جاد حداد

Extremely Wicked, Shockingly Evil and Vile... قصة أشهر قاتل متسلسل أميركي

2 شباط 2022

02 : 00

يبدو عنوان فيلم Extremely Wicked, Shockingly Evil and Vile (شرير للغاية، صادم وشرس) للمخرج جو بيرلينغر مستوحى من كلمات القاضي إدوارد كاورت في قضية أشهر قاتل متسلسل أميركي، تيد باندي، بعد الحُكم عليه. استعمل القاضي هذه العبارة لوصف جرائم القتل المرتكبة، واعتبرها أداة للتسبب بأعلى درجات الألم في حياة البشر. لكن من اللافت ألا يحاول فيلم بيرلينغر تصوير "تيد" كرجل "شرير" أو "شرس". حتى أننا لن نشاهده وهو يرتكب أي جريمة، بل سنكون أمام فراغ مرعب لتجسيد ما يشعر به "باندي". يستعمل الفيلم ألاعيب نفسية عدة ويثبت بيرلينغر وزاك إيفرون، الذي يؤدي دور البطولة وكان اختياراً مناسباً لتجسيد هذه الشخصية، قوتهما في هذا المجال بالذات.

القصة مستوحاة جزئياً من كتاب The Phantom Prince: My Life with Ted Bundy (الأمير الشبح: حياتي مع تيد باندي) الذي يعرض مذكرات حبيبة باندي القديمة، إليزابيث كلوبفر (تؤدي دورها ليلي كولينز في الفيلم). تبدأ الأحداث بعرض وجهة نظر "إليزابيث" أو "ليز". تعمل هذه الأم العازبة كسكرتيرة وتُعبّر أمام صديقتها عن شعورها بانعدام الأمان وخوفها من ألا تتعرّف على الشخص المناسب. أي رجل سيرغب في امرأة لديها طفل؟ لكن يجيد "تيد باندي" رصد هذا النوع من التردد لدى نساءٍ مثل "ليز". هي تقابله في إحدى الحانات حيث يسحرها بكل سهولة. لن يقيما علاقة جنسية في تلك الليلة، لكنها تجده في صباح اليوم التالي في المطبخ مع ابنتها الصغيرة، فيُحضّر لها الفطور وهو يضع مئزراً أصفر اللون. لا تصدّق "ليز" ما تراه!

غالباً ما تكون طريقة تطور الأحداث أهم من الحدث نفسه، لا سيما في القصص التي تحمل تفاصيل معروفة. يجمع هذا الفيلم بين وجهات نظر "ليز" و"باندي"، لكن تُستعمَل مقاربات مختلفة. يصوّر بيرلينغر مشاعر الرعب المتزايدة لدى "ليز" حين تدرك أنها تعيش مع رجلٍ ربما ارتكب الجرائم المريعة التي تشاهدها في نشرات الأخبار. تتداخل علاقتهما السعيدة التي تظهر عبر لقطات منزلية متلاحقة مع تقارير إخبارية محلية حول اختفاء فتيات في المنطقة، والعثور على جثث بعضهنّ، وخطف فتاتين في وضح النهار. يكون الرسم التقريبي الذي تنشره الشرطة مشابهاً لحبيبها، لكن لا تستطيع "ليز" التأكد من الحقيقة. يتابع بيرلينغر قصة "باندي" أيضاً، لكننا لن نشاهد هذه المرة إلا تصرفاته الخارجية. تعكس هذه المقاربة طبيعة "باندي" الغامضة، فهو يحاول إخفاء حقيقته طوال الوقت. يُصِرّ "باندي"، بعدائية متزايدة، على اتهامه ظلماً.



يستطيع زاك إيفرون أن يستعمل مزاياه الطبيعية، أي وجهه وجسمه وجاذبيته الهائلة، لتجسيد شخصية "تيد باندي" بكل براعة. يشعر معظم الممثلين الوسيمين بضرورة تقديم أنفسهم بصورة "قبيحة" لتصديق الأدوار التي يجسدونها. لكن قاوم إيفرون هذه النزعة حتى الآن. هو يتمتع بمواصفات النجومية التقليدية ويستطيع نقل ما يريده عبر الشاشة. قد يكون استعماله لسحره الطبيعي بدور "باندي" مزعجاً، لكنه يعطي المفعول المنشود بطريقة غير مباشرة، إذ يسهم مظهره في تفسير السر وراء نجاح خطط "باندي". تظهر أحياناً لمحة عابرة على وجه إيفرون لتجسيد ما شاهده ضحايا "باندي" على الأرجح في لحظاتهم الأخيرة. لكن يقرر إيفرون بنفسه توقيت استعمال هذا التعبير وطريقته. باختصار، يمكن اعتبار أدائه "ساحراً" بمعنى الكلمة.

أُعدِم تيد باندي في فلوريدا في 24 كانون الثاني 1989. وفي الذكرى الثلاثين على موته، بدأنا نشاهد باندي في كل مكان. في كانون الثاني 2019، نشرت شبكة "نتفلكس" المسلسل الوثائقي Conversations with a Killer: The Ted Bundy Tapes (محادثات مع قاتل: أشرطة تيد باندي)، وهو يتألف من أربعة أجزاء ومن إخراج بيرلينغر أيضاً. يشمل هذا العمل محادثات باندي المسجلة مع صحافيَّين في العام 1980 قبل تنفيذ حُكم الإعدام. انزعج الكثيرون من التركيز المفرط على شكل باندي، وكأن التكلم عن وسامته مرادف لدعم جرائمه الشيطانية.

وبعد مرور شهر تقريباً، نُشِر أول مقطع ترويجي من فيلم Extremely Wicked، وكانت ردود أفعال الناس على مواقع التواصل الاجتماعي سلبية. برأي النقاد، بدا وكأن ذلك المقطع يُمجّد باندي ويركّز على وسامة إيفرون. أكثر ما يلفت النظر في هذه الأحداث كلها هو انتشار التعليقات نفسها في وسائل الإعلام خلال السبعينات، بعد اكتشاف فظاعة جرائم تيد باندي. اعتبر الكثيرون حينها التركيز على شكله الخارجي غير لائق أيضاً. في الوقت نفسه، جاءت نساء إلى المحكمة لحضور محاكمته وكنّ يضحكن وكأنهنّ يشاركن في حفل موسيقي. شعر الناس برعب حقيقي.

لا مفر من أن يرغب البعض في أن يعلن كل عمل فني عن نواياه صراحةً، فيُحدد السلبيات ويسلّط الضوء على الإيجابيات. لكن لا يعتمد فيلم بيرلينغر على هذه المقاربة ويرفض تقديم أي تفسيرات. لا يمكن التساؤل مثلاً عما يجعل الأعاصير مدمّرة، ولا يمكن الغوص في ماضي الحيوانات المفترسة لفهم ما يدفعها إلى الهجوم! نحن ندرك خطورة هذه العوامل ويجب أن نتجنبها بكل بساطة. إذا أردنا أن نعرف السبب الذي جعل تيد باندي ينجو بأفعاله لفترة طويلة، يكفي أن نشاهد مشهد المغازلة بين إيفرون وكولينز في أول لقاء للشخصيتَين. لا يمكن رصد أي مؤشرات شريرة في شخصية باندي منذ البداية، ولهذا السبب لم تلاحظ ليز وجود أي خطب. هذا ما يجعل قصته مرعبة لهذه الدرجة!


MISS 3