المحامي روجيه كرم

على المضمونين طلب إطلاعهم على ترتيبات المعيدين وإلا يتمّ اللجوء إلى القضاء

هل تسعى شركات التأمين إلى الكسب غير المشروع على حساب متضرّري انفجار المرفأ؟

14 آب 2021

02 : 01

عام مرّ على انفجار مرفأ بيروت، والجزء الأكبر من تعويضات التأمين الواجب دفعها للمضمونين المتضرّرين من الانفجار، لم يتمّ تسديده بعد، خصوصًا في ما يتعلّق بأضرار المباني والمنشآت الكبرى. في المقابل، جرى تسديد تعويضات محدودة عن المطالبات التأمينية الأخرى المنخفضة القيمة والمتعلّقة بأضرار السيارات والاستشفاء والحياة، فضلاً عن التعويض عن جزء بسيط من أضرار الممتلكات.

في إطار الحديث عن موضوع تسديد التعويضات، يُطرح السؤال حول ما إذا كانت شركات التأمين تسعى من خلال التعويضات المدفوعة أو المنوي دفعها إلى تحقيق كسب غير مشروع على حساب المضمونين المتضرّرين من الانفجار.

هذا السؤال يجد ما يبرّره بالنظر لكون العديد من شركات التأمين قد احتفظت، ولا تزال تسعى، بعد نحو سنة من وقوع الانفجار، إلى الاحتفاظ بجزء ممّا يصلها من معيدي الضمان من تعويضات مدفوعة بالعملات الأجنبية، وتحديداً بالدولار الأميركي، في مقابل قيامها بتسديد التعويضات للمضمونين المتضرّرين، أو جزءٍ كبيرٍ منها بالليرة اللبنانية أو بالدولار المصرفي المحلّي، وبصورة لا تعكس غالبًا القيمة الحقيقية للأضرار المسعّرة بالدولار الأميركي الفعلي، مع العلم أن حصّة معيدي الضمان تشكّل الحصّة الأكبر من تعويضات التأمين، إذ تصل أحياناً كثيرة إلى حدود 80 أو 90 في المئة من تلك التعويضات.

تغطية خسائر الإنفجار

والواقع أن العديد من شركات التأمين العاملة في لبنان، سعت ولا تزال عبر هذه الممارسة إلى تغطية خسائرها الناجمة عن انفجار مرفأ بيروت، فضلا عن خسائرها المتراكمة، خصوصا في السنتين الأخيرتين نتيجة اضطراب الظروف السياسية وتردّي الأوضاع الاقتصادية وأزمات القطاع المصرفي وتداعيات جائحة "كورونا"، وذلك عبر تحقيق كسب لها، من خلال الاحتفاظ لنفسها بجزء من تعويضات التأمين التي تصلها من معيدي الضمان كأموال جديدة بالعملات الأجنبية.

من الأكيد أن هذا الأمر يشكّل سلوكاً مريباً لا بدّ من الوقوف عنده ملياً. إن هذه الممارسة أقلّ ما يقال فيها إنها تؤدّي إلى حصول كسب غير مشروع من قبل شركات التأمين على حساب المضمونين المتضرّرين من انفجار مرفأ بيروت.

قانون ملزم

هذا الواقع تنبّه له المشترع، ما حدا بمجلس النواب في جلسته التشريعية المنعقدة في 30 حزيران 2021 إلى إقرار قانون يرمي إلى إلزام شركات الضمان العاملة في لبنان بتسديد جزء من الأموال الناتجة عن كافة عقود الضمان كأموال جديدة Fresh Money، حيث يلزم القانون المذكور بأن توزّع المبالغ الناتجة عن عقود إعادة التأمين على المستفيدين من عقود الضمان.

من الواضح أن الغاية من القانون المشار إليه تتمثّل بحماية حقوق المضمونين والمستفيدين من عقود التأمين وضمان حصولهم على حصّة معيدي الضمان من تعويضات التأمين كأموال جديدة بالعملات الأجنبية. ولاقى هذا القانون اعتراضاً لم يسبق له مثيل من قبل شركات التأمين، وصبّت هذه الشركات كافة جهودها للالتفاف على هذا القانون متوعّدة سرًّا أو علانية بعدم تطبيقه.

وهذا إن دلّ على شيء، فهو يدلّ على حجم المأزق الذي تعانيه شركات التأمين جرّاء انكشاف الآلية المتّبعة من قبلها في إطار عملية تسديد التعويضات لا سيّما لجهة احتفاظها من دون وجه حقّ بجزء من المبالغ المحوّلة من معيدي الضمان. ووسط هذه التجاذبات، أتى ردّ القانون من جانب رئيس الجمهورية إلى مجلس النواب متبنيًّا بشكل أو بآخر الملاحظات التي أثيرت بشأنه من قبل قطاع التأمين.

وأشار الى ان "الملاحظات المثارة على القانون المذكور من السهل تفنيدها، بحيث ليس ثمّة ما يمنع إقرار القانون مرّة جديدة بالصيغة الأساسية نفسها. في كافة الأحوال، وسواءً جرى إقرار هذا القانون مجدّداً أم لا، وأيًّا كانت الصيغة النهائية له في حال إقراره، فإنّ الأكيد أنّ شركات التأمين ملزمة على الأقلّ بسداد حصّة معيدي الضمان بالعملات الأجنبية التي تصلها من الخارج وخاصة بالدولار الأميركي. وهذا الموجب لا يحتاج بالضرورة إلى نصّ خاص لتأكيده، إنما تكرّسه المبادئ العامة للقانون والنصوص العامة السارية المفعول، ومن بينها القواعد المتعلّقة بالكسب غير المشروع والتي تطبّق في حال إحجام شركات التأمين عن سداد حصّة معيدي الضمان من تعويضات التأمين المتوجّبة للمضمونين المتضرّرين وذلك كأموال جديدة على النحو المذكور، فضلًا عن أنّ بوالص التأمين نفسها تسعّر بمعظمها قيمة التغطيات وسقوفها بالعملات الأجنبية وخاصة بالدولار الأميركي.

لا لتسويات تهضم الحقوق

في المقابل، على المضمونين المتضرّرين من الانفجار التنبّه جيّداً لحقوقهم، وعدم قبول إجراء تسويات من شأنها هضم تلك الحقوق أو التقليل من قيمة التعويضات المدفوعة أو تسديدها بغير الأموال الفعليّة أو الجديدة وذلك على الأقلّ لجهة حصّة معيدي الضمان من تلك التعويضات.

وفي هذا السياق، من المفيد للمضمونين الطلب من شركات التأمين إطلاعهم على ترتيبات إعادة التأمين، وإلاّ الطلب من القضاء المختص إلزام شركات التأمين بإبراز تلك الترتيبات في حال امتناع الشركات عن إبرازها وذلك ضماناً لاستيفاء الجزء الأكبر من تعويضات التأمين كأموال جديدة على ضوء حصّة معيدي الضمان من الترتيبات المعقودة مع شركات التأمين.

في الخلاصة، من المؤسف فعلًا أن تشكّل فاجعة إنسانية ووطنية بحجم انفجار مرفأ بيروت سبباً لسعي شركات التأمين أو بعض منها إلى محاولة الكسب على حساب المضمونين المتضرّرين من أجل التعويض عن خسائرها وتحقيق أرباح على حساب هؤلاء.

ووسط كلّ هذا التخبّط، وبغياب أيّ دور جدّي لوزارة الاقتصاد والتجارة، وعلى وجه الخصوص للجنة مراقبة هيئات الضمان بوصفها المرجع المنوط به الرقابة والإشراف على قطاع التأمين لمصلحة المضمونين، يبقى التعويل على المضمونين المتضرّرين أنفسهم، وعلى وعيهم بحقوقهم وممارستهم لها، توصّلًا إلى تحصيل ما يستحقّ لهم فعليًّا من تعويضات بذمّة شركات التأمين.

MISS 3