مايز عبيد

عن "ساحة النور" والأمل بتغيير لم يبصر النور

6 كانون الأول 2021

02 : 00

لم يبقَ في الساحة من الثورة سوى رسوم وصور

كان الأمل بالتغيير كبيراً إبان ثورة 17 تشرين، تلك الثورة التي نزل فيها الناس من كل المناطق للمرة الاولى، بعدما ظنّ الجميع أن هذا الشعب لم ولن يثور.

في ساحة النور في طرابلس، نزل آلاف الشماليين من طرابلس وخارجها، في مشهد لم تألفه المدينة منذ عشرات السنين؛ فسُمّيت طرابلس وقتها بعروس الثورة، لأنها تألقت باعتراضها الحضاري بالرغم من كل المآسي فيها. طُلي الحائط الأمامي لمبنى الغندور بألوان العلم اللبناني ورفعت شعارات الإنتفاضة، لتصبح الساحة هناك رمزاً للثورة وأيقونتها في الشمال.

بالمقابل، ومن الأسابيع الأولى للثورة، كان واضحاً أن هناك من يريد تسييس التحركات وأخذها في اتجاه آخر. استطاعت السلطة بأجهزتها وسياسييها أن تزرع نفسها في الثورة، فحرقتها لكي لا يتمكّن قادة الفكر وأصحاب الرأي من تكوين رأي عام واسع حولهم يأخذ الأمور إلى غير اتجاه. لم يبق اليوم من ساحة النور سوى الرسومات على جدار المبنى الملاصق، وعدد من البسطات والبائعين، والحلم بالتغيير الذي لم يتحقق. لكنّ الثوار الحقيقيين انكفأوا، كلّ واحد إلى مكان يرى نفسه فيه، يستطيع التعبير عن اعتراضه بحرية ومن دون مصادرة رأي أو موقف. تُركت ساحة النور بيد البعض يقفلون طرقاتها عند كل دعوة للإعتصام مجهولة المصدر ثم يعيدون فتحها، من دون أن يتحقق أي شيء من المطالب التي أقفلت لأجلها. فلماذا انكفأ الناس عن النزول إلى الساحات، لا سيما النقابيين والقوى التغييرية؟ وهل لا زالت روح الثورة موجودة في طرابلس؟ سؤال يبدو من الأهمية بمكان لا سيما وأن عند كل تحرك، ينزل عدد قليل من الأشخاص إلى الشارع ويطالبون الناس بمؤازرتهم ولا أحد يستجيب.

يقول الدكتور واثق المقدّم في هذا الصدد: "نحن كمجتمع مدني، وبعد نضال طويل وصلنا إلى حقيقة أن السياسيين هم لبّ المشكلة، وأن لا قدرة على التغيير إلا بالقانون وقوة الشعب، وما زالت القوة بيد المنظومة السياسية. هذه المنظومة لن تصنع الإنقاذ المطلوب لأنها سبب الأزمة، وكلما لاحت بوادر إنقاذية عملوا على وأدها. الثوار الحقيقيون انكفأوا لأنهم رأوا كيف دخلت الأجهزة والتابعون لها إلى قلب التحركات، وخرقتها لتأخذها إلى مكان آخر. مارسوا ضغطهم وترهيبهم على الناس، بالمقابل، كان بين الثوار طفيليون في التفكير وأتباع الأنا وودائع السياسيين، فبقيت الغلبة للسياسيين وأتباعهم من الأجهزة والمافيات التابعة للسياسيين التي تتحكم بمقدرات البلد. كلما كنا نخطط لديمومة الثورة كانوا يتدخلون لتفشيلنا. نعول على دور المغتربين في دعم الشباب الطامح للتغيير عبر ماكينة انتخابية قوية تستطيع تحقيق الخرق في ماكينة هذه المنظومة الفاسدة".

من جهته، اعتبر الدكتور جمال بدوي "أن الثورة بجمهورها لم تنته، ولكن منظومة الفساد كعادتها كل مرة تقوّض أي حركة تقوم في وجهها عبر استراتيجية عدم تكوين بديل لها يكون معروفاً من الرأي العام. هذا ما فعلته مع ثورة 17 تشرين أيضاً، ولذلك أخرجوا من قلب الثورة عشرات المجموعات التي تطلق كل مرة دعوات لا تعرف من أين هي وأين مصدرها ومن هي الجهات الداعية لها. أرى أن هذه الإنتخابات ستكون مزورة مسبقاً، إذ كيف نمشي في انتخابات من إعداد وإشراف هذه المنظومة نفسها؟ لقد أجهزوا على ثورة الشعب، لكن بالرغم من كل ذلك يبقى عنصر أمل بعد الله موجوداً بأن دول القرار ليس لديها مصلحة بانفجار الوضع في لبنان خوفاً من اللجوء الإنساني". يتساءل كثيرون: لماذا نزل الملايين لأجل 6 دولارات أضيفت على الـ"واتساب"، ولا ينزل ألف لأجل كل الغلاء الذي أتى بعدها. ثمة من يرى أن الثورة نفسها كانت في الأصل بدفع من هذه المنظومة التي تغلغلت في الحراك وأفقدت الناس ثقتها فيه. وإلا لو لم يحصل تحرك 17 تشرين وقتها وما تلاه فمن كان سيوقف طوفان البشر بعدما تضاعفت الأسعار عشرات الأضعاف؟