجع الباحثون البيانات أيضاً لرصد المضاعفات المرتبطة بمرض "كوفيد طويل الأمد" وطرق التحكم به للاعتناء بالمصابين باضطرابات مطوّلة.

يقول المشرف على الدراسة، شامل هارون، رئيس فريق "علاجات كوفيد طويل الأمد": "تكمن صعوبة تقييم المصابين بهذا الاضطراب في توسّع نطاق الأعراض التي أصيب بها المرضى وذكرتها المراجع المعتمدة حتى الآن. سمحت لنا مراجعتنا المنهجية بجمع نتائج الدراسات السابقة حول "كوفيد طويل الأمد" لطرح تقديرات عن نسبة انتشار أكثر الأعراض شيوعاً. لقد استعملنا هذه الطريقة لتطوير استبيان حول أعباء الأعراض وتقييم مجموعة واسعة من المؤشرات ذات الصلة، تزامناً مع اقتراح قياس موضوعي لتلك الأعراض وتقييم أثرها على حياة الناس".

نُشرت نتائج الدراسة في "مجلة مجتمع الطب الملكي".

أعراض "كوفيد طويل الأمد"

لتحديد أكثر الأعراض شيوعاً، أجرى العلماء في البداية بحثاً مكثفاً لاختيار الدراسات التي تشمل مصابين بمرض "كوفيد طويل الأمد". حلل الباحثون البيانات التي جمعوها حول شيوع مختلف أعراض الحالة استناداً إلى 27 دراسة لطرح تقديرات متماسكة حول أبرز الأعراض المحتملة.

تبيّن أن تلك الأعراض تشمل التعب، وصعوبة التنفس، والألم العضلي، والصداع، وألم المفاصل، وتغيّر حاسة الشم والذوق. لاحظ الباحثون أيضاً اضطرابات متكررة في النوم وأعراضاً معرفية مثل مشاكل الذاكرة والتركيز لدى المصابين بهذه الحالة.

لكن لم تكن الإصابة بدرجة خفيفة من فيروس "كوفيد - 19" خلال المرحلة الحادة من المرض كافية لتوقع الإصابة بالمرض المطوّل، مع أن دخول المستشفى عند ظهور الأعراض أو الحاجة إلى الأوكسيجين ارتبطا بزيادة مخاطر الإصابة بمرض "كوفيد طويل الأمد". تذكر إحدى الدراسات أيضاً أن ظهور أكثر من خمسة أعراض خلال الأسبوع الأول من المرض يزيد احتمال الإصابة بالنسخة المطوّلة منه.

برزت عوامل أخرى ترتبط بزيادة مخاطر الإصابة باضطراب "كوفيد طويل الأمد"، منها التقدم في السن، والانتماء إلى فئة الإناث، والإصابة بمشاكل صحية سابقة. كذلك، أثّر العمر والوضع الصحي السابق على عدد من الأعراض التي استمرت طوال فترة "كوفيد طويل الأمد".

تدهور نوعية الحياة ومضاعفات أخرىاكتشف الباحثون أن "كوفيد طويل الأمد" ينعكس سلباً على نوعية الحياة، والصحة النفسية، وأداء العمل لدى عدد كبير من المشاركين. اعترف معظم المتطوعين في الدراسات الخاضعة للتقييم بتدهور نوعية حياتهم بعد ظهور أعراض كورونا بأشهر.

ومن بين المقالات التي خضعت للمراجعة، ذكرت إحدى الدراسات أن شخصاً واحداً من كل أربعة دخلوا إلى المستشفى بعد تعرضهم لحالة حادة من "كوفيد - 19" أصيب بالقلق أو الاكتئاب بعد ستة أشهر على ظهور الأعراض الأولى.

تذكر دراسة مختلفة أن المجموعة التي دخلت إلى المستشفى كانت أكثر عرضة لإجهاد ما بعد الصدمة. برز رابط بين الأعراض الحادة التي ترافق هذا الاضطراب وغياب الدعم الاجتماعي المناسب، ووصمة العار التي يحملها المريض، وفئة النساء، وعدد الأعراض المطوّلة.

من المعروف أن المضاعفات التي تؤثر على أعضاء متعددة تظهر خلال المرحلة الحادة من "كوفيد - 19"، منها الأجهزة التنفسية والهضمية والقلبية والوعائية والعصبية. وعلى غرار ما تُسبّبه العدوى الحادة، استنتج الباحثون أن عدداً كبيراً من المصابين بفيروس "كوفيد - 19" تعرّض لالتهاب القلب، واضطراب وظيفة الرئة، واختلالات رئوية أخرى، وضعف الكلى، واضطرابات عصبية متنوعة، بعد شهرين أو ثلاثة أشهر على ظهور الأعراض أو الخروج من المستشفى.

شملت الدراسات المرتبطة باختلال صحة القلب والأوعية الدموية أفراداً لم يدخلوا إلى المستشفى ولم يواجهوا أي أعراض أو كانت أعراضهم خفيفة، ما يثبت احتمال الإصابة بمضاعفات مطولة بسبب "كوفيد طويل الأمد" رغم عدم دخول المستشفى في المرحلة الأولى.

ما السبيل للتحكم بالأعراض؟

أصدرت مجموعة من المؤسسات توجيهات للسيطرة على "كوفيد طويل الأمد"، لكن لا تزال هذه التوصيات قيد التطوير مع ظهور أدلة إضافية حول المرض.

قد يواجه المصابون الذين اضطروا لدخول وحدة العناية المركزة مشاكل مثل الضعف العضلي، والأمراض العضلية، والأضرار أو الاختلالات العصبية والرئوية. لهذا السبب، يجب أن يخضع هؤلاء لعلاج فيزيائي وإعادة تأهيل التنفس أو الرئة بعد استقرار حالتهم مباشرةً.

يظن الباحثون أن هذه العلاجات قد تفيد من لم يدخلوا إلى المستشفى أيضاً إذا أصيبوا بمرض "كوفيد طويل الأمد". لكنهم قد لا يتلقون الرعاية الطبية المناسبة إذا لم يتعرف الأطباء على أعراضهم أو لم يستكشفوها.

نظراً إلى شيوع الأعراض النفسية، مثل القلق والاكتئاب واضطراب إجهاد ما بعد الصدمة، لدى المصابين بمرض "كوفيد طويل الأمد"، يقترح الباحثون على المصابين بهذه الحالة الخضوع لفحوصات ترصد تلك الأعراض وتلقّي العلاج النفسي اللازم عند الحاجة. قد يواجه المصابون بهذا النوع من الأمراض مشاكل أخرى مثل العزلة الاجتماعية والشعور بالعار، وقد يستفيدون من جماعات الدعم الاجتماعي.

في مقابلة أجرتها مجلة "ميديكل نيوز توداي" مع الدكتور ديفيد بوترينو، مدير قسم إعادة التأهيل في مستشفى "ماونت سينا"، سُئِل هذا الأخير عن أساليب العناية بالمصابين بمرض "كوفيد طويل الأمد".

ناقش بوترينو، الذي لم يشارك في الدراسة الأخيرة، أهمية الرعاية متعددة الاختصاصات لكل مصاب بمرض "كوفيد طويل الأمد"، وذكر أن الأعراض التي يلاحظها الأطباء تكون بالغة التعقيد وتشمل مجموعة أنظمة تتفاعل بقوة في ما بينها.

قد يتدهور وضع المريض الصحي حين يتولى عدد من الخبراء الرعاية به، فيعالج كل طبيب منهم واحداً من الأعراض من دون التنسيق مع الأطباء الآخرين. يظن بوترينو أن الرعاية متعددة الاختصاصات، أي تلك التي تشمل فريقاً من الأطباء الذين يتخذون جماعياً القرارات المرتبطة بمعالجة المريض، هي خطوة ضرورية لنجاح إعادة تأهيل المصابين بمرض "كوفيد طويل الأمد". كذلك، يواجه المصابون بهذه الحالة أعراضاً معقدة تتطلب رعاية متخصصة.

في هذا السياق، تقول الدكتورة إينيا داينز، معالِجة فيزيائية بحثية في مركز "ليسيستر" الطبي الحيوي في بريطانيا (لم تشارك في الدراسة الأخيرة): "في الوقت الراهن، تكثر التحديات التي نواجهها مع المصابين بمرض "كوفيد طويل الأمد" إذا لم يتجاوبوا مع جلسات إعادة التأهيل. حتى أن الأعراض تتفاقم في بعض الحالات بسبب تلك التمارين. تتعدد النظريات التي تفسّر ما يحصل، لكننا لا نملك جواباً جازماً حول مسببات هذه الاستجابة أو طريقة معالجتها. يجب أن نجري أبحاثاً إضافية حول الفئات التي لا تتجاوب مع التمارين الجسدية لاستكشاف أسباب عدم هذه الاستجابة وطريقة معالجة هؤلاء المرضى. لحسن الحظ، بدأت دراسات عدة باستكشاف هذا الجانب الأساسي وستبدأ أبحاث مماثلة قريباً... على أمل أن نكتشف الأجوبة على هذه الأسئلة في أسرع وقت".

قد تكون مراقبة المصابين بفيروس "كوفيد - 19" لفترة طويلة ضرورية إذاً لمعالجة المضاعفات المحتملة بالشكل المناسب. قد تحصل هذه العملية استناداً إلى الملاحظات التي يقدمها الأفراد بأنفسهم أو عبر مراقبة المرضى عن بُعد. تتطلب هذه المراقبة استخدام أجهزة قابلة للارتداء لتعقب المؤشرات الحيوية لدى المرضى ومساعدة الأطباء على تحديد الأفراد الأكثر عرضة للخطر.


أولــــــويــــــات الأبــــــحــــــاث


يدعو الباحثون إلى تحسين طريقة فهم الآليات المسؤولة عن مرض "كوفيد طويل الأمد" لتطوير العلاجات المناسبة لهذه الحالة. يكتب العلماء في تقريرهم: "ثمة حاجة مُلحّة إلى إجراء تجارب عيادية لتقييم المقاربات التي تستهدف "كوفيد طويل الأمد" وتعالج مجموعة واسعة من الأعراض والمضاعفات التي رصدتها هذه المراجعة. قد تُسلّط هذه الأعراض والمضاعفات المحتملة الضوء على آلية أعمق وراء المسار العيادي لهذا الاضطراب. ثمة حاجة كبرى إلى تحسين نماذج الرعاية الطبية وتوحيدها لدعم المرضى والسيطرة على حالتهم وصولاً إلى تحسين النتائج العيادية. كانت معظم الدراسات السابقة حول "كوفيد طويل الأمد" قد ركّزت على المرضى الذين دخلوا إلى المستشفى، لذا ثمة حاجة ماسّة إلى إجراء دراسات عن المجموعات التي أُصيبت بهذا الاضطراب لكنها لم تدخل إلى المستشفى. أخيراً، تبرز الحاجة إلى استكشاف أي اختلافات عرقية في معدل الإصابات بهذه الحالة مقارنةً بإصابات كورونا الحادة".

يوشك الباحثون على إطلاق دراسة لسد هذه الثغرات. هم يخططون لتعقب أثر "كوفيد طويل الأمد" على الأعراض، وقدرة العمل، ونوعية الحياة لدى الفئات التي لم تدخل إلى المستشفى عبر استعمال أسلوب مراقبة المرضى عن بُعد.

يوضح الدكتور شامل هارون: "سنستعمل منهجيات إحصائية لتحديد الأعراض التي تسمح بالكشف عن متلازمات محددة ونجمعها مع البيانات العيادية الأخرى لوصف تلك المتلازمات بالتفصيل. كذلك، يُخطط فريق البحث لاستعمال عينات الدم واللعاب لتحليل الاستجابة المناعية لدى الفئات التي لم تدخل إلى المستشفى رغم إصابتها بمرض "كوفيد طويل الأمد"، ما يسمح بتحديد الأهداف العلاجية المحتملة. على صعيد آخر، ننوي تنظيم ورش عمل لحصد الإجماع حول العلاجات الأساسية التي يمكن اختبارها عبر التجارب العيادية الخاصة بمرض "كوفيد طويل الأمد"، وللتعاون مع الأطباء والأفراد لإنتاج مقاربة تدعم المصابين بهذا الاضطراب على مستوى المجتمع ككل".



MISS 3