جنى جبّور

الهدايا والمأكولات الفاخرة ليست الأساس

إفرحوا وهللوا بولادة المسيح... هكذا تشعرون بفرحة العيد

24 كانون الأول 2021

02 : 00

"مش حاسين بالعيد"، عبارة ترددت على مسامعنا طوال هذا الشهر. وبما أن ساعات قليلة تفصلنا عن عشاء عيد الميلاد، حيث سيجتمع الاحباء حول مائدة الطعام، لا بدّ أن نتذكر في هذه المناسبة أنّ صاحب العيد هو طفل المغارة وليس مأكولاتنا وهدايانا التي أفقدت العيد معناه الحقيقي وحولته تجارياً تسويقياً بحتاً. لذلك وفي ظل الوضع الصعب الذي يعصف بالبلاد لا تخجلوا إن اجتمعتم اليوم حول طاولة من "حواضر" منزلكم، ولا تسبقوا هداياكم بعبارة "ما تواخذونا بتعرفوا الوضع". اتحدوا وافرحوا واستقبلوا الرب... الذي ولد في مزود بظروف تشبه ظروفنا الحالية.

"عيدٌ بأيّةِ حالٍ عُدتَ يا عيدُ"... عاد وما زالت دماء شهداء المرفأ تستصرخ ضمائر المسؤولين. عاد وسط القهر والفقر والغلاء المعيشي والحرمان والذل والأموال المحجوزة في المصارف. بيوتنا لا تشبه نفسها في هذه المناسبة ان من ناحية زينتها او ضيافتها او هداياها، فكل معاني العيد تبدو مخطوفة هذا العام. وبعيداً عن "التفلسف والتنظير" ما زال باستطاعتنا استقبال السيد المسيح بفرح، مقتربين من روحانية العيد، الجوهر الاساسي للميلاد.


الخوري إيلي سعادة


الهدايا شوهت العيد

"الأزمة التي نمرّ بها ليست جديدة على لبنان رغم أنها قد تكون الأصعب فكيف اذا تزامنت مع موسم الأعياد"، يتساءل الخوري ايلي سعادة، ويتابع "ترتبط الأعياد باحتفالية من نوعين؛ الأول ديني كنسي ليتورجي، يتبعه احتفال منزلي عائلي حيث تجتمع العائلة مع كبيرها وغالباً ما يكون الجد، الّا أنّ "كورونا" بدلت هذه العادة خوفاً على كبار السن وباتت تقتصر على العائلة الصغيرة فيرأس الأب في هذه المناسبة. النوعان مهمان جدّاً وهما ركيزة العيد. في السنوات الأخيرة تبدل وجه العيد واتخذ طابعاً تجارياً فيه الكثير من الترف، ولا سيما تبادل الهدايا وهو نشاط دخيل على عاداتنا. قد يتفاجأ البعض عند قراءة هذه المعلومة، لذلك يهمني ان أوضح أنه في السابق كانت الهدايا تقتصر على الأعمال اليدوية الحرفية التي يصنعها افراد العائلة لبعضهم البعض من دون أي قلق من ثمن او نوع الهدية. ولكن شيئاً فشئياً طغت "المزايدات" على الهدايا، واصبح من يملك المال يتباهى بكثرة شراء الهدايا الثمينة. وامام الظروف الراهنة أعرف الكثير من العائلات التي تمسكت هذه السنة بالهدايا الحرفية، أو قررت شراء ما ينقص الاولاد من أحذية أو ملابس وغيرها. ولا بدّ من الاشارة الى أن الهدية القائمة على عمل يدوي فيها الكثير من الحب والمجهود، فقدموها بفخر، من دون ان تقولوا: "كنّا حابين اكتر".

ويضيف: "ناهيك عن "الملاك الحارس" أو الـ"Ange gardien" الذي شُوه مبدأه. ففي السابق اعتمد الرهبان هذا النشاط، وكانوا يصلون طوال فترة الميلاد للاسم المسحوب من القرعة، أو يهدونه كتاباً أو بطاقة معايدة صممت يدوياً. أمّا اليوم فتحول "الملاك الحارس" الى موضوع مقلق يرتكز على تبادل الهدايا يومياً وشراء هدية "مرتبة" في النهاية... للأسف هذا يشوه أعيادنا".


اشكروا الرب على "صحن لبنة" تتشاركونه

اليوم، تبدل كل شيء. بالطبع ما كنّا نتمنى ان تصيبنا كل هذه المأساة لنعود الى روحانية العيد والابتعاد عن الترف فيه، ولكن بطبيعة الحال ارغمت الأزمة قسماً كبيراً من اللبنانيين على ذلك. ويقول الخوري سعادة: "آن الاوان ان نعيش العيد بروحيته، بالذهاب الى الكنسية والمشاركة في القداس والصلوات وتحضير الأطفال لاستقبال طفل المغارة، لان يسوع هو صاحب العيد وليس نحن. أمّا الاحتفال المنزلي فلا يهم مهما كان شكله أو ميزانيته فالأهم هو اجتماع العائلة. لذلك، إنّ مقولة "العيد للاغنياء فقط" مقولة ساقطة، وتحرفه عن مساره الحقيقي".

ولأنّ القناعة كنز لا يفنى، يقدم الخوري سعادة نصيحة يختم فيها حديثه قائلاً: "ابتعدوا عن "المهرجانات" والمظاهر. فمن يضع الرب جانباً، سيبني احتفاله على اللباس والمأكولات والهدايا. كما أنّ الطفل يسوع ولد في مغارة بظروف صعبة تشبه واقعنا قليلاً، فعانى من الفقر والظلم والقهر والتهجير. الا أن بمجيئه هذا خلص العالم متحدياً كل الظروف معطياً معنى حقيقياً لهذه الحياة. اشكروا الرب على كل شيء ولو حتى على "صحن لبنة" تتشاركونه ورغيف خبز تتقاسمونه، وآمنوا أنّ لا بدّ لكل الظروف أن تتحسن وتتبدل".


ارقصوا وخففوا من ضغوطكم النفسية

يبدو واضحاً جدّاً، زيادة الضغط النفسي والتوتر بين اللبنانيين، وقد يكون العيد سبباً اضافياً في ذلك بسبب التغيرات التي اصابت روتيننا وعاداتنا المرافقة لهذه المناسبة ولا سيما بالنسبة للأطفال. وفي هذا الاطار ترى الدكتورة كارول سعادة، اختصاصية في علم النفس العيادي أنه "من المهم جدّاً أن يصارح الأهل أولادهم شارحين لهم ما نمر به من أزمات بشكل مبسط مجيبين على قدر اسئلتهم من دون كذب، ولا سيما أن الطفل بطبيعته يعظم الامور بسبب ميوله المبنية على القلق. وأوصي الاهل بضرورة الابتعاد عن التهويل وتخويف الأطفال من شبح الفقر والجوع. وهذه قاعدة تطبق اليوم بمناسبة العيد لان الجوهر يبقى بالاتحاد بغض النظر عن الأمور الأخرى. أمّا بالنسبة للهدايا فيجب توضيح الامور للأطفال وإفهامهم أنّ هناك أولويات معينة في الحياة واقناعهم بأنّ الظروف ستتحسن في المستقبل، شرط الا نحرم الطفل من حقوقه المعنوية في العيد. وقد يفرح الاولاد بالامور البسيطة مثل اللعب الجماعي مع الآخرين".


الدكتورة كارول سعادة


أمّا بالنسبة للأهل الذين اعتادوا نمطاً معيناً في الميلاد، ويختبرون اليوم تغييرات جذرية فيه ويجدون أنفسهم عاجزين عن عيش فرحة العيد، فتشرح د. سعادة أنّ "من دون شك تزيد هذه التغيرات الضغوطات النفسية التي اضحت مزمنة بالنسبة للبنانيين، ولكن يمكننا نحن ان نخلق جواً ايجابياً من خلال اللجوء الى استراتيجيات معينة تختلف بحسب الشخصية والطباع وبحسب القدرة على تحمل الضغط النفسي. فهناك شخصيات صلبة تتحلى بالمرونة يمكنها التأقلم مع الظروف، في وقت يصعب على الشخصيات الاخرى ذلك. لذلك، يفيدنا اليوم الاستماع الى الموسيقى والرقص، والتعاطي بايجابية مع الآخرين لخلق جو من الفرح والإلفة حول طاولة العشاء وهذا لا يحتاج الى اي ميزانية. كما يمكن التأمل والاسترخاء وممارسة الرياضة وتناول الاكل الصحي للحد من الضغوط اليومية وهذا ينعكس ايجاباً على الصحة النفسية والجسدية على حد سواء".

على أي حال، ورغم كل الظروف تذكروا دائماً ما قاله الرب لنا سـ»تُعانونَ الشِدَّةَ في العالَم ولكن ثِقوا إِنِّي قد غَلَبتُ العالَم» (يوحنا 16: 29-33). لذلك، افرحوا وابتهجوا ملك الملوك آتٍ عسى يجتاز الوطن هذه المحنة، فاهتفوا مالئين السماء: «ولد المسيح ... هللويا».


MISS 3