غادة حلاوي

البطاقة التمويلية ورطة الحكومة في بداياتها

5 تشرين الأول 2021

01 : 59

رياض سلامة

لا أموال لدى الدولة لتمويل البطاقة التمويلية التي وعدت بها المواطنين، ومع ذلك فان حفلة المزايدات السياسية بشأنها لا تزال مستمرة. كل الاتكال على قرض الـ 246 مليون دولار الذي خصصه البنك الدولي للاسر الاكثر فقراً، ضمن عملية اشبه ما تكون بتلبيس طرابيش تعتمدها الدولة التي تسحب من مشروع لتموّل آخر. في لقاء جمعهما نصح حاكم مصرف لبنان رياض سلامة رئيس الحكومة نجيب ميقاتي بالتغاضي عن مشروع البطاقة التمويلية وحصرها بالحالات الاستثنائية في القوى العسكرية. سلامة الخبير الأعرف بأرقام الدولة وخزائنها التي فرغت من الاموال يفضل عدم الدخول في منحى سيتحول حكماً الى عبء، طالما ان عداد الاسماء مرتبط بالاحزاب والازلام والمحسوبيات على ابواب الانتخابات النيابية.

مرة جديدة تبرز البطاقة التمويلية الى واجهة الاهتمام وهذه المرة من النص الذي تم توقيعه، والمتعلق بتحديد الآلية ومعايير تطبيق القانون المتعلق بالبطاقة التمويلية وفتح اعتماد اضافي استثنائي لتمويلها. فكل ما ورد في هذا النص مدعاة نقاش لتبيان مدى جدية المعنيين في وضع هذه البطاقة حيز التطبيق ولتكون في متناول المواطنين ممن هم بأمسّ الحاجة اليها. وتعزز بعض البنود الشكوك في كون المشروع برمته غير قابل للحياة بدءاً من رؤية الامور التمويلية، ليتبين ان تمويل البطاقة لا يزال في بداياته بعدما أوهم الاعلان عنها لمرتين متتاليتين، وفي عهد حكومتين، انها باتت على قاب قوسين او ادنى من جيبة المواطن. وينص القرار على ان تقوم اللجنة المعنية بالتفاوض مع المؤسسات الدولية، سيما البنك الدولي، لتأمين التمويل للبطاقة التمويلية عبر قروض جديدة أو عبر تحويل وجهة قروض موافق عليها لغايات اخرى، وتكلف وزارة المالية بتأمين الاموال اللازمة للبطاقة لحين تأمين التمويل لها من القروض الخارجية. أي ان تمويل البطاقة سيكون من خلال قروض وليس هبة ما سيرتب اعباء اضافية على خزينة الدولة المفلسة اصلاً والعاجزة عن سداد ديونها المترتبة، في وقت لن يكون ميسراً على وزارة المالية تغطية النفقات المتوجبة وهي بالكاد تؤمن تسديد رواتب القطاع العام والمصاريف الضرورية، أما لجهة تحويل قروض موافق عليها لغايات اخرى فهذا قد لا يصب في مصلحة دولة فاوضت مع الجهات المانحة على قرض للنقل مثلاً، وحازت عليه بعد شروط مضنية فتقوم بتحويله لتمويل مشاريع اخرى على حسابه.

أما في ما ورد من بنود اخرى فأكثرها استغراباً ذاك المتعلق بالاسر التي لا يحق لها الاستفادة من البطاقة التمويلية، فلا يستفيد من احكام البطاقة جميع افراد الاسر اللبنانية المقيمة حالياً خارج لبنان لفترة تزيد عن 90 يوماً بين 1 حزيران 2020 و30 تموز 2021. فماذا لو كان غادر بقصد البحث عن فرصة عمل ولم يوفق؟

كما لا تستفيد الاسر التي يفوق دخلها السنوي الاجمالي مهما كان مصدره مبلغ عشرة آلاف دولار اميركي نقداً او ما يعادله بحسب سعر الصرف على منصة صيرفة. فكيف سيتم التحقق من المبالغ في حين ان غالبية المؤسسات تتجنب تسجيل موظفيها تجنباً لتسجيلهم في الضمان. والأصعب ذاك البند الذي يحجب البطاقة عن اسرة لديها حساب في البنك، فهل الاموال المودعة في المصارف متوفرة لاصحابها وتكفيهم لسد احتياجاتهم العالية في ظل الارتفاع الجنوني للاسعار؟ وماذا عن الاسر التي تدفع مبلغ 3500 دولار سنوياً بدل ايجار محل، فهل هذا شرط كفيل بمنع البطاقة عن مثل هذه الاسر خاصة اذا كان العمل متوقفاً في المحل المستأجر، او ان صاحبه سبق واستأجره يوم كان الدولار 1500 ليرة؟ ناهيك عن المعلومات المتعلقة برقم حساب كل فرد من افراد الاسرة المستفيدة.

هي آلية معقدة يحوطها الغموض الهادف الى الاستنسابية التي تجعل غالبية المواطنين تتجنب الدخول في تفاصيل حياتهم، وهناك معلومات تقول ان اللوائح باتت جاهزة لتطبيقها فور تأمين التمويل. مثل هذه التفاصيل دفعت جهات سياسية الى طلب التدقيق بما ورد في القرار وتفاصيل الشروط الواجب توافرها والمعلومات المطلوبة والهدف المبيت منها.

وفي امن البيانات ورد ان اللجنة تعتدي على المنصة الرقابية في التفتيش المركزيIMPACT وتكلف شركة خاصة لإنشاء بوابة الكترونية عليها خاصة بالبطاقة التمويلية، ويخصص التفتيش المركزي باباً لتلقي الشكاوى بدل وزارة الشؤون الاجتماعية مثلاً.

تكليف لجان وزارية يعني تجنب النقاش التقني واستبعاد الادارات المفترض انها تعمل على اعداد المشاريع ووضع الملاحظات عليها.

البطاقة لا تزال حبراً على ورق وتمويلها حتى اليوم مستبعد، اللهم الا اذا تمّ شمولها بمبلغ 246 مليون دولار لتخضع للاستنسابية حينذاك، وصرفها سيكون مشمولاً بشروط البنك الدولي الذي بات على قاب قوسين من ادارة البلد بفضل المشاريع التي يديرها وطبقاً لشروطه طبعاً.

إذاً هي البطاقة التمويلية التي كان يفترض ان تشكل فرجاً للمواطن صارت عبئاً على الخزينة قبل بلورتها لفقدان سبل الدعم، وبالتالي عبئاً على الحكومة التي صار رئيسها اقرب من عدم الاقتناع بجدواها، فلا هو قادر على وقفها ولا تأمين سبل تمويلها لتشكل تلك الورثة الثقيلة عن الحكومة السابقة.