جنى جبّور

بدأت مع الوثنية ونشرتها ألمانيا في العالم

شجرة الميلاد...عابرة للطوائف ولا أصول دينية لها

22 كانون الأول 2021

02 : 00

أيام قليلة تفصلنا عن عيد الميلاد، ويكاد لا يخلو اي منزل في لبنان والعالم من شجرة العيد بزينتها الملونة والمُبهجة التي تضفي جوّاً خاصاً من الفرح للكبار والصّغار على حدٍّ سواء. الّا أنّ هذه الزينة ليست حكراً على المسيحيين فحسب، بل هي عابرة للطوائف والمذاهب رغم محاولة البعض تصوير الامر عكس ذلك وتكفير من يهتم بهذه المناسبة. فما أصل هذه الشجرة؟ وما هي أبرز المحطات التاريخية التي مرّت بها حتى يومنا هذا؟

عندما نعود إلى قصة ميلاد السيد المسيح في الإنجيل المقدس لا نجد أي رابط بين هذا الحدث وشجرة الميلاد. ولكن تبنت المسيحية هذا الرمز لاحقاً، حتى صار ينسب إليها وأسمتها شجرة الميلاد، لتكون دلالة على استمرار الحياة وتجدّدها.

تقليد وثني

يصعب التأكد من الأصول الحقيقية لهذه الشجرة في ظل تعدد الروايات والأساطير عن نشأتها قبل المسيحية بوقت طويل. فالأشجار دائمة الخضرة لها معنى خاص عند بعض الشعوب القديمة في الشتاء. واذا عدنا الى المحطات التاريخية التي مرت بها نكتشف أنّ اصل الشجرة هو تقليد وثني قديم، عمد الرومان فيه إلى الاحتفاء بفصل الشتاء وبعيد الإله ساتورن (إله الخصوبة) عبر تزيين منازلهم ومعابدهم بأغصان شجرة التنوب، التي كانت تحمل رمزية خاصة بالنسبة لهم، اذ أن خضرتها الدائمة مثلت الأمل الموعود بالربيع. وجرت العادة أن يعلّق هؤلاء أغصان التنوب فوق أبوابهم ونوافذهم ظناً منهم أنها تسهم في إبعاد المشعوذين والأرواح الشريرة.


الشجرة عند الفراعنة


بالتوازي، تعبد المصريون القدامى للإله رع وهو إله الشمس، واعتقدوا بأن الشتاء يأتي بسبب مرض الإله وضعفه، فأقاموا الاحتفالات أثناء شفائه واعتادوا أيضاً على وضع أغصان شجر النخيل التي تمثل بالنسبة إليهم "إنتصار الحياة على الموت".

أما شعوب شمال أوروبا، فكانوا يزينون معابدهم بالأغصان الخضراء كرمز للحياة الأبدية، في حين اعتقد الفايكنغ سكان المناطق الاسكندنافية أنها النباتات الخاصة بإله الشمس.

ولا نعلم متى وأين تحولت هذه التقاليد الوثنية إلى تقليد شجرة الميلاد كما نعرفها بشكلها الحالي، وترى الكثير من البلدان أنها أساس ظهور هذه الشجرة. وهناك أساطير متنافسة تسعى لتفسير ظهورها، ورغم انتشارها في مناطق كثيرة حول العالم إلا أن أصولها تعود لمناطق ذات غابات وفيرة دائمة الخضرة، خصوصاً تلك الموجودة في شمال أوروبا. وترى كل من لاتفيا وإستونيا، في شمال أوروبا، أنهما كانتا الموطن الأصلي لأول شجرة ميلاد، وتُرجع لاتفيا تقاليد شجرة العيد الخاصة بها إلى عام 1510، لترد إستونيا بأن لديها أدلة على وجود مهرجان ظهرت خلاله شجرة الميلاد عام 1441، وقد شكك المؤرخون في كلا الادعاءين، لكن هذا لم يمنع البلدين من التنافس للحصول على حق لقب "موطن رأس شجرة الميلاد".


شجرة الأميرة فيكتوريا


من ألمانيا الى العالم

ننتقل الى المانيا وتحديداً الى عصر النهضة في القرن السادس عشر، اذ يعتبر الالمان المسيحيون الأوائل الذين أدخلوا الشجرة المزينة إلى منازلهم، حيث تأثروا بمسرحية "شجرة الجنة"، التي كانت تجسد قصص الكتاب المقدس للذين لا يعرفون القراءة، وتعرض في يوم الاحتفال الديني لآدم وحواء في 24 كانون الأول. من هنا انتشر تقليد إنشاء "شجرة الجنة" في منازل الألمان، وتعليق أيقونات ترمز إلى علامة الخلاص المسيحية عليها، وفي تقليد لاحق تم استبدالها بالشموع، رمزاً للمسيح كنور العالم بالإضافة إلى "هرم الميلاد"، وهو عبارة عن بناء مثلثي من الخشب يحتوي على أرفف لوضع تماثيل عيد الميلاد، ومزخرف بالأخضر والشموع ونجمة. وهناك اعتقاد شائع بأن مارتين لوثر، الإصلاحي البروتستانتي الألماني الأصل، هو أول من زين الشجرة بالشموع محاولاً تقليد مشهد السماء المليئة بالنجوم، وهي عادة تناقلتها الأجيال حتى أصبحت الشجرة تضاء اليوم بأضواء كهربائية تزينها نجمة في الأعلى.

وبحلول القرن الـ16، اندمج هرم عيد الميلاد وشجرة الجنة ليصبحا شجرة عيد الميلاد، وزينت بالزنجبيل والمكسرات والتفاح. وأصبح استخدام أشجار الميلاد في ألمانيا شائعاً جداً في القرن الـ17، وكان رجال الدين قلقين من أن تصرف هذه الطقوس المسيحيين عن عبادة الله المناسبة خلال الموسم المقدس، وحاولوا جاهدين القضاء على "السخرية الوثنية" من الاحتفال، واعتبروها "تعبير فرح يدنس الحدث المقدس"، وفرضوا غرائم على الناس لتعليق الزينة، حيث اعتبروها جريمة جزائية.


هرم الميلاد


ونقل الألمان تقليد شجرة الميلاد معهم حيثما انتقلوا في هجراتهم. ففي حالة إنكلترا، تحديداً في سبعينات القرن الثامن عشر، كانت شارلوت، زوجة الملك جورج الثالث، مولودة في ألمانيا، واستمرت بتقليد تزيين الأشجار بمناسبة رأس السنة.

وفيما كان ينظر إلى شجرة الميلاد كتقليد وثني ألماني، يُعتقد أن فيكتوريا، الملكة البريطانية التي تناقلت أوروبا أخبار بلاطها، أسهمت في تغيير هذا الواقع، ومنح شجرة الميلاد الشهرة التي تحظى بها اليوم. حصل ذلك في العام 1841 حين نصبت مع زوجها الأمير الألماني شجرة في القصر الملكي وقد نشرت مجلة "Illustrated London News" بعد سنوات، رسماً للعائلة الملكية تتوسطها شجرة الميلاد. كانت هذه الصورة التي أعادت نشرها مجلة نسائية أميركية (مع إزالة تاج الملكة وشاربي الأمير لجعلها تبدو أميركية) سبباً رئيسياً في دخول الشجرة إلى المجتمع الأميركي.


إضاءة أول شجرة في النروج


وفي الولايات المتحدة

تأخرت الولايات المتحدة في تبني تقليد شجرة الميلاد، باعتبارها مظهراً وثنياً، ولا سيما من جانب التطهيريين الإنكليز الذين رأوا فيها تدنيساً لقدسية عيد الميلاد. حتى أنهم أقروا قانوناً في ولاية ماساشوستس في العام 1659 يجرّم أي مظاهر إحتفالية تحصل في 25 كانون الأوّل خارج الكنيسة.

وكان أول ظهور لشجرة الميلاد في أميركا في بنسلفانيا عام 1747 على أيدي مستوطنين ألمان. ولم تكتسب احتفالات عيد الميلاد شعبيةً واسعة في الولايات المتحدة إلا في عشرينات القرن التاسع عشر. وفي القرنين السابع والثامن عشر، تطور هذا التقليد لينتقل إلى سائر بلدان أوروبا، منتشراً بين النبلاء والملوك وأفراد الطبقات والفئات الأخرى.



الشجرة العصرية


في الثلاثينات من القرن الماضي، تطورت الأشجار الاصطناعية المصنوعة من شعيرات الفرشاة في الولايات المتحدة، وشهدت الخمسينات والستينات من القرن العشرين الإنتاج الضخم للأشجار البلاستيكية المصنوعة من الألمنيوم والبلاستيك. على الاثر، اكتسبت الأشجار الاصطناعية شعبية كبيرة، لا سيما في البلدان التي كان من الصعب فيهــا شراء الأشجار الطبيعية.

لكن رغم ذلك، إستمر تقليد الأشجار الطبيعية في بعض البلدان، ففي نيوزيلندا مثلاً تستخدم شجرة "Pohutukawa" ذات الأزهار الحمراء، أما في الهند فيتم تزيين أشجار الموز والمانغا.

ومن أشهر الأشجار الميلادية، شجرة "Trafalgar Square" في لندن، والتي تقدمها سنوياً النروج للمملكة المتحدة كعربون شكر وتقدير للدعم الذي قدّمته لها بريطانيا في الحرب العالمية الثانية. هذا بالإضافة إلى شجرة الولايات المتحدة الوطنية المزروعة في حديقة البيت الأبيض منذ عشرينات القرن الماضي.


MISS 3