جوليا بيتروفسكايا

تحالُف طارئ بين روسيا والصين في البلقان

30 تشرين الأول 2021

المصدر: Riddle

02 : 01

بدأت روسيا والصين تكثّفان ضغوطهما على الشركاء الغربيين بسبب الأزمة المتفاقمة في البوسنة والهرسك، وتُعتبر نشاطات بكين المتوسّعة في هذه المنطقة الأولى من نوعها منذ نهاية الحرب خلال التسعينات. وفيما يحاول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة إقناع صرب البوسنة بإنهاء الحصار المفروض على السلطات الحكومية، تسعى موسكو وبكين إلى إلغاء الإدارة الدولية التي تملك صلاحيات خاصة في أبكر مرحلة ممكنة. لم تتحقق بعد الشروط التي تسمح بتقليص عمل هذه الإدارة، لكن تُصِرّ روسيا والصين على عدم حاجة البلد إلى وصاية خارجية لأنه مستقر بما يكفي.

أعلنت موسكو وبكين أنهما لا تعترفان بالمسؤول الدولي الجديد في البوسنة والهرسك. لكن لم يتّضح بعد مدى استعدادهما لإعاقة عملية قوة حفظ السلام التابعة للاتحاد الأوروبي في مجلس الأمن. في غضون ذلك، لا يحمل "التحالف الروسي الصيني" في منطقة ما بعد الصراع أي آفاق واضحة. على عكس موسكو، لا تعارض بكين توسيع مهام الناتو والاتحاد الأوروبي، بل ترتبط مصالحها الأساسية بالمشاريع الاقتصادية. كذلك، تتابع الصين حذف روسيا من لائحة الشركاء المهمين في دول البلقان.

يُعتبر قرار موسكو وبكين برفض التعاون مع الممثل الأعلى الجديد في البوسنة والهرسك، كريستيان شميت، الذي استلم منصبه في 1 آب، أول خطوة علنية من هذا النوع بعد 25 سنة على التسوية التي نشأت غداة الحرب في البلقان. اتفقت روسيا والصين على دعم ترشيح شميت شرط إلغاء مكتب الممثل السامي في العام 2022. في الوقت نفسه، طالب البلدان بتجريد الممثل الأعلى من صلاحياته الخاصة التي تسمح له باتخاذ قرارات مُلزِمة وإقالة المسؤولين والقضاة من دون إعطاء أي طرف آخر حق الاستئناف. في غضون ذلك، يظن الشركاء الغربيون أن الوقت لم يَحِن بعد لإقفال مكتب الممثل السامي لأن البلد فشل في تلبية الشروط التي تفرضها الخطة المتفق عليها.

كانت الأوســاط الدبلوماسية الروسية قد وافقت على هذه الخطة في العام 2008، لكنها تظن الآن أن عبارات مثل "تقوية حُكم القانون" و"التقييم الإيجابي للوضع في البوسنة والهرسك" تبدو مبهمة أكثر من اللزوم وتعمد الدول الغربية إلى "إساءة استعمالها". برأي موسكو، يُستعمَل مكتب الممثل السامي لتنفيذ مهام غير مرتبطة باتفاقيات دايتون للسلام منذ العام 1995. لا تحبذ روسيا الشعار الذي يعطي الأولوية لبروكسل على حساب اتفاق دايتون ولا قائمة الأولويات المرتبطة بطلب الانتساب إلى الاتحاد الأوروبي. كما تزعم موسكو أن جزءاً من "الأولويات" المتعلقة بصلاحيات الكيانَين الإقليميَين داخل البلد (جمهورية صرب البوسنة واتحاد البوسنة والهرسك) يتعارض مع اتفاقيات دايتون.

لا مشاركة صينية

وسّعت جمهورية الصين الشعبية وجودها في البلقان خلال السنوات الأخيرة عبر إطلاق مشاريع اقتصادية ضخمة وتسويق دبلوماسية التلقيح، لكن لم يتّضح بعد تأثيرها على تسوية السلام في أكثر الدول تعقيداً في هذه المنطقة. لم تشارك الصين في صياغة "اتفاقية دايتون" وليست منتسبة إلى "مجلس تطبيق السلام" (انسحبت منه في العام 2000)، علماً أنه يضم 55 دولة ومنظمة تدعم عملية السلام عبر تمويل القوات العسكرية أو تأمين الإمدادات لها.

لم تشارك الصين يوماً في نشاطات الهيئة التوجيهية لمجلس تطبيق السلام التي تشمل، إلى جانب روسيا، دولاً مثل كندا، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا، واليابان، وبريطانيا، والولايات المتحدة. تتولى هذه الهيئة التوجيهية مناقشة أبرز المسائل المرتبطة بتسوية السلام وتصادق على تعيين الممثل الأعلى. كانت روسيا الدولة الوحيدة التي لم تدعم ترشيح شميت في الهيئة، ووحدها الصين أيّدت هذا الموقف في الأمم المتحدة.

كان لافتاً ألّا تدعم موسكو ولو بياناً مشتركاً واحداً من الهيئة التوجيهية خلال السنوات الأخيرة، مع أن جميع بياناتها تعيد التأكيد على سيادة البوسنة والهرسك وتدين الخطابات الانفصالية والقومية. وقد رفضت موسكو في الفترة الأخيرة مثلاً تأييد البيان المرتبط بوجوب أن يشارك الممثلون المُنتَخبون في جميع الهيئات الحاكمة.

ما مصير قوة حفظ السلام التابعة للاتحاد الأوروبي؟

من الواضح أن الضربة الدبلوماسية التي تلقاها شميت من موسكو وبكين منذ بداية عهده لن تُحسّن فرص حل الأزمة السياسية الحادة. لم تتضح بعد الخطط المستقبلية التي تحملها موسكو وبكين أو مدى قوة "تحالفهما الطارئ" في البلقان. هل سيبدي البلدان استعدادهما لمتابعة مواجهة مجلس الأمن ومنع تمديد ولاية قوة حفظ السلام التابعة للاتحاد الأوروبي (في شهر تشرين الثاني أو في تاريخ لاحق)، علماً أن هذه الوحدة تُعنى بالحفاظ على السلام وإزالة الألغام في البوسنة والهرسك؟

لا يمكن استبعاد هذا السيناريو لأن موسكو امتنعت أصلاً عن تمديد ولاية قوة حفظ السلام التابعة للاتحاد الأوروبي في العام 2014، تزامناً مع احتدام الأزمة المرتبطة بضم شبه جزيرة القرم، وكأنها أرادت بذلك أن توجّه رسالة إلى خصومها مفادها أنها لم تعد تثق بأهمية نشر بعثة لحفظ السلام. قد لا يؤدي استعمال حق النقض في مجلس الأمن إلى فراغ أمني في البوسنة (لطالما أكّد الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو التزاماتهما المستمرة تجاه البلد)، لكن لا مفر من تفاقم الأزمة الداخلية.

انتشرت قوة حفظ السلام في العام 2002، غداة قرار الناتو بإنهاء عملية "قوة تحقيق الاستقرار في البوسنة والهرسك" التي بدأت في العام 1995. تحصل العملية الأوروبية بناءً على موارد حلف الناتو وقدراته وقد تَحوّل تركيزها في السنوات الأخيرة نحو تدريب القوات المسلحة في البوسنة والهرسك. وتقتصر قوة حفظ السلام التابعة للاتحاد الأوروبي على بضع مئات من العناصر في الوقت الراهن، لكن تستطيع هذه الكتيبة متعددة الجنسيات أن تستدعي قوات احتياطية سريعاً.

مشكلة كوسوفوبالإضافة إلى التسوية المرتبطة بالبوسنة، تتابع موسكو وبكين التأثير على الوضع القائم في محيط كوسوفو عبر معارضة الغرب ورفض دمج الإقليم المتمرّد مع المجتمع الدولي. على المستوى الدبلوماسي، تنشط روسيا والصين أكثر من أي دول أخرى للدفاع عن سيادة أراضي صربيا وكبح محاولات كوسوفو للتحوّل إلى دولة كاملة بعد إعلان استقلالها في العام 2008. من الواضح أن الانتساب إلى الأمم المتحدة لن يصبح ممكناً إلا بعد أخذ موافقة موسكو وبكين. كما لن يسهل على السلطات في كوسوفو أن تحصل على هذه الموافقة، بغض النظر عن مسار تطبيع العلاقات بين بلغراد وبريشتينا بدءاً من العام 2011. وقد لا تعني معالجة العلاقات بين صربيا وكوسوفو خلال السنوات المقبلة إنهاء المواجهة بين موسكو وبكين ضد واشنطن وداعمين آخرين لاستقلال كوسوفو.

على غرار الموقف الصيني من البوســـنة، تفضّل بكـين استعمال خطـــاب أكثر هدوءاً في مسألة كوسوفو. يتعارض هذا الرأي مع توجّه موسكو التي تتهم ألبان كوسوفو دوماً بتنفيذ تحركات استفزازية وتُمعِن في تشويه سمعة النخبة السياسية في كوسوفو. خلال الأزمة التي شهدتها العلاقات بين بلغراد وبريشتينا في منتصف شهر أيلول على خلفية استعمال لوحات الترخيص، فتّش السفير الروسي في بلغراد، ألكسندر بوتسان خرشينكو، وحدات الجيش الصربي التي أصبحت في حالة تأهب. كان حضوره كممثل عن القوة النووية المجاورة لكوسوفو يهدف على الأرجح إلى إلزام خصوم صربيا بتلبية الشروط المطلوبة منهم. لا يشارك الدبلوماسيون الصينيون في هذا النوع من النشاطات.


الاقــــتــــصــــاد أولاً


لكنّ تقارب التقييمات السياسية للوضع في البوسنة وكوسوفو لم يُحوّل موسكو وبكين إلى حليفتَين في البلقان بعد. من جهة، أثبتت تحركات الصين المتزايدة في ملف البوسنة داخل مجلس الأمن أن هذا البلد يحاول اتخاذ موقف صدامي تجاه الغرب، ما يعني أنه يتكل على التعاون مع روسيا التي تتصرف بالطريقة نفسها في هذه المنطقة منذ سنوات. ومن جهة أخرى، لا تحاول الصين التأثير على العلاقات العرقية المتداخلة في المنطقة بطريقة بارزة أو إعاقة عمليات التكامل. في المقابل، تتلاعب موسكو بكل وضوح بالاختلافات والمخاوف التي تحملها جماعات قومية متنوعة وتطلق حملة دعائية ضد حلف الناتو والاتحاد الأوروبي.

حتى الآن، تتعلق مصالح بكين بالمشاريع الاقتصادية في المقام الأول. ومن خلال "مبادرة الحزام والطريق"، وسّعت الصين في الفترة الأخيرة شراكتها مع البوسنة والهرسك، ومونتينيغرو، ومقدونيا الشمالية، وصربيا. وتبدو بكين مستعدة لاستثمار المليارات في مشاريع البنى التحتية، فيما تعجز موسكو عن تحمّل كلفة المشاريع الجديدة والضخمة. يتّضح الفرق في القدرات الاقتصادية في صربيا تحديداً كونها شريكة استراتيجية لروسيا والصين في آن.

سبق وبلغت قيمة مشاريع البنى التحتية بين صربيا والصين 15 مليار يورو. في ما يخص علاقات صربيا الاقتصادية الخارجية، تحتل الصين في الوقت الراهن المرتبة الثالثة (بعد ألمانيا وإيطاليا) ويصل حجم التجارة المتبادلة بين الطرفين إلى 3.7 مليارات دولار. أما روسيا، فهي تأتي في المرتبة الرابعة (2.5 مليار دولار) وتتفوق بدرجة بسيطة على دول مثل المجر ورومانيا. تبلغ قيمة الاستثمارات الروسية في صربيا حوالى 3 مليارات دولار.

أخيراً، قد يرتبط تكثيف النشاطات الروسية والصينية في البلقان بتراجع اهتمام الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بهذه المنطقة، فضلاً عن تباطؤ مسار التكامل الأوروبي. في الوقت نفسه، يشعر عدد كبير من الخبراء بالقلق من تقدّم موسكو وبكين في المنطقة نظراً إلى غموض سياسات البلدَين. لم يتأثر الوضع الأمني بعد بطموحات روسيا والصين الرامية إلى توسيع دوريهما في تسوية ما بعد الحرب في البلقان. لكن من الناحية السياسية، أدت محاولتهما تسريع إلغاء الوجود الدولي في البوسنة تزامناً مع زيادة عمليات التفكك الأخرى إلى ظهور عواقب سلبية واضحة. ستكون أحداث الأشهر المقبلة كفيلة بتوضيح مدى استعداد موسكو وبكين للتمادي في مواجهتهما السياسية ضد واشنطن وجهات أخرى تضمن إرساء السلام في البلقان. لكن يملك الاتحاد الأوروبي وحلف الناتو ما يكفي من النفوذ للتصدي لأي نزعات سلبية محتملة.



MISS 3