محمد دهشة

الكهرباء والمازوت يهدّدان صمود آخر معمل ثلج في صيدا... منسيّ وبعيد من الأضواء

30 آب 2021

02 : 00

خلال برش الثلج ناعما

معمل ثلج جلول، الوحيد في صيدا، يقاوم الاقفال، ويصرّ صاحبه على البقاء حتى الرمق الاخير، بعدما حاصرته ازمة انقطاع التيار الكهربائي وفقدان المازوت بشكل غير مسبوق، وهدّدت بتحويل مكعّباته بأشكالها المختلفة مجرد مياه لا يمكن الاستفادة منها.

سلطت ازمة الكهرباء والمازوت الاضواء على مهن بعيدة من الانظار بالرغم من اهميتها الحيوية واليومية، ومنها معمل ثلج جلول الذي تعتمد عليه الكثير من المصالح، بدءاً من الصيادين وبائعي الاسماك والمطاعم والسوبرماركت والأفران والحلويات ومحلات العصير وعموم بائعي المرطبات وخاصة الجوالين، مروراً بالجزّارين وبائعي الدجاج وحتى الاستخدام المنزلي، وصولاً الى نقل الادوية والدم والاموات، كل ذلك للحفاظ عليها من التلف.

ويؤكد جمال جلول لـ"نداء الوطن" ان "معمل الثلج كالمستشفى يحتاج الى الكهرباء على مدار الساعة، ولكن يختلف عنها انه منسي وبعيد من الاضواء، فاذا أقفل مستشفى واحد لن يموت الناس بفعل وجود غيره، ولكن اذا أقفلت معمل الثلج الوحيد هذا سيؤثر على قطاعات أساسية بعدما شكّلت ازمة المازوت لتشغيل المولد الخاص تهديداً بإقفاله بعد طول امدها. لقد صمدنا حتى الآن، وسوبرماركات عدّة اقفلت الاقسام التي تحتاج الى تبريد دائم تفادياً لتأمين الكهرباء على مدار الساعة، ومطاعم ومحال طعام اقفلت ابوابها حتى اشعار آخر، ونحن على الطريق اذا لم يتأمّن ما نحتاجه من مازوت بشكل دائم".

على مدار اثنتي عشرة ساعة يومياً، يعمل جلول في معمله الكائن في المدينة الصناعية، يستعين بمولده الكهربائي الخاص وقوته 110 K.V ويحتاج الى ما لا يقل عن 150 ليتراً من المازوت، لانه يبقى "شغّالا" على مدار الساعة تفادياً لذوبان الواح الثلج، حيث ينتج ما يزيد عن 350 لوحاً، ويبيع الواحد منها ما بين 30 – 49 الف ليرة لبنانية، حسب الكمية وما اذا كان بالجملة او المفرق، ويبرش منها كميات ويعبّئها في اكياس نايلون للاستخدامات المختلفة كبديل موقّت عن البرادات. ويقول جلول: "لقد راجعت عدداً من المرجعيات الصيداوية والبلدية للحصول على كميات من المازوت، لانني لم أعد قادراً على الاستمرار بالعمل من دون هذه المادة، فسعر صفيحة المازوت في السوق السوداء اصبح بـ300 و400 الف ليرة، والنائبة بهية الحريري أمّنت نحو 500 ليتر، بينما سجلت المعمل في كشف البلدية وجرى توزيع كميات ولم انل اي حصة حتى الآن، ما نحتاجه هو كمية ثابتة وبشكل دوري كي ننقذ المعمل من الاقفال، تفادياً للانعكاسات السلبية على كثير من القطاعات والمصالح ولكسب قوت اليوم في ظل الازمة المعيشية الاقتصادية الخانقة التي باتت تحاصر اللبنانيين بمختلف اعمالهم".

وبحسرة لا تخلو من عتب، يؤكد جلول انه اضطر الى اقفال أحد معمليه في منطقة الصرفند للاسباب ذاتها "بعدما ادركت ان هناك معملين يمكن ان يسدّا احتياجات المنطقة، اما في صيدا فالمعمل وحيد وألواح الثلج حاجة لا يُمكن الإستغناء عنها صيفاً أو شتاء ويُغطي استهلاك مدينة صيدا والبلدات والقرى المجاورة، ونتائج اقفاله ستكون كبيرة جداً وربما كارثية".

ويوضح جلول ان "المعمل ما زال على الطراز القديم، نستخدم فيه 3 آلات، الأولى: بركة الثلج وتستغرق صناعة ألواحه 24 ساعة، تُوضع القوالب الحديدية في بركة مياه موصلة بثلاثة "كمبروسرات" على درجة حرارة 12 تحت الصفر ويبلغ طول اللوح الواحد منها متراً و10 سم، وزنته حوالى 24 كلغ، يحتوي على 20 ليتراً من المياه، ثم تنقل من البركة بواسطة رافعة الى مزلج فنقوم بسحبها من القوالب قبل أن نحفظها في برادات خاصة. والثانية: تبرش الألواح وهي عبارة عن شفرة حادة من الفولاذ على قاعدة حديدية، يضغط عليها العامل فتخرج من فتحة سفلية ثلجاً مبروشاً، والثالثة: تصنّع مكعبات الثلج،التي تستعمل في المشروبات، وتُوضع أيضاً في أكياس خاصة من النايلون والكاوتشوك لتبريد رأس المرضى والمحرورين وأجسامهم، كما تستعمل لحفظ جثث الموتى قبل دفنها.

وعرفت صيدا معملين لصناعة الثلج منذ العام 1930، الأول قرب جسر الأولي عند المدخل الشمالي، ويعود الى إلياس الهاشم وكان ينتج نحو 1500 لوح يومياً، إلا أنّه أقفل في أوائل السبعينات، والثاني كان يملكه آل قمبريس ولا يزال بهذه الصناعة حتى الآن وبات يملكه جمال جلول، بعدما نقله من منطقة تعمير عين الحلوة إلى المدينة الصناعية الجديدة في منطقة سينيق في العام 1997.