ريتا ابراهيم فريد

"فوق الـ18"... صورة مصغّرة عن المجتمع

1 كانون الأول 2021

02 : 00

رابعة الزيات

"التغيير صار ضرورة، والثورة تبدأ على الذات أولاً". بهذه العبارة استهلّت الإعلامية رابعة الزيات برنامجها الجديد "فوق الـ18"، مشدّدة على أهمية تسمية الأشياء بأسمائها.

البرنامج، كما يوحي اسمه، مخصّص للكبار، كونه يضيء على مواضيع حسّاسة. وكالعادة، حين ينطلق عرض أي برنامج تلفزيوني جديد ينتمي الى فئة البرامج الإجتماعية التي تطرح مواضيع تُعتبر "تابو"، تتوالى التعليقات المستنكرة. وبالتالي، لم تخلُ الحلقة الأولى من برنامج "فوق الـ18" من انتقادات كثيرة وصلت حدّ التجريح الشخصي بمقدّمة البرنامج، ولم تستثنِ فريق العمل والقناة.

فالبرنامج الذي تقدّمه رابعة على قناة "الجديد" ليلة الثلثاء، أثار جدلاً واسعاً على مواقع التواصل الإجتماعي منذ عرض الحلقة الأولى التي طرحت موضوع "الجنس قبل الزواج"، واستعرضت مختلف الآراء بين ضيوف مع أو ضدّ. كما تطرّقت الى مسألة ترميم غشاء البكارة وما الى ذلك من أمور مرتبطة بهذا العنوان. الحلقة الثانية تناولت موضوع الخيانة، فيما سلّطت الحلقة الثالثة الضوء على موضوع زواج القاصرات.

وتماماً كما كان الانقسام كبيراً بين الضيوف داخل الاستوديو، الذي يعكس بدوره صورة الانقسام في المجتمع اللبناني، انقسمت الآراء على مواقع التواصل بين من أثنى على الجرأة في طرح هذه المواضيع، وبين الذين اعتبروا أن البرنامج يروّج للإنحطاط والإسفاف والإنحلال الأخلاقي، في مقابل من رأى أنّ هذه المواضيع مضى عليها الزمن.



وهُنا لا يمكننا إلا أن نستذكر الدكتور زياد نجيم الذي كان أوّل من طرح عناوين كانت تُعتبر من المحرّمات خلال فترة التسعينات حين قدّم برنامج "الشاطر يحكي"، وأثار حينها جدلاً كبيراً في المجتمع اللبناني لجهة التطرّق الى مواضيع حسّاسة مثل سفاح القربى والإغتصاب، واستضاف داخل الاستوديو ضحايا تحدّثوا بكلّ وضوح عما حصل معهم، الأمر الذي شكّل حينها ظاهرة لافتة. وتوالت بعدها ظاهرة البرامج الاجتماعية مع عدد من الإعلاميين الذين تناولوها بأساليب مختلفة.

هذا وأثار الإعلان الترويجي للحلقة الرابعة التي تناولت موضوع العنف الزوجي غضباً كبيراً، لا سيما أنّ رابعة ظهرت وهي تطرح السؤال حول أحقية الزوج في ضرب زوجته، الأمر الذي اعتبر كأنّه تشجيع على العنف الذي لا يجوز اعتباره مادة للنقاش، وبالتالي فهو لا يحتمل التعدّد في وجهات النظر.

ومع أنّه كان من الأفضل تجنّب طرح هذا العنوان في الإعلان الترويجي، لكن فعلياً، لا شكّ في أنّ هناك فئة كبيرة من المجتمع تعتبر أنّ الضرب مباح، لا بل هو حقّ من حقوق الزوج على زوجته حين تقترف خطأً ما. فنحن يومياً نسمع أخباراً مؤسفةً عن نساءٍ يتعرّضن لشتّى أنواع العنف اللفظي والجسدي، والذي يصل أحياناً حدّ القتل. وبالتالي، هذه الفئة موجودة وتدافع بشراسة عن "وجهة نظرها" للأسف.

من جهة أخرى، كان لافتاً اختيار ضيوف يمثّلون مختلف شرائح المجتمع ويعكسون تنوّعه، مع متخصّصين في القانون والطبّ وعلم النفس، إضافة الى الرأي الديني. لكن يؤخذ على القيّمين على البرنامج أنهم سمحوا بعرض بعض العبارات المزعجة التي وردت على لسان الضيوف، مثل: "إذا كان مطاط، بيفوت وبيطلع بسرعة. الصبي بيمسك الزيزي بلا ما يعرف ليش"، أو "مدري مياو مدري عو"... حيث كان من المستحسن حذفها خلال عملية المونتاج.

على صعيد آخر، أحسنت رابعة اختيار ملابسها وإطلالتها التي تتناسب مع نوع البرنامج. وكعادتها دوماً، بدت راقية ومتّزنة وإنسانية في تفاعلها. هي الإعلامية المثقّفة التي تنتمي الى مدرسة إحترام الضيف، تتقن الإصغاء الى مختلف الآراء، تناقش بهدوء، وتتدخّل في الوقت المناسب كي تطرح السؤال المناسب.

أما لجهة توقيت طرح البرنامج على اعتبار أنّ هناك مواضيع أخرى أكثر إلحاحاً وتستحقّ أن نعطيها الأولوية في ظلّ الإنهيار الإقتصادي الذي نعيشه، لا بدّ من الإشارة الى أنّ العناوين المطروحة ترتبط بطريقة أو بأخرى بمسائل حياة أو موت. فنحن لا نعيش في مجتمع مثالي، وما زلنا يومياً نشهد على جرائم شرف وخيانات وزواج قاصرات وعنف أسري...

إذاً هذه المواضيع ليست ثانوية، بل متجذّرة في صلب المجتمع اللبناني، وتعدّ سبباً أساسياً لمآسٍ كثيرة، لا سيّما أنّ الآراء لا تزال منقسمة بشدّة حولها، إضافة الى أنّ فئة كبيرة من الناس لا تزال تعتبرها من المحرّمات. بالتالي، لا بدّ للإعلام أن يلعب دوره في تسليط الضوء عليها، شرط أن تكون المعالجة مهنية إنسانية تتناول الموضوع من مختلف جوانبه، سعياً للوصول الى تغيير ما.