سناء الجاك

من يدفع "خلوّ رِجل" ليستعيد لبنان؟

6 تشرين الثاني 2021

02 : 00

يغلب مبدأ "الخوّات" على أسلوب تعامل الحاكم بأمره في مسيرته القاضية بإبقاء لبنان على فالق الصراعات الإقليمية خدمة لرأس محوره. ويذكرنا بمعادلات أُرسيت خلال الحرب اللبنانية، عندما كان يعمد أحد الجيران من الميليشيويين إلى إحتلال منزل جاره، ولا يغادره إلا بعد حصوله على مبلغ دسم كـ"خلوّ رجل".

والحاكم بأمره في هذا المبدأ لا يهمل ولا يمهل... ولا يغفل تفصيلاً يسمح له بفرض هذه "الخوّات" السياسية والأمنية. ويجافي الحقيقة عندما يوحي بأنه يوافق على صفقة تقضي بالحصول على أثمان مقابل التراجع عن شروطه، لينسحب تكتيكياً لفترة وجيزة ويعود إستراتيجياً وبعنف أكبر، منقلباً على ما كان قد أوهم الآخرين أنه وافق عليه.

والأهم أنه لا ينفذ الأعمال الرديئة كلها بيده، وإن كان يمسك خيوطها من الكبيرة إلى الصغيرة. يتدخل فقط عند الحاجة القصوى. أما غالباً، فهو يستعين بمرتزقين سريين، وما أكثرهم، ويوكل إليهم هذه الأعمال. فيلتزم بها هؤلاء، كلٌ على قده... أو على قد من يربيه على يده ويرعاه ويحضّره في الكواليس بعد أن يختبر ولاءه. يتفحص نقاط ضعفه قبل نقاط قوته، ويقتنع بمواهبه وجهوزيته، والأهم بعوراته التي ترغمه على الإنصياع، وتؤهله للقيام بالأدوار الرديئة التي يفترض أن ينفذها حين يُطلب إليه ذلك.

ثم يبدأ تلميعه تدريجياً وبباطنية حتى يُسحب إسمه بالقرعة في اللحظة المناسبة، فيأتي دوره ملتبساً ومموهاً لتتوضح الصورة عندما تدق ساعة من ساعات الإستحقاق. فيكشف عن وجهه ويفي بدينه ويقدم الخدمة المطلوبة، وغالباً ما تكون قمة في الخبث والأذى.

بعد ذلك يبدأ دور "المداكشة" أي المقايضة، ووفق الأجندة المطلوبة للمحور الإيراني بالطبع، وبصيغة لا تشبه "مداكشات" إيام زمان، فلا كشك مقابل دبس خروب، ولا بيض مقابل برغل...

"مداكشة" هذه الأيام بشعة. قوامها أفظع أنواع الإبتزاز، فيطالب المرتزق الباحث عن المجد بالمقابل إن هو تراجع عن خبثه وأذاه. ويتمترس خلف الأذى الذي تسبب به ليرفع سعره منتظراً أن يقبض الثمن الذي سيُجَيِّره، فور الحصول عليه، إلى رب عمله.

والأنكى أنه يتذاكى ويُحوِّل شخصه غير الكريم إلى رقم صعب، مدعوماً من رب العمل الذي يسبغ عليه كل صفات الكرامة الوهمية ويدافع عن حريته في التعبير، ويحوِّل الأزمة التي افتعلها بتدبير، وعن سابق تصور وتصميم، إلى مغنم حرب، لا يتنازل عنه إلا بمقابل "خلو رِجل" يجب أن يدفعه المتضرر منه.

وضريبة "خلوّ الرِجل" غير القانونية والمخالفة لأبسط حقوق العدالة الإنسانية التي كانت تبررها ظروف الحرب وهيمنة قوى الأمر الواقع، تجاوزت في زمن الاحتلال الإيراني المنزل إلى الوطن. وتجاوزت الشخص إلى من فبركه واستخدمه ليستثمر فيه من خلال المنصب الذي رفعه إليه.

لكن هذه الضريبة هي اليوم حاجة ملحة. فلبنان كله يدفع ثمن تنازلاته، بعد أن حسب أنه يستطيع أن يداكش بسيادته مقابل حصوله على أمنه وإقتصاده، ليكتشف أنه مغفلٌ، فهو خسر السيادة وكذلك الأمن والإقتصاد والإنتماء. ولا يزال رهينة تحضيرات وسيناريوات ونفس طويل في نهج قائم على قضم مفاصل البلد ومؤسساته.

لبنان، وبفعل هذا النهج، تحوَّل إلى إستعصاء غير قابل للحل. وها هو ينتظر من يدفع "خلوّ رجل" ليستعيد وجوده..


MISS 3