الشلل...أحدث العلاجات الفاعلة

09 : 00

يسمح علاج جديد وجريء للشلل بتوفير الوقت وإنقاذ المصابين بجلطات دماغية، فيستعيدون حياتهم الطبيعية بعد خضوعهم لجراحة تدعى "استئصال الخثرة داخل الأوعية".

أصيبت امرأة عمرها 38 عاماً بجلطة دماغية. كانت رياضية وأماً لثلاثة أولاد وأنجبت أصغر أبنائها قبل خمسة أشهر من تعرّضها لتلك النوبة الصحية. تتذكر أنها شعرت بصداع خفيف لكن سرعان ما تحوّل فجأةً إلى نخر مريع في جهة واحدة من دماغها ثم أصبح الألم حاداً وساخناً ومتواصلاً.

كانت تتجه حينها إلى مدرسة ابنها البكر للتطوع في يوم مخصص للرياضة. لكن حين اجتاحها ذلك الألم الشديد وشعرت بخدر على الجانب الأيسر من جسمها، ركنت السيارة سريعاً في أقرب موقف بعدما سقط هاتفها الخلوي أرضاً وانحنت فوق بوق السيارة طلباً للمساعدة. بعد ساعة كحد أقصى، كشف التصوير المقطعي الذي خضعت له في المستشفى عن تعرّضها لجلطة دماغية إقفارية، كمعظم الجلطات التي تصيب الناس، ما يعني نشوء جلطة تعيق تدفق الدم في شريان متّصل بالدماغ. في حالتها، كان الشريان كبيراً ويقع على الجهة اليمنى، لذا تأثر الجانب الأيسر من جسمها. طلب طبيبها المعالج من زوجها أن يعطي موافقته الخطّية كي تخضع لجراحة لم تُختبر بعد في كندا.

استئصال الخثرة

تُعرَف هذه الجراحة الثورية رسمياً باسم "استئصال الخثرة داخل الأوعية" وتستعمل دعامة تكون عبارة عن أنبوب شبكي رفيع له فتحة على أحد أطرافه. بدت أولى التجارب واعدة في هولندا وألمانيا وسويسرا وتسمح العملية بتنظيف الشريان خلال 40 دقيقة تقريباً.

وافقت المريضة على الخضوع لتلك الجراحة لأنها لم تجد أمامها خياراً آخر. بعد دقائق على انتشار مفعول التخدير الموضعي، شعرت بالطبيب وهو يُحدِث ثقباً صغيراً في شريانها الفخذي ثم استعمل التصوير بالأشعة على شاشة قريبة منه لإدخال أنبوب يحتوي على الدعامة ومرّره في الأوعية الدموية وصولاً إلى الشريان الذي يغذي دماغها.

ثم سُحِب الأنبوب من فتحة الشريان وشعرت المريضة بدرجة من الضغط، وكأنّ شخصاً يقرص دماغها. إنه أثر الدعامة التي تنفتح لتغليف الجلطة وحبسها. أخيراً، سحب الطبيب الدعامة التي تحتوي على الجلطة بالطريقة التي أدخلها فيها. انتهت الجراحة كلها خلال أقل من ساعتين، ثم طلب الطبيب من المريضة أن تحاول التحرك، فحرّكت أصابع يدها اليسرى التي عجزت عن الإمساك بالهاتف الخلوي قبل ثلاث ساعات. بعد فترة قصيرة، استعادت المريضة نشاطها وشعرت بأنها محظوظة جداً!

في 15 يونيو/ حزيران 2011، انتهت التجربة الكندية التي شملت 316 مريضاً واختبرت استئصال الخثرة داخل الأوعية قبل أوانها لأن نجاحها كان واضحاً. في السابق، كانت علاجات الجلطات الدماغية عن طريق الجراحة تحمل مجازفات كثيرة وكانت الجراحات تتطلب ساعتين من الوقت على الأقل. أما اليوم، فيمكن أن يبدأ المرضى بالكلام وبتحريك أطرافهم أثناء وجودهم على طاولة الجراحات! إنها جراحة سريعة أيضاً ويقتصر بعضها على 14 دقيقة! تستطيع هذه الجراحة أن تغيّر قواعد اللعبة كلها! مقابل كل خمسة أشخاص يتعالجون بتقنية سحب الجلطات، يعود شخص إلى منزله بعد استعادة عافيته ويستطيع المرضى عموماً استئناف حياتهم السابقة. تتطلب الجراحة فريقاً متخصصاً، لذا لا يمكن إجراؤها في جميع أقسام الطوارئ في المستشفيات.


ضحايا الجلطات الدماغية

تشير الإحصاءات الراهنة إلى تعرّض شخص لجلطة دماغية كل ثانيتين وقد لا يدرك كثيرون ما يصيبهم. يشعرون بالدوار لبضع ثوانٍ أو ينسون ما كانوا يقولونه ثم يشعرون بالتحسن. لكن يجب ألا ننسى ضحايا الجلطات الدماغية الذين يصبحون مشلولين أو عاجزين عن الكلام. من بين 15 مليون شخص يصابون بجلطة دماغية سنوياً حول العالم، يموت ستة ملايين ويصاب خمسة ملايين بإعاقة دائمة، فيما يبلغ مجموع الوفيات المرتبطة بالسل والإيدز والملاريا نحو 3 ملايين ونصف المليون، أي أقل بكثير من نسبة الوفيات التي تسببها الجلطات الدماغية. لهذا السبب، يُعتبر عامل الوقت محورياً في مجال الجلطات الدماغية. يجب أن يتذكر الاختصاصيون أن الدماغ يخسر 1.9 مليون خلية عصبية و14 مليار نقطة اشتباك عصبي و12 كلم من ألياف المحور العصبي في كل دقيقة بعد وقوع الجلطة الدماغية. يشدد الخبراء على ضرورة أن يتعرّف الناس إلى مؤشرات الجلطة الدماغية ويقصدوا المستشفى سريعاً.

علاجات تكميلية

جرّب الجراحون أجهزة وعلاجات تكميلية تستطيع فتح الأوعية الدموية بوتيرة أسرع وإزالة الانسدادات. بدا بعض الأجهزة شبيهاً بفرشاة تنظيف المدفأة أو شبكة صغيرة لصيد الفراشات. شهدت المؤتمرات الدولية منذ سبع سنوات طرح جهاز جديد في كل محاضرة عن الجلطات الدماغية لكن لم يظهر أي علاج جذري.

في الوقت نفسه تقريباً، كان طبيب الأعصاب الألماني هانز هنكيز يعاين مريضة أصيبت بجلطة دماغية خلّفت تخثراً في شريانها الدماغي الأوسط. فقرر أن يستعمل جهازاً شارك في ابتكاره عند استعمال الدعامة لدى المصابين بتمدد الأوعية الدموية. حين سحب الطبيب الدعامة، سُحِب التخثر معها من دون ترك أي أثر سلبي. سرعان ما بدأت التجارب في أوروبا واكتشف الباحثون أنهم يحتاجون إلى وعاء دموي عرضه 2 ملم على الأقل ولاحظوا أنه لا يفيد الجلطات النزفية.

تبيّن أيضاً أن كل حالة تتوقف على نوعية الآثار الجانبية ومدتها، إذ يستطيع الدماغ أن يعوّض موقتاً عن انسداد الوعاء الدموي عبر تغيير مسار تدفق الدم. قد تدوم هذه العملية لدقائق أو ساعات.

بعد جراحة استئصال الخثرة داخل الأوعية، لا يتذكر المريض ما حصل معه إلا حين يأخذ ثلاث حبوب أدوية كل مساء: دواء من فئة حاصرات البيتا، ونوع من مثبطات الأنزيم المُحوّل للأنجيوتنسين، ومسيل للدم. يصف الطبيب هذه الأدوية إذا كشفت الفحوص عن وجود نسيج ندبي في أعلى القلب حيث يتراكم الدم، ما يزيد احتمال تشكّل الجلطات.