مايا الخوري

ألبير كوستانيان: الثورة عرّت السلطة وعلى المعارضة تقديم البديل

25 آب 2021

02 : 00

خبير إقتصادي وناشط سياسي دخل الإعلام من بابه العريض في برنامج "عشرين 30 رؤية لبنان" الذي يستضيف فيه شخصيات من مختلف الميادين لمناقشة الواقع اللبناني وتقديم الحلول. معدّ ومقدّم البرنامج، ألبير كوستانيان يستعرض عبر "نداء الوطن" قراءته للواقع السياسي في لبنان متحدثاً عن تجربته الإعلامية الأولى.

خبير إقتصادي واستراتيجي، هل ساهمت هذه الخبرة في تحديد هوية برنامجك؟

ساهمت خبرتي في مجالات عدّة في التأكيد على جديّة البرنامج، وقدرته على طرح مواضيع مختلفة وتقديم مواد تحليلية أكثر للمشاهدين. أنا لست إعلامياً في الأساس، لذا يهدف تقديمي "عشرين 30، رؤية لبنان" إلى قدرتي على مقاربة مواضيع إقتصادية وإستضافة الشخصيات المناسبة لتقديم الحلول ومعالجة الإشكالات من دون إستعراض.

ناشط سياسي ذو آراء سياسية واضحة ومعلنة كيف تحافظ على مصداقيتك تجاه جمهور برنامجك؟

أتمتّع بنوعٍ من المناقبية الإعلامية التي تدفعني، منذ لحظة الإعداد حتى مرحلة التصوير، إلى وضع آرائي السياسية المعروفة جانباً. هكذا يُفترض ممارسة أي شخصٍ محترف لمهنته، بموضوعية وحياد. قد يستفزّني الحدث أحياناً إلا أنني أبقى محترماً ولائقاً تجاه الجميع، سواء على مواقع التواصل الإجتماعي أو في البرنامج، لأنني حريص جداً على الموضوعيّة في كل الظروف.

إستضفت شخصيات مـــــــــن قطاعات وآراء سياسيـــــــــة مختلفة، ما الذي إكتسبتـــه من هذه اللقاءات؟

قبل دخولي مجال الإعلام، ازدادت تساؤلاتي كلما تقدّمت في السنّ، وإهتمامي بوجهات نظر الآخرين، الذين أصبحت أكثر تقبّلاً لآرائهم، محاولاً فهم الخلفية التي يتحدثون من خلالها. من الطبيعي أن يسهم الإعلام في إتباعي لهذا الأسلوب بشكلٍ أكبر والتعرّف إلى آراء شخصيات مختلفة، قد لا أقتنع بها، إنما لا بدّ من إحترامها، وعدم الحكم على مناقبيتها. برأيي، يجب أن نتمرّس على وضع نفسنا مكان الآخر والتفكير بخلفية مواقفه قبل الحكم عليه.

ثمة من يقارن ما بين برنامجك وبرامــــج حوارية أخرى. ما رأيك؟

يتميّز "عشرين 30" بمناقبيته ومصداقيته ومحاولته وضع نمط إعلامي جديد ونحن نسعى لتطويره من ضمن السياق نفسه، لذا لا كواليس ولا خلفيات ولا تلاعب فيه، بل هو رسالة هادفة. من جهة أخرى، لا تجوز المقارنة مع البرامج الأخرى التي أحترمها لأنّ أسلوب برنامجي مختلف، من هذا المنطلق أترك للمشاهدين التقييم والحكم، فما يهمّ فعلاً هو قيام الإعلامي بدوره بمهنيّة عالية.

تتوّلى مسؤوليات عدّة إلــــــــى جانب الإعلام، كرئيس مجلس الإدارة التنفيذي لمجموعة "كلنا إرادة" ورئيس شـــــــركة إستشارات مالية وإستراتيجية "Levant consult"، كيف تحقق التوازن الناجح؟

أعمل لساعات طويلة في خلال النهار لتنظيم مسؤولياتي كلها والتوفيق في ما بينها، والأهم فصلي بين المجالات المختلفة لئلا يحصل تضارب في المصالح.

حدّد مجموعة "كلنا إرادة"؟

تسعى هذه المجموعة إلى الضغط لتغيير لبنان، وإرساء الوطن الحديث الذي يشبهنا. تجمع شخصيات مميزة ناجحة في مجالات عدّة وذات خبرات في لبنان والإغتراب، متفقة على العطاء من دون مقابل، لأن أحداً منها لا يملك أجندة خاصة. تعمل هذه المجموعة المموّلة من لبنانيين فقط، من دون "ego" الذي هو مشكلة كبيرة في هذا البلد، لذا أنا مؤمن برسالتها ورؤيتها وبرنامجها وفكرها لتصميم لبنان الغد بقلب الممارسة.

بالحديث عن “ego” اللبنانيين، كيف تحصّن نفسك خصوصاً أن من يقف أمام الكاميرا سرعان ما يصبح مشروع سلطة ونفوذ ونجومية؟

لا تعني النجومية والشهرة شيئاً بالنسبة إليّ، لذا لا أستعرض نفسي وعائلتي على "السوشيل ميديا"، خصوصاً أن نشاطي فيها خجول جداً. أؤمن بأنني حاملٌ لرسالة من خلال الشاشة، لذا أقوم بواجبي الإعلامي وأعود إلى منزلي من دون إستعراض حياتي الشخصية.

كيف تقيّم الوضع السياسي منذ إنطلاق ثورة تشرين مروراً بتفجير المرفأ وصولاً إلى الإنهيار التام؟

أنا متفائل لأنني أرى إنكسار المنظومة التي لم تعد قادرة على إنتاج نفسها، وهذا واضح في عملية تشكيل الحكومة. أفلست هذه المنظومة فكرياً وإقتصادياً، وسقط نموذج الأوزان الذي حكمنا طيلة هذه السنوات، وهذا أمر إيجابي يُبنى عليه. إلى ذلك، لاحظت من خلال برنامجي إنخراط الشباب المقيم والمغترب في الوضع السياسي وهذا أمر إيجابي أيضاً، رغم الأجواء السلبية والإحباط العام. من جهة أخرى، أرى طلباً كبيراً على التغيير، لذا أظنّ أن عنوان المرحلة هو العرض، أي أن تشكّل المجموعة الناشئة أو الإصلاحية أو ما يسمّى بالمعارضة البديل عن خيار التقوقع أو خيار المحاور الإقليمية التي نغرق فيها. يجب أن تبادر هذه المجموعات التي تتمتّع بقدرات شبابية وديناميكيــــة مع بعض الإغتراب إلى تقديم عرضٍ بديل مقنع للناس عن الخيارات الموجودة حالياً.

برأيك هل يُستخــــــــــــدم الإنهيار الإقتصادي كورقة ضغط لفرض التسويات أم أنه نتاج طبيعي لها؟

أصف من يروّج لمؤامرة الإنهيار الإقتصادي بالغبي، وبالمتهرّب من المسؤوليات لأن الخبراء الإقتصاديين حذّروا منه طيلة أشهر قبل وقوعه. تلقي هذه الذهنية المريضة اللوم على الخارج وعلى المؤامرات، فيما هو نتاج طبيعي لأفعال السلطة ولسوء آدائها الإقتصادي وغياب التخطيط فضلاً عن الخيارات الجيواستراتيجية التي إتخذتها منذ عام 2011، والتي أدّت بطبيعة الحـــــال إلى هذا الواقع.

لو حدث إنفجار نووي مماثل لـ4 آب، في أي بلد آخر، لإنفجر الشارع كلّه بوجه السلطة، كيف تفسّر خمول بعض اللبنانيين؟

لا أرى الصورة قاتمة لأننا نحقق تغييراً تدريجياً في ظلّ نظام تحميه قوة السلاح، ومتعدد الرؤوس بالتكافل والتضامن، لذا ينقسم الضغط الشعبي على جبهات عدّة ما يزيد الأمور تعقيداً. لا يمكن الحكم على التغيير خلال شهور أو أعوام، لأن أي مسار سياسي يحتاج إلى سنوات حتى يتغيّر، لكنّ الأجيال الصاعدة معتادة على السرعة، لذا تسعى وراء تحقيقه سريعاً.

ما يعني أن الثورة قد حققت إنجازات منــــــــذ إنطلاقتها؟

لقد أعلن الطلاق بين الشعب والطبقة السياسية، وعنوان المرحلة المقبلة هو إنتاج مشروع وتحقيق زواج مع طبقة سياسية مختلفة، خصوصاً أن النظام يلفظ أنفاسه الأخيرة وينهار. تحتاج عملية إعادة الإنتاج إلى مسار آخر وكفاءات أخرى، وما إعادة تسييس الشباب اللبناني المغترب والمقيم بعدما أُبعدوا سابقاً عن العمل السياسي سوى بادرة إيجابية. صحيح أن الثورة لم تحقق تغييراً إيجابياً على صعيد البناء لكنها عرّت السلطة وهدّمت ما تبقّى من هيكلها. فتحوّلت صفة النيابة والوزارة، التي كانت عنوان فخر في الماضي، إلى مدعاة خجل لدى حاملها، فلا يظهر إلى العلن، لا وبل يخشى الخروج من منزله إلى المطعم.

كلما تحرّك أهالي ضحايا المرفأ استدعوا إلى القضاء في مقابل رفض رفع الحصانــــــــة عن السياسيين للخضوع إلى التحقيــــــق في هذه القضية، ما رأيك؟

تدلّ هذه الوقاحة إلى تخوّف المنظومة من المساءلة، لأن سقوط أحدهم يُسقط الآخرين تباعاً. إن الإعتداء على أناس عزّل، وعلى أهالي الضحايا والخشية من رفع الحصانة عن المتهمين، دلالة إلى عمق الهوة بين السلطة والشعب، ونهائية الطلاق بينهما. فيما كان الحكم سابقاً ديكتاتورياً أوليغرشياً مقنّعاً، إنكشف وأصبح واضحاً للجميع وهذا مكسب كبير.

رغم معاناة اللبنانيين من الذلّ والقهر لم نبلغ بعد مرحلة العصيان المدني الذي دعوت إليه في منشورك، ما السبب؟

ما من شكّ في أنّ العصيان المدني هو أحد الحلول، إنما يحتاج اللبناني إلى ما يؤكّد بلوغه النتيجة، لذا يريد خطّة تصعيدية واضحة وهادفة للإنخراط فيها لأنه تعب من مجرّد النزول إلى الشارع.

إلام نحتاج لتحقيق النهوض الإقتصادي والسياسي؟

ليست النهضة الإقتصادية صعبة، لكنها تحتاج إلى رأس يدير الأزمة. للأسف لم يأخذ أي مسؤول قراراً إنقاذياً، لذا نحتاج إلى حكومة إصلاحية من وحي الثورة لا حكومة تكنوقراط، تحمل مبادئ إصلاحية للخروج سريعاً من الأزمة، لأن هذه المنظومة التي سببت الإنهيار، لا يمكنها إنقاذنا من المأزق الذي أوقعتنا فيه.