مايا الخوري

الدكتور زياد مسعد: لا تؤجّلوا حلم الأمومة

17 آب 2021

02 : 00

قد يبدو تأجيل حلم الأمومة قراراً منطقياً في بلد يعاني خضّات صحية وأمنية وإقتصادية متتالية، ولكن هل يعقل تأجيل أحلامنا في انتظار ظروف أفضل طالما لا بوادر حلول في الأفق؟ بمناسبة اليوم العالمي لأطفال الأنابيب، أطلقت الجمعية اللبنانية للخصوبة برعاية شركة ميرك "الرائدة في العلوم والتكنولوجيا"، حملة "#ما_تأجلي_حلمِك" لدعم الأزواج وحثّهم على عدم تأجيل حلم الإنجاب، يتحدّث مدير مركز IVF في لبنان، الدكتور زياد مسعد، المتخصص في الجراحة النسائية والتوليد والأخصائي في التقنيات المساعدة للحمل، إلى "نداء الوطن" عن واقع القطاع، وفرص نجاح عملية "طفل الأنبوب" مقدّماً النصائح.

لم يتأثّر قطاع "أطفال الأنابيب" في لبنان وحده بسبب إنتشار وباء كورونا، فمراكز عالمية كثيرة تُعنى بالعمليات المماثلة، أقفلت أبوابها نهائياً، مثل كندا وأميركا وأوروبا. لكن في لبنان إستمرّ العمل بشكل خجول، حيث تراجعت نسبة الإقبال على العلاج 80%، اقتصرت على الحالات المستعجلة غير القابلة للتأجيل، وذلك بسبب الخوف من الإختلاط والإكتظاظ في العيادات.

إذاً، أجّل كثيرون العلاج، وفق الدكتور زياد مسعد، فيما قرر آخرون إيقاف عملية الإخصاب. إنما، بعد تحسّن الوضع الصحيّ لناحية إصابات كورونا، وإتخاذ العيادات الطبية التدابير الوقائية اللازمة، عاودت المراكز نشاطها الطبيعي، أسوة بالدول الأجنبية.

ما هي الإجراءات التي اتبعّت في مراكزكم؟ يقول: "إستجابة لتخوّف المرضى من عدوى كوفيد، شدّدت المراكز إجراءاتها، فتم تحديد عدد الأشخاص في كل موعدٍ تفادياً للإختلاط، خضع الثنائيون لفحص PCR قبل البدء بالعلاجات، إضافة إلى التدابير المتعارف عليها في العيادات وغرف العمليات ولدى الفريق الطبي الذي إطمأنّ أكثر بعد تلقيه اللقاح".

وعن تأثير الوضعين الإقتصادي والمالي في القطاع، يلفت إلى أنهما لم يشكّلا في البداية عائقًا أمام استمراره، بفضل دعم الدواء المخصص للعلاج، الذي انخفض ثمنه بطبيعة الحال، مقارنة مع الدول العربية والأجنبية. "فبدلاً من 1000$، أصبح 100$، إضافة إلى تراجع كلفة العلاج، لذا لم تتأثر نسبة العمليات، بل زادت 10%".

يشكّل الدواء حوالى 30 أو 40% من كلفة العملية، لذا ما إن رُفع الدعم حتى تأثر القطاع، بسبب صعوبة تأمين كلفة العلاج بالنسبة إلى اللبنانيين المقيمين. رغم ذلك، لا تزال كلفة عملية "طفل الأنبوب في لبنان" وفق الدكتور مسعد، بسيطة مقارنة مع الدول العربية وأميركا. مضيفاً:"يقبض معظم الأزواج الذين يعيشون في لبنان، معاشهم بالليرة اللبنانية، وبالتالي لا يستطيعون دفع ثمن الدواء والعلاج أو كلفة عملية طفل الأنبوب. لذلك حاولنا مساعدتهم على صعيد التكاليف، عبر خفض قيمة المعاينة وإلغاء أجرة الطبيب، وخفض كلفة العملية، إنما لن نستطيع تأمين ثمن الدواء والمستلزمات الطبية في حال رُفع الدعم، لذا أتوّقع صعوبة في إجراء عمليات الإخصاب مستقبلاً".

يسير القطاع الصحي بعامة نحو المجهول، بعدما زادت هجرة الأطباء المخضرمين والخرّيجين الجدد، إضافة إلى فقدان إختصاصات كثيرة. لذا، لن يكفي دعم المستلزمات الطبية والدواء وحده لإستمرار القطاع، طالما أن أجرة الطبيب غير كافية لتأمين العيش الكريم. ويضيف: "سيؤدي إستمرار الوضع الإقتصادي على حاله، إلى إقفال مراكز عدّة لأطفال الأنابيب، لأنها ستفقد القدرة على إصلاح المعدات الطبية المتوافرة لديها في حال تعطّلت بعد رفع الدعم".

أمّا حملة "ما تأجلي حلمك"، فهي تستهدف وفق مسعد، الثنائي المتقدّم في السنّ الذي لا يستطيع الإنتظار حتى تتحسّن الأوضاع الإقتصادية والصحية. فحلم الأمومة لا يؤجل، خصوصاً أن نسبة نجاح الحمل، تتراجع بعد تخطيّ المرأة عامها الخامس والثلاثين. "لذلك نساعد قدر الإمكان في تأمين كلفة العملية، التي تُقسم ما بين دفعة بالدولار وأخرى بالليرة اللبنانية، فضلا عن خفض أجرة الأطباء، مع الإبقاء على كلفة عملية "طفل الأنبوب" على حالها طالما أن المعدات المستخدمة غير مدعومة".

يؤجل الشبـاب اللبناني الزواج بسبـب الأوضاع السياسية والإقتصادية، لذا من المهمّ برأي مسعد المعاينة باكراً وإجراء الفحوصات اللازمة لبدء العلاج قبل بلوغ سنٍ تنخفض فيها فرص الإنجاب، وتنصح من بلغت سنّ الـ 35 من دون زواج، بأن تجمّد البويضات. فتوافر التقنيات الحديثة إلى جانب الصحّة الجيّدة، وغياب أي مشكلات في الإباضة أو في الدورة الشهرية، لا تكفي لزيادة نسبة الخصوبة بعد سنّ الأربعين. كما نصح الزوجة التي تبلغ 35 عاماً، من دون أن تحمل بعد مرور 5 أو 6 أشهر على الزواج، باجراء فحوصات كاملة لبدء العلاج وعدم الإنتظار.

وعمّا إذا كان فيروس كورونا يؤثّر في نسبة الخصوبة، يشير إلى أن لا دراسات طويلة الأمد في هذا الإطار. لكن، إنطلاقًا من خبرته الخاصة، لا يظنّ أنه يؤثر في خصوبة النساء. أمّا بالنسبة إلى الرجال، فيمكن لأي فيروس أو حرارة مرتفعة التأثير وقتاً في نوعية الحيوانات المنوية.

ويلفت الدكتور مسعد إلى تطوّر دائم في التقنيات المساعدة في الحمل، مشيراً إلى أنه في معظم حالات العقم لدى الثنائي، تكمن المشكلة في الرجل، لذلك هناك تقنيات كثيرة لتحسين نسبة النجاح خصوصاً عند الأزواج الذين خضعوا سابقاً لعمليات فاشلة كثيرة، أو عند من يعانون ضعفا في الحيوانات المنوية أو إنعداما في وجودها.

إلى ذلك، هناك تقنية فحص "كروموســـوم الأجنّة، CCS" حيــث تؤخذ خزعة للتأكد من صحة الجنين قبل إتمام عملية الزرع، خصوصا لدى الثنائي الذي خضع لعمليات تخصيب عدّة فاشلة من دون سبب محددّ. وتُستخدم هذه التقنية أيضاً لدى الأزواج الذين سُجّلت في عائلتهم مشاكل صحية جينية.

وعن فرص نجاح عملية "طفل الأنبوب"، يقول:"من المهمّ إجتماع الثنائي بالطبيب قبل بدء العلاج، للإطلاع على نسبة النجاح والإتفاق معه، لأن ما من عملية ناجحة بنسبة 100%، إذ لكل حالة خصوصيتها، وعوامل مؤثرة في نسبة نجاحها، مثل سنّ الزوجة أو نوعية الحيوانات المنوية لدى الرجل. فتتراوح فرص النجاح ما بين 50 و60 في المئة فقطـ. لذلك قد يحاول الثنائي مرّات عدّة، وإن لم يتحقق الحمل، يجب إعادة النظر في الأسباب، لتحسين فرص النجاح. إنما، ما من شيء مضمون رغم التقنيات المتقدّمة".

ويلاحظ مسعد منذ عام تقريباً أن المتصلين بالمركز لا يسألون عن فرص النجاح ومسار العملية وطريقة العلاج والتقنيات إنما عن كلفة "طفل الأنبوب"، موضحاً أن التكاليف تتحددّ وفق متطلبات كل حالة، لذا يجب أن يتأكد الثنائي من إتمام الفحوصات اللازمة ومن فرص النجاح أوّلاً".

وفي النهاية يوجّه رسالة إلى الأزواج بعدم تأجيل حلم الأمومة رغم إنتشار كورونا والوضع الإقتصادي الصعب والمشاكل في البلد، لأن لا حلول لهذه الأوضاع في الأفق وبالتالي يجب التعايش معها.


MISS 3