مايا الخوري

عادل سرحان: أعوّل على ثورة الأمهات لبناء المجتمع

29 أيلول 2021

02 : 05

أصرّ المخرج اللبناني عادل سرحان طيلة مسيرته المهنية على تكريس صورة لبنان المستحقّ للحياة. فواظب رغم الظروف القاسية التي شلّت النشاط الفنّي في البلاد، على تصوير أعماله في أرضه، وبين ناسه كرسالة صمود ومواجهة. يستعدّ سرحان لتصوير فيلم إجتماعي إنساني مطلع العام الجديد إضافةً إلى تصوير مجموعة من الأغاني. عن علاقته بالوطن ومجمل أعماله يتحدّث إلى "نداء الوطن".



ما هي مشاريعك الجديدة على صعيد تصوير الكليبات؟

إستعاد قطاع تصوير الأغاني نشاطه في الفترة الأخيرة بعدما خفّ بسبب إنتشار وباء "كورونا"، لكن وتيرة التصوير متأثّرة بقدرة الإنتاج. صوّرت أخيراً كليبيْن أجنبيين للفنانة الهولندية الأميركية المغربية الأصل، لاروسي، هما "cinnamon" و"so good". إستغرق التصوير 4 أيّام في لبنان وهو العمل الأضخم الذي قُدّم بعد الإقفال العام.



هل تجمع مشاريعك هدفاً مشتركاً أم لكل منها خصوصيّة؟


أقدّم في كل كليبٍ قصّة خاصة وفكرة مختلفة، لكن أعمالي كلها منبثقة من الحياة الإجتماعية، أي الحبّ والغرام والطاقة الإيجابية. أمّا بالنسبة إلى التعاون مع "لاروسي"، فقد تميّز بالجنون، كونها فنانة أجنبية تفسح في المجال أمام هذا النوع من الإبتكار. ما يجمع أعمالي كلّها هو روحي الإخراجية والصورة الجميلة المميّزة التي تتطوّر دائماً بفضل التكنولوجيا الجديدة في عالم التصوير إضافةً إلى خبرة 25 عاماً من العطاء.



ما هي التحديات المستجدّة في هذا القطاع؟


نواجه صعوبات كثيرة لوجستيةً ومعنويّة، بعدما مررنا بظروف صحية دقيقة بسبب تفشيّ الجائحة، وبظروف إقتصادية بسبب تدهور الليرة وعدم تشكيل الحكومة طيلة 13 شهراً، وبسبب الفساد في أركان الدولة كلّها. أصبحنا نفكّر لوجستياً في كيفية تأمين المواد الأولية للتصوير، سواء على صعيد تأمين مواصلات فريق العمل، أو على صعيد توفير مادة المازوت للإضاءة والتصوير. تحطّمت معنويات الشعب اللبناني كلّه بسبب هذه المشكلات، فكيف نفكّر بالفنّ فيما نفتقد إلى أدنى مستوى من العيش الكريم.



كيف تصمدون وتستمرّون؟


نفكّر جديّاً في التصوير خارج لبنان، لأننا نواجه أيضاً صعوبة في إقناع الفنان أو الممثل بالمجيء إلى هنا بعد تداول أخبار سلبية تجعل محيط هؤلاء في دائرة الخطر. أؤمن بالتغيير نحو الأفضل، وبعدم إستمرارية هذه المصائب، طالما أننا نأمل بغد أجمل. يستحقّ لبنان الذي لا مثيل له في الكون، النضال والمحاربة من أجله، لذا سنبقى مؤمنين بمستقبل أفضل، بفضل وحدة أبنائه ووطنيتهم.



قدّمت أعمالاً سينمائية تحاكي أوجاع المجتمع وقضاياه، فهل تفكّر بعمل جديد يوثّق هذه المرحلة؟

سأصوّر مطلع العام المقبل فيلماً بإنتاج أوروبي سيُعرض في ربيع العام 2022، يحمل طابعاً إجتماعياً، يطرح قضية إنسانية مهمّة جداّ، هي قضية العصر. علماً أنني أجّلت تصوير مشروعين سينمائيين بسبب الوباء.



تصرّ على تصوير أعمالك في لبنان رغم الظروف القاسية، ورغم قدرتك على العمل في أي بلد أوروبي، ما السبب؟

أؤمن بغد أفضل للبنان. مهما سافرت حول العالم وتغرّبت، أعود إليه مجدداً لأنني أراه الملاذ الجميل. أعمل هنا لبثّ طاقة إيجابية تكسر الطاقة السلبية فيه، كما أفضّل إستفادة مئات العائلات اللبنانية من مشاريعي، بدلاً من إستفادة الآخرين، ولو على حساب مردودي المادي. هكذا، أخطط لمساعدة أبناء وطني، وأوجّه رسالة صمود واستمرارية، لأن الفنان شخصية مؤثرة، إذا هاجر، ستنعكس خطوته هذه، إحباطاً لدى محبّيه، فيما يرتكز دورنا على توليد حال حب وأمل في المجتمع.



إنطلاقاً من عودتك الدائمة إلى أرض الوطن، ما الرسالة التي توجهها إلى الشباب الطامح إلى الهجرة؟

إذا طلبت منهم البقاء في هذه الظروف أكون ظالماً، لأن لا مقوّمات للصمود هنا. إذا أرادوا العمل في الخارج لمساعدة عائلاتهم في الوطن، ومن ثم العودة مجدداً، فهذه خطوة جيّدة. خصوصاً بالنسبة إلى أصحاب الخبرات في المجالات كافة الذين نحن بأمسّ الحاجة إليهم في لبنان. أمّا إذا هاجرنا جميعنا، فلمن نترك الوطن؟ سيصبح ركيكاً ضعيفاً يفتقد إلى مقوّمات النجاح للنهوض بعد الطوفان. أفضّل بحث الشباب عن وظيفة في الخارج بدلاً من أن يبقوا عاطلين عن العمل في الشوارع وأماكن السهر. لذا أدعوهم إلى هجرة موقتة من أجل مساعدة عائلاتهم وإنعاش إقتصادنا، لأنه لا يمكن الإتّكال على الإغتراب والسياحة فقط، مقابل قطاعات أضعف كالصناعة والزراعة والإقتصاد غير القادرة على دعم هذا البلد.



أطلقت منذ عام ونيّف فيلماً قصيراً صامتاً هو "كش زعيم"، أي رسالة توجّه من خلاله؟


أطلقت هذا الفيلم الصامت بعدما تأججت الكارثة الإجتماعية وانهار الوضع الإقتصادي واستشرى الفساد المتجذّر في الدولة اللبنانية. يحكي "كش زعيم" عن طغيان الزعيم الفاسد وجبروته، وإلحاقه الأذى والعذاب بحق المواطن الفقير، الذي يعمل ويشقى من أجل تأمين حياة كريمة لعائلته، من دون أدنى مستوى من حقوق الإنسان. للأسف، خرجت الأمور عن السيطرة في لبنان، وإنتشر الفساد في مرافق الدولة ومراكزها، ولا يزال الزعماء متربعين على هذا العرش لأن طبيعة البلاد الجغرافية أو الإيديولوجية تجعله منقسماً، فهو ليس دولة مدنيّة. وما انقسامه بهذا الشكل سوى دلالة على تحاصص 4 أشخاص لمقدّراته، فيما تكبّل العواطف المواطن اللبناني. أتمنى، أن تكون ثورة "17 تشرين" قد أحدثت تغييراً على صعيد الفكر وطريقة التطلّع نحو المستقبل، فيهتزّ عرش الفاسد. أوجّه رسالة بضرورة إنتهاء عهد الفاسدين لينبعث دم جديد، وإلا سنستمرّ في المشكلات نفسها التي نعاني منها يومياً. نال هذا الفيلم جوائز كثيرة في بلدان عدّة، وصُنّف من ضمن الأفلام المؤثرة في الشارعين العربي والغربي.



إنطلاقاً من مضمون الفيلم، كيف تنظر إلى دور المرأة في المجتمع؟


تضمّن الفيلم أفكاراً مبطّنة واضحة جداً لمن يريد رؤيتها. صوّرت كيفية سوق المواطنين إلى صناديق الإقتراع مكبّلين، وكيفية شراء الأصوات في الإنتخابات. أمّا المرأة، فلعبت دوراً أساسياً، لأنني أعوّل عليها في ثورة الأمهات والنساء. أراها العنصر الأساس لبناء المجتمع بدءاً من دورها في البيت وصولاً إلى دورها كمربية في المدرسة. عندما تكون البنية العائلية صحيحة، ينمو مجتمعنا سليماً. عندما تربّي المرأة أولادها على حب الوطن والأخلاق الحميدة ينبثق جيل صحيح وناضج ومحبّ ووطني. ما أجمل أن تمسك المرأة زمام الأمور.



أفلامك ملتزمة بالقضايا الوطنية والإنسانية، فهل ستقدّم عملاً يوثّق أحداث إنفجار المرفأ؟


أحتاج إلى تصوير مئات الأفلام لتجسيد كل الجرائم التي تحصل بحقّ لبنان. قد أقتبس من هذه الجريمة النكراء قصصاً تفيد المجتمع، خصوصاً أنها ولّدت مئات الجرائم بحق اللبنانيين، مثل سقوط الضحايا الأبرياء والتهجير والإعاقات والفقر وتشتيت العائلات.



ما المطلوب من الفنانين اليوم برأيك؟


يجب أن يؤدي الفنّ دوراً حسّاساً جداً وواضحاً، بهدف لمّ الشمل والإبتعاد عن الطائفية والمذهبية والتعصّب والتركيز على الوطنية. وبالتالي يجب تقديم أفلام وأغانٍ ومسرحيات ومسلسلات وكليبات تحمل بعداً إجتماعياً يضيء على نقاط الضعف بهدف تحويلها إلى نقاط قوّة، كما التركيز على النصف الملآن، لملء النصف الفارغ إلى حدٍ ما، وذلك بتضافر الجهود والإتحاد بين اللبنانيين، لأن الويلات التي مررنا بها تستوجب شدّ الهمة.


MISS 3