رسالة بدارو وشاوول وشامي إلى صندوق النقد الدولي:

لا حلّ إلا بنمو ذي رقمين!

02 : 00

هل يعي رئيس الحكومة نجيب ميقاتي خطورة التخبط الحاصل بين بعض اعضاء لجنة التفاوض مع صندوق النقد؟

إنطلقت المباحثات الفنية للحكومة اللبنانية مع صندوق النقد الدولي، وذلك من دون الكثير من المتطلبات والتحضيرات النظرية والعملية التي على الحكومة انجازها، قبل الدخول في المفاوضات النهائية الرامية الى توقيع برنامج يتعهد لبنان بتنفيذه مقابل الحصول على قرض انقاذي من الصندوق.

لسد النقص المبتلية به الحكومة، ينبري عدد من خبراء المال والاقتصاد المتطوعين لتقديم أوراق وأفكار قيمة وبالارقام الدقيقة والسيناريوات المدروسة علمياً مع اعتماد نماذج يعتمدها الصندوق نفسه. وتقدم هذه «الأعمال» على شكل رسائل موجهة الى صندوق النقد الدولي. هدفها، من جهة سد النقص الحكومي، ومن أخرى لفت نظر الصندوق إلى أساسيات لا يمكن تجاوزها خشية فشل المفاوضات أو فشل تنفيذ البرنامج المزمع توقيعه.



روي بدارو



تنشر "نداء الوطن" اليوم رسالة تلقاها الصندوق من الخبراء: روي بدارو وهنري ج. شاوول ومارغريتا شامي، تحت عنوان:

"ثلاثة شروط رئيسية لاستدامة الدين". وضعوا في تلك الرسالة بعض عصارة خبراتهم ورؤيتهم وتجاربهم لما يرونه حلاً ممكناً لأزمة هي الأقسى في تاريخ لبنان، يدفع ثمنها المجتمع أفدح الأثمان. ويؤكدون ان ما توصلوا اليه، وفق الشروط الموضوعية الموضوعة، يسمح للبنان بالخروج من أزمته في 2025-2026 والعودة الى اسواق المال الدولية. ويرى بدارو وشاوول وشامي أن المحادثات الفنية حالياً، والمفاوضات على البرنامج لاحقاً، يجب أن تركز على اقتصاد مستدام التقدم بنمو كبير وعلى الاستقرار الديمغرافي ووقف التصحر السكاني. الى ذلك، يؤكدون أن ما تعرض له اللبناني في معيشته أشد ألماً مما عاناه المتضررون من فترة الكساد العالمي الكبير في 1929.

ويذكر أن في لبنان تركزاً هائلاً للثروة، حيث أن 2% فقط من اصحاب الحسابات المصرفية (12 ألف حساب) يملكون 75% من الودائع. ولسوء الحظ، تحتكر القلة معظم النقاش اليوم كما في الماضي، وثمة خشية من استحواذها على المفاوضات مع الصندوق لحماية مصالحها دون غيرها.

ويطالب الخبراء باجراءات عاجلة مثل انشاء هيئة تسوية منازعات مصرفية مستقلة، وتوحيد اسعار الصرف، وتكييف الاطار القانوني الخاص بالغاء السرية المصرفية.



هنري شاوول



وخلاصة الرسالة تكمن في ضرورة تركيز النقاش حول كيفية تحقيق معدلات نمو من خانتين ( فوق 10%)، وإلا فلا مسار صحياً لاستدامة الدين العام، ولا استقرار اجتماعياً ولا مخرج من مختلف الويلات التي ابتلي بها لبنان.



جاء في مقدمة الرسالة ان لبنان وصل إلى أهم نقطة تحول في تاريخه. وتعتبر الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في ربيع 2022 حدثاً رئيسياً، ولكن حتى في ظل السيناريو الأكثر تفاؤلاً، من المتوقع أن يتم تجديد الشرعية للطبقة السياسية الحالية - حتى لو انخفض حجمها بشكل ضئيل - وبالتالي لن يغير ذلك قواعد اللعبة على الساحة الاقتصادية.

ستكون الانتخابات الرئاسية الحدث السياسي الرئيسي الذي سيؤثر على التوازن الاقتصادي الجديد، إذ ستعكس نتائجها بوضوح ميزان القوى وتوجّهات القوى الخارجية وحلفائها الداخليين. إن الخيارات موجودة بالفعل لكي تسجّل هذه الانتخابات نقطة البداية نحو التغيير الحقيقي.



مارغريتا شامي



هناك حاجة إلى تغيير جذري نُطلق عليه اسم "التحول" ( metamorphosis). إنه تغيير في مهمة البلاد الجديدة ونهجها في الإصلاحات وفي إدارة شؤون الدولة وفي الرؤية الاقتصادية للبلاد. وفي ما يلي نص الرسالة:

لم تعد الإصلاحات، كما تتصوّرها الطبقة السياسية اللبنانية الحالية، كافية لجعل التغيير المطلوب فعالاً ومستداماً. وعلى الرغم من انتخاب الطبقة السياسية في ظل ظروف غير عادلة ومبهمة، إلا أنه طالما أنها تدير البلاد، فسيتم استخدام أي إصلاح أو تغيير للسيطرة على رأس المال المتبقي في الدولة.

وفق المسار المتّبع اليوم، سيكون هناك عاجلاً أم آجلاً تعديل اقتصادي بتكلفة لا يمكن تحملها من قبل شريحة كاملة من السكان. ويحدث ذلك اليوم وسيستمر في المستقبل. لا تكمن المسألة في إيجاد توازن اقتصادي كلي بل في إيجاد التوازن الذي يحمي ويرعى السكان بشكل عام ويوفر العناصر الأساسية لبقاء المواطنين اللبنانيين في البلاد، ويسعى بشكل خاص إلى العمل على تجنب هجرة الأدمغة.


يشهد لبنان حالياً تصحيراً سكانياً، وهو أخطر ما شهده لبنان في تاريخه. وهذا قوامه المزيد من الهجرة الدائمة وتأخير الزواج وانخفاض معدل الخصوبة. سيؤدي ذلك إلى إبطال الاستدامة طويلة الأجل لأي بلد وسيؤثر بالتأكيد على الناتج المحلي الإجمالي وتكلفة العمالة والقدرة التنافسية للاقتصاد اللبناني، ويفضي في النهاية إلى حلقة مفرغة تحدث مزيداً من الفقر والهجرة وما إلى ذلك. تفوق تكلفة تدمير رأس المال البشري بكثير الانخفاض الحالي الملحوظ في الناتج المحلي الإجمالي وستترك آثارها السلبية للأجيال القادمة.

لذلك، من الأهمية بمكان أن يتضمن أي برنامج من برامج صندوق النقد الدولي برنامجاً اقتصادياً يوفر نمواً من رقمين (فوق 10%)، وهو نمو لا يمكن تحفيزه ودعمه إلا من خلال حدث سياسي كبير. من دون نمو مماثل، سيكون مسار الديون غير مستدام ولن تنعم العملة الوطنية بأي استقرار مؤكد.

ولدعم هذه الآراء، اعتمدنا منهجية تحليل استدامة الديون لصندوق النقد الدولي لإجراء محاكاة بناءً على عدة معايير من أجل إظهار التأثير على النمو وعلى استدامة الديون.

ليس الغرض من تحليل استدامة الديون أن يكون بمثابة خطة شاملة، لكن الهدف هو بدء نقاش حول التحديات الراهنة التي يواجهها لبنان.







معدل النمو الاقتصادي هو مفتاح اول سنوات العهد الرئاسي المقبل


لن يكون معدل النمو المنخفض كافياً. وحده معدل النمو المرتفع الذي يتعدى 10% في أول عامين بعد الانتخابات الرئاسية يكون واقعياً ومستداماً. إن معدل النمو المرتفع ضروري حتى في ظلّ المستويات المتوقعة لتخفيف عبء الديون (اقتطاع حوالى 70% من الدين بالعملات الأجنبية) والذي يمكن أن يكون مفيداً للبنان من حيث إعادة الدخول إلى أسواق رأس المال المحلية والدولية، ناهيك عن الفترة الزمنية القصيرة الضرورية لإعادة التكيف الاقتصادي. يجب أن نبحث في أفضل تركيبة ممكنة من النمو وسعر الصرف وتخفيف عبء الديون.



تعديل مالي: زيادة الايرادات وتخفيض النفقات

هذا التعديل على أساس إيرادات مستهدفة بنسبة 25% من الناتج المحلي الإجمالي وحد أقصى للنفقات بنسبة 23% مما يحافظ على فائض إيجابي بنسبة 2%.



سعر صرف يتوافق مع متطلبات كل الاطراف


إن سعر الصرف المنشود الذي يتوافق مع إعادة هيكلة القطاع المالي هو إجراء مسبق أساسي لأي برنامج استدامة لصندوق النقد الدولي. كما يجب أن يأخذ في الاعتبار الجهات المعنية التالية: الدولة والبنك المركزي والمصارف والمساهمون في المصارف والرؤساء التنفيذيون والمودعون والصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وأخيراً فئة غير المودعين التي تشمل العموم وخاصة العاطلين عن العمل، وشريحة الذين يعملون بأجر التي تأثرت بشدة بمعدل سعر الصرف حيث أن انعكاس سعر الصرف على الاسعار (مفهوم ERPT) يقترب من 1 في لبنان. يجب أن تراعي نقطة البداية في تأسيس نظام سعر صرف العملات الأجنبية التأثير على القوة الشرائية للسكان بشكل عام، وخاصة المهمشين منهم، بالإضافة إلى التأثير على صناديق التقاعد في لبنان بما في ذلك على سبيل المثال لا الحصر الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.

نتيجة لتحليل السيناريو، نود أن نسلط الضوء على بعض المسائل الرئيسية التي نعتبرها أساسية لأي خطة اقتصادية.


إستقرار مالي بنمو ضعيف غير صحي اجتماعياً


نثق بأن أي استقرار مالي لا يأخذ في الاعتبار أو حتى يشجع على معدل نمو مرتفع هو أمر غير صحي اجتماعياً، إما بسبب الاضطرابات الاجتماعية التي سيحدثها أو بسبب الهجرة الناجمة وما يرتبط بها من هجرة الأدمغة. تؤثر سهولة هجرة المواطنين اللبنانيين بشكل كبير على التركيبة السكانية للبلاد ويمكن أن تأتي بنتائج عكسية من حيث المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي واستدامة أي خطة اقتصادية.

... ومعدلات النمو المنخفضة لا تحقق الاستقرار


قمنا بإجراء المحاكاة على أساس معدلات النمو المنخفضة التي يتوقعها الكثير من الخبراء و/أو المسؤولين الحكوميين. وأظهرت أن معدلات النمو المنخفضة لا يمكن أن تحقق استقرار الاقتصاد الكلي المطلوب في فترة زمنية مقبولة، إلا إذا كان تخفيف عبء الدين مرتفعاً للغاية، الأمر الذي قد يحول دون التوصل إلى اتفاق مع أصحاب الديون.


زيادة الشمولية الضريبية والسيطرة على الحدود


قد يشكل الاستقرار المالي مشكلة رئيسية بسبب القطاع غير الرسمي الكبير والمتزايد. لا ينبغي لأي سياسة ضريبية جديدة زيادة معدلات الضرائب أو تحصيل الضرائب ما لم يتم تطبيق مبدأ المساواة بين المواطنين في النظام الضريبي. يجب النظر في إجراء إصلاح ضريبي جدي حتى يصبح فرض الضرائب أكثر شمولاً (قاعدة ضريبية أكبر) وأكثر فعالية، ويأخذ في الاعتبار الثقافة الضريبية المترسخة في البلاد. لن يكون هناك أي تعديل ضريبي موثوق قبل السيطرة على الحدود بأكملها بما في ذلك منافذ الدخول الرسمية أي المرافئ والمطارات والحدود السورية مع لبنان، إلخ.


القطاع العام مسألة تتعلق بالمحسوبية


ينبغي معالجة مسألة القطاع العام الذي يشمل الرواتب والأجور والعقود وصناديق التقاعد بطريقة تدعم وضع الاقتصاد اللبناني الجديد على الخريطة العالمية؛ على الرغم من أنها تبدو معضلة اقتصادية بحتة، إلا أن المسألة الأساسية هي مسألة سياسية تتعلق بالمحسوبية والتوظيف في الدولة للاستفادة من تصويت المؤيدين أثناء الانتخابات.


تخفيض مخصصات الرواتب وعدد الموظفين


على صعيد النفقات، يجب تخفيض المبلغ المخصص للرواتب، وهو الأعلى في الموازنة، إلى مستوى «معقول» وفقاً لقرار سياسي. وسيتبع ذلك انخفاض في عدد موظفي الخدمة المدنية وجميع الفئات الأخرى من الأشخاص المسجلين في جداول رواتب القطاع العام والتقاعد. وبالتالي، سيمكّن الحكومة من إنفاق المزيد على البنية التحتية، وهو شرط لا غنى عنه من أجل تحقيق نمو مرتفع وسريع. يجب ألا يتجاوز معدل النفقات الحد الأقصى البالغ 23% من الناتج المحلي الإجمالي.

بالنظر إلى ما تقدم، يجب على الحكومة تحقيق فائض يصل إلى 2% يكون بمثابة مؤشر قوي للأسواق ولاستدامة السياسة الضريبية. نعتقد بأن الأمر قابل للتحقيق وأنه في ظل معدلات الإنفاق هذه (23% من الناتج المحلي الإجمالي)، يمكن توفير شبكة أمان اجتماعي مهمة لتسهيل الانتقال إلى الاقتصاد الجديد ويمكن تمويل برامج اجتماعية ملموسة على المدى المتوسط.


حاجة لاستقرار سياسي ورؤية اقتصادية طويلة المدى


يهدف هذا النقاش الى تحفيز النقاشات حول اعادة الهيكلة الاقتصادية واعادة تموضع لبنان الجديد. يوجد الكثير من المسائل التي ستتم مناقشتها ما ان يصل لبنان الى نقطة بداية جادة للمفاوضات. ركّزت المحادثات السابقة بشكل أساسي على اعادة هيكلة القطاع المالي وتوزيع الخسائر على حساب خطة اقتصادية ورؤية للبنان 2.0. 

من دون استقرار سياسي ورؤية طويلة المدى، لا مجال لأي نمو أو استثمارات جديدة أو حتى قطاع مالي نشط; ومن دون نمو- من دون نمو كبير- لن تصمد أي خطة مالية أمام اختبار الزمن. 



MISS 3