د. ميشال الشماعي

دولة الرئيس بين الحزن والفرح

22 أيلول 2021

02 : 00

بدا لافتًا في هذه المرحلة على هامش نيل الحكومة ثقة البرلمان، شعور الرئيس ميقاتي بالحزن من انتهاك السيادة اللبنانيّة بوساطة النفط الايراني الذي سار بكلّ قحة من البوابات الحدوديّة عابراً من سوريا إلى لبنان، بعدما كان النفط اللبناني يعبر تحت مظلة منظّمة "حزب الله" الطريق بالعكس، أي من لبنان إلى سوريا. وفي حنكته المعهودة هرّب ميقاتي حكومته بنفيه أن يكون تمّ التنسيق مع لبنان الرسمي لإدخال هذا النّفط؛ واكتفى بالتعبير عن حزنه. إذا كان الرئيس حزيناً فهل ستكون الحكومة حزينة؟ وإذا بدا عاجزاً قبل دخوله السراي أمام منظمة "حزب الله"، فهل ستكون حكومته كلّها عاجزة؟ ممّا لا شكّ فيه أنّ النفوذ الاقليمي لهذه المنظمة هو الذي كان العامل الأساس في خروج هذه الحكومة من قمقم التعطيل بتسوية إقليميّة، سرعان ما ستنجلي معالمها للعيان. فالرئيس الفرنسي الذي بات مأزوماً في الميدان الدّولي، وبحاجة إلى مشروعيّة دوليّة يكتسبها من انتصار تسوويّ ما، قد وجد ضالّته في الملفّ اللبناني؛ لا سيّما بعدما غسل الأميركي يديه لأنّ أولويّاته لم تعد قريبة من الساحة اللبنانيّة. لتأتي بعد ذلك صفقة الغوّاصات الأميركية – البريطانيّة مع أستراليا، فيسدّد الأميركي بها ضربة قاضية للفرنسي، مسجّلاً بذلك تقدّمه وحصاره الدّولي على اللاعب الفرنسي الذي يبدو أنّه قد تخطّى حدود المسموح به دوليّاً.

من هنا، بات الفرنسي أمام فرصة دوليّة وحيدة ليثبت نفسه في الساحة الدّوليّة، وذلك من البوّابة اللبنانيّة التي دخلها مع الرئيس ميقاتي. ولن يقبل الفرنسي بأن يكون رئيس الحكومة التي يعتبر نفسه عرّاباً لها رئيساً حزيناً لضعفه وبضعف حكومته. فالديبلوماسيّة الفرنسيّة على المحكّ تحت المقصلة الأمميّة. إن لم يستطع الفرنسيّون إثبات أنفسهم في الملفّ اللبناني فهم حتماً سيكونون خارج اللعبة الدّيبلوماسيّة الأمميّة طوال الخمسين سنة القادمة، كي لا نقول طوال القرن القادم. وعندها لن يكون هذا القرن كافياً لحلحلة المشاكل الفرنسيّة الداخليّة، لا سيّما الديموغرافيّة منها.

وإن لم يسدّد الرئيس الفرنسي ضربة ديبلوماسيّة حتميّة من البوّابة اللبنانيّة قبل نيسان 2022، سيفقد فرصة ديبلوماسيّة قد تفتح له أبواب الاليزيه من جديد. لذلك، تبدو حكومة ميقاتي بالتسوية التي قادها الفرنسي مع الرئيس الايراني لاستيلادها فرصته الوحيدة. لذلك ستكون هذه الحكومة أمام الاستحقاقات الآتية:

- الاصلاحات المطلوبة دوليّاً والتي سترعاها فرنسا. وأوّل غيثها سيكون برفع الدّعم الذي بات على قاب قوسين من التنفيذ، وصولاً إلى تحرير سعر صرف الدّولار بالنّسبة إلى العملة المحليّة، ما قد يؤمّن هامشاً محدوداً للعملات الأجنبيّة تتحرّر فيه من دون أن تدمّر قيمة العملة المحليّة بالمطلق.

- الانتخابات النيابيّة اللبنانيّة التي ستكون بعد الانتخابات الرئاسيّة الفرنسيّة، أي في أيّار 2022. وقد يكون الضغط لتقريب موعد الانتخابات اللبنانيّة إلى آذار ليضمن الرئيس الفرنسي تسجيل نجاحها في رصيده قبل انتهاء ولايته الحاليّة مطلباً فرنسيّاً من الراعي الايراني للضغط على مشغّله في لبنان.

- استعادة السيادة اللبنانيّة من بوّابة القرارات الأمميّة؛ وهنا المحكّ الأكبر الذي سيواجه الرئيس الفرنسي. وهذا ما سيتركه لحكومة ما بعد الانتخابات النيابيّة المقبلة في لبنان. ويبدو في هذا السياق بأنّ الرئيس ميقاتي قد قطع وعوداً دوليّة للفرنسيّين بأنّه في حال استطاع إنجاز البندين أوّلاً وثانياً بحدّيهما الأدنى بأن يكون دولة الرئيس السعيد وليس الحزين بعد الانتخابات النيابيّة المقبلة.

قد يعيش دولته فترة من الحزن قبل الانتخابات النيابيّة لأنّه لن يستطيع التفلّت من قيود منظّمة "حزب الله". ولن يستطيع أيضاً أن يتفلّت بالمطلق من قيود المنظومة المتحكّمة بالسلطة. ولقد لمسنا ذلك بكيفيّة التشكيل المحاصصاتي لحكومته. لكنّه حتماً سيكون سعيداً لأنّ المنظّمة التي كانت سبب حزنه قبل الانتخابات ستكون حتماً، في مكان ما، سبباً لفرحه. وذلك على قاعدة وفائها لالتزاماتها الإقليميّة بين وليّها الايراني ومفاوضه الدّولي، أي الفرنسي.

ولا نغالي إن استنتجنا بأنّ المرحلة القادمة قد تكون مرحلة تنفيذ القرارات الدوليّة تحت الرعاية الفرنسيّة، وبالاتّفاق مع الوليّ الإيراني، لضمان إنجاح المفاوضات النوويّة له بتسوية دوليّة خضع لها الفرنسي. وقد لا تكون المكاسب الدّستوريّة، كما يعتقد بعضهم، أداة لتسييل فائض القوّة الإيراني في لبنان لأنّ المنظّمة العاملة لحساب الثورة الإسلاميّة قد أدركت بأنّ المرحلة القادمة هي بحت اقتصادية-سياسيّة. ولن تستطيع ضمان استمراريّتها في السياسي فقط. لذلك ستدخل شريكاً مضارباً في المجال الاقتصادي، لا سيّما النّفطي، في المرحلة المقبلة التي ستشهد بدء عمليّات التنقيب في لبنان.

ودليلنا في ذلك، البروفا الأولى التي خاضتها المنظّمة في عمليّة استيراد النفط الايراني والتي أحزنت دولة الرئيس ميقاتي؛ والبروفا الثانية التي خاضتها قبل الأولى، وهي المفاوضات غير المباشرة مع العدو الإسرائيلي الذي أمّنت له بوساطة حليفها، مُوقِّع 6 شباط، وبعد الضغط الأميركي بوعد تحرير الصهر من العقوبات الأميركيّة، مكسب الخطّ 29 الحدودي البحري.

لذلك كلّه، قد يضحّي الرئيس ميقاتي بحزنه في هذه الفترة، إيماناً منه بأنّ سعادته لا بدّ آتية في المرحلة القادمة، بخاصّة وأنّه رجل اقتصاديّ بامتياز، ويملك القدرة على المنافسة الاقتصاديّة في المجالات كافّة. وإن بدت حكومته حزينة في هذه الفترة أيضاً، فهو سيرفدها بجرعات من الفرح الآنيّ بإنجازات، على بساطتها، ستبدو للعيان كبيرة. مع العلم أنّ العوسج لا يُرتَجى منه تيناً. ومَن عطّل البلاد 13 شهراً لينتزع حكومة تسوويّة، أي المنظومة الحاكمة، لن يستطيع تسجيل إنجازات بكلّ ما للكلمة من معنى. فهل سيكون الرئيس ميقاتي فرحاً للبنانيّين جميعهم؟ أم سنقول " يا فرحة ما تمّت"؟


MISS 3