القرود "تقرأ" الحالات الذهنية مثل البشر!

02 : 09

تكشف تجربة مبتكرة جديدة أن القرود تتكل على تجاربها الخاصة كي تعرف أن الطرف الآخر يحمل قناعات خاطئة وتتوقع أفعاله عبر استعمال "نظرية العقل"، وهي قدرة تتقاسمها مع البشر. حين نشاهد شخصاً محتاجاً ونتوقع مسبقاً أن يطلب المساعدة منا، نستعمل بذلك نظرية العقل. وحين يحاول أي فرد خداعنا أو الكذب علينا، تُمكّننا هذه النظرية من كشف نواياه المخادعة.

تشير نظرية العقل إلى قدرة الشخص على نَسْب حالات ذهنية ونوايا معينة إلى إنسان آخر. ظهر هذا المصطلح للمرة الأولى في مؤلفات الطبيب النفسي ديفيد بريماك في أواخر السبعينات، حين حلل الباحث سلوك قردة اسمها سارة.

صحيح أن التجارب الأولى التي ساعدتنا على تحديد مفهوم نظرية العقل شملت مجموعة قرود منذ أكثر من أربعة عقود، لكن لم تتوصل الأوساط العلمية بعد إلى جواب على سؤال مهم: هل كانت القرود القديمة تستعمل نظرية العقل أصلاً؟

طرحت دراسات سابقة جواباً واضحاً. يبدو أن بعض أجناس القرود، على غرار الشمبانزي والبابون والأورانغوتان، يستطيع توقع ما سيفعله الطرف الآخر بدقة. انما ثمة سؤال عالق حتى الآن: هل تتوقع الحيوانات أفعال الطرف الآخر بناءً على قواعد سلوكية بسيطة تراقبها، أم تفهم جيداً حالته الذهنية؟ بعبارة أخرى، هل تبني القرود التي تراقب محيطها توقعاتها على قواعد خارجية لاحظتها سابقاً لتوجيه سلوك الطرف الآخر، أم أنها تفهم حالته الداخلية بعمق إضافي؟

لتوضيح السؤال السابق، قام فوميهيرو كانو من "محمية كوماموتو" و"معهد أبحاث الرئيسيات" في جامعة "كيوتو" في اليابان بتصميم تجربة مبتكرة، بالتعاون مع فريق دولي من الباحثين. طرح العلماء تفاصيل اختبارهم ونتائجهم في صحيفة "وقائع الأكاديمية الوطنية للعلوم في الولايات المتحدة الأميركية".

مظاهر نظرية العقل لدى القرود

لمعرفة ما إذا كانت القرود تستعمل نظرية العقل، بدأ الباحثون يستخدمون نموذج "اختبار الاعتقاد الخاطئ". يشير اسم الاختبار إلى قناعة خاطئة لدى الطرف الخاضع للمراقبة حول مسألة معينة (موقع أحد الأغراض في هذه الحالة).

شاهدت القرود فيلماً حيث أخفى إنسان على شكل قرد غرضاً عن إنسان آخر. حين كانت الحيوانات تشاهد الفيلم، تعقب الباحثون مدة نظرتها وقاسوها عبر استعمال جهاز لتعقب العين.

يوضح كانو: "صممنا في البداية فيلماً مبنياً على اختبار نفسي معروف، وهو يُعتبر حماسياً للقرود، وجمعناه مع تقنية تعقب العين لتسجيل أنماط النظرات التي تشير إلى ترقّب سلوك الطرف الآخر استناداً إلى فهم اعتقاده الخاطئ".

في الفيلم، يخفي الإنسان المتنكر بشكل قرد الغرض ويغيّر مكانه مراراً من دون علم الطرف الآخر. أراد الباحثون أن يعرفوا ما إذا كانت القرود تفهم أن الطرف الآخر يخطئ حين يظن أن الغرض كان في موقعه الأول عندما نقله الإنسان المتنكر إلى موقع آخر.

استناداً إلى مدة نظرة القرود نحو الموقع الذي ظن الطرف الآخر أنه سيجد الغرض فيه، استنتج كانو وزملاؤه أن الحيوانات فهمت الحالة الذهنية الصحيحة لدى الطرف الآخر.

لكن أراد الباحثون أن يبنوا تجربتهم واستنتاجاتهم على مبدأ إثبات الخطأ قدر الإمكان، وأشار احتمال آخر إلى قدرة القرود على توقع اتجاه نظرة الطرف الآخر عند البحث عن الغرض المفقود بناءً على قاعدة سلوكية بسيطة: يُفترض أن تكون أول محطة مستهدفة آخر موقع شاهده. لقياس مدى صحة هذا الاحتمال، عدّل كانو وأعضاء فريقه تجربتهم.

فبدأوا بتعريف جزء من القرود على مجموعتين مختلفتين من الحواجز: إحداهما لوحة شفافة، والأخرى لوحة مشابهة جداً لكن سميكة. بدت الشاشتان متشابهتَين من بعيد. بعدما عرّف العلماء القرود على اللوحتين، كرروا التجربة مع الحاجز المُعدّل. يوضح الباحثون: "أثناء تعقب عيون القرود، شاهدت الحيوانات كلها فيديو حيث رأى الممثل غرضاً خفياً تحت صندوقين متشابهين. ثم تعثر بالحاجز الجديد وتغيّر موقع الغرض في تلك اللحظة ثم اختفى".

كشف فيديو نشره الباحثون ما تستطيع القرود رؤيته ومسار تطور التجربتَين.

استناداً إلى الاختبارَين، تبيّن أن القرود التي أدركت سماكة الحاجز هي التي توقّعت أن يخطئ الممثل حين يبحث عن الغرض في موقعه السابق.

تثبت هذه النتيجة برأي الباحثين أن القرود تنسب الحالات الذهنية إلى أي طرف بناءً على تجاربها الخاصة بدل أن تتكل على قواعد سلوكية تراقبها من بعيد. يضيف كانو: "نشعر بالحماسة لأن القرود تجاوزت هذا الاختبار الصعب. تكشف النتائج أننا نتقاسم هذه القدرة على استعمال نظرية العقل مع القرود. نخطط الآن لمتابعة تحسين وسائلنا لاختبار بدائل غير عقلية أخرى لهذه النظرية على حيوانات غير بشرية".


MISS 3