وليد شقير

إبطال الاتهام غير الباطل

17 كانون الثاني 2022

02 : 00

هل كان يجب أن تمر ثلاثة أشهر من المعاناة وأن يرتفع سعر صرف الدولار الأميركي زهاء 14 ألف ليرة منذ 12 تشرين الأول الماضي، أي من قرابة 19 ألف ليرة إلى حوالى 33 ألف ليرة، حتى يكتشف الثنائي الشيعي أن الشروط التي وضعها، في ما يخص التحقيق العدلي في جريمة انفجار مرفأ بيروت، لانعقاد مجلس الوزراء، فضلاً عن عدم قانونيتها وتناقضها مع الدستور والقانون، ارتدت سلباً عليهما؟

العبارة المفتاح لأسباب إعلان الحزب والحركة عودتهما إلى حضور مجلس الوزراء، كما وردت في البيان المشترك الذي زفّ النبأ إلى اللبنانيين هي التي نصّت على أنه «منعاً لاتهامنا الباطل بالتعطيل ونحن الأكثر حرصاً على لبنان وشعبه وأمنه الاجتماعي، نعلن الموافقة على العودة إلى المشاركة في أعمال مجلس الوزراء من أجل إقرار الموازنة العامة للدولة ومناقشة خطة التعافي الاقتصادي».

ومهما ذهبت التحليلات والتكهنات التي تربط الأمر بتطورات إقليمية ما، مثل التقدم في مفاوضات فيينا، أو في المفاوضات السعودية الإيرانية، أو بتعرض «حزب الله» لمزيد من الضغط الإقليمي سواء في تراجع الحوثيين في اليمن، يبقى العامل الأساسي الذي يفرض على أي عاقل إيلاءه الأولوية في تفسير اندفاع الثنائي نحو التراجع، هو ما آلت إليه الأزمة المعيشية للبنانيين، ولجمهور الثنائي كجزء منهم، بفعل شل عمل الحكومة.

رموز الثنائي كانوا في كل مرة يحقق الدولار قفزة جديدة بقيمة ألف ليرة أو أحياناً بثلاثة آلاف ليرة، ويتسبب ذلك بموجة غضب في الشارع أو في الإعلام، يدعون الوزارات والحكومة إلى اتخاذ الخطوات التي تحد من جشع الصرافين ومن الألاعيب التي تقتطع من ودائع اللبنانيين، ويصرون على إجراءات فاعلة، ويطالبون الحكومة بأن تطرح رؤية للخروج من الأزمة وتقترحها على المجلس النيابي. لكنهم سرعان ما كانوا يكتشفون في قرارة أنفسهم أنهم يقعون في فخ التناقض في دعواتهم هذه، التي ترمي المسؤولية على الآخرين، فيما موقف قياداتهم هو الذي يحول دون ضبط التفلت الذي عمّق الحفرة التي وقع فيها اللبنانيون. كانت مواقفهم تتسم بقدر عالٍ من الانفصام، يسعون إلى تغطيته (خصوصاً «حزب الله») بالهجوم تارة على أميركا وأخرى على السعودية، لتحميلهما مسؤولية «الحصار» لشدة ما حاصروا أنفسهم بشروط على القضاء، يعجزون عن فرضها أمام الرفض اللبناني من جهة، وتتسبب باتساع الحملة على الحزب من الحليف «التيار الوطني الحر» (مهما كانت أهدافها الظرفية والانتخابية) من جهة ثانية. كيف يطالبون الحكومة ووزراءها بالحد من التدهور وهم يشلون عملها، ويتسببون عبر إقفال أفق المعالجات، بمزيد من تراجع الوضع المعيشي للبنانيين؟ ولماذا كانت دعواتهم السابقة لحكومة تصريف الأعمال (برئاسة حسان دياب) تضج في الفضاء السياسي، ويرفضون منذ 3 أشهر دعوة رئيس حكومة مكتملة الصلاحيات لتتحمل مسؤولية الحد من الانهيار الحاصل؟ أغرق الثنائي نفسه في تخبط لم يسبق له مثيل في محاولة إبعاد التهمة عنه بعد أن لبسها بإرادته، مهما اعتبرها «باطلة». ثم ما نفع إصرار الثنائي على فتح دورة استثنائية للبرلمان، إذا لم تكن من أجل دراسته للموازنة والإجراءات المالية التي تتضمنها وجعلها نافذة بمصادقة السلطة التشريعية عليها بعد إرسالها إليه من الحكومة، في ظل توجه لتطويع أرقامها مع سعر صرف موحد وفق منصة «صيرفة» بعد مزيد من خفضه؟

إذا كان واضحاً من حصر بيان الثنائي جلسات مجلس الوزراء بالموازنة وخطة التعافي الاقتصادي، فإن إقرار فتح اعتمادات مالية من أجل مصاريف الانتخابات النيابية، ولصرف قيمة المكافأة المالية لموظفي القطاع العام لشهرين تعويضاً عما أصاب رواتبهم قد يكون من الملحقات بـ»التعافي» والموازنة. «الوقت المستقطع» الذي كان مطلوباً بإلحاح لفصل استمرار الصراع السياسي على السلطة، عن تدابير الحد من الانهيار حصل عليه الرئيس ميقاتي، مع تقييد لجدول أعمال الحكومة. ولذلك من المستبعد أن يحصل الثنائي على مقابل في إطار المقايضة التي كان يجري العمل عليها قبل 3 أسابيع، ومن غير المتوقع أن تجري مراعاة شغف «التيار الوطني الحر» بالتعيينات الإدارية التي سال لعاب جبران باسيل لها عند تشكيل الحكومة، لتوظيفها انتخابياً.


MISS 3