بشارة شربل

لا تفقد رصيدك يا سعد الحريري

19 تشرين الأول 2019

01 : 44

هي ليست "14 آذار" 2005، لكن فيها من روح انتفاضة ذاك النهار العظيم عنصراً يجعلنا نجدد الأمل بأن لبنان لن يموت ولن تستطيع طغمة حاكمة ان تقتل روح التمرد والاعتراض فيه.

يكفينا من تظاهرات أمس انها حطمت الحواجز الطائفية التي قيل أنها لا تقهر، وتجاوزت في خطابات المتظاهرين من كل المناطق تلك الرغبة الدائمة لدى أحزاب السلطة بوضع الناس طائفة ضدّ طائفة ومذهباً ضدّ مذهب والتخلي عن القرار الوطني بذريعة التخويف من الاقتتال الأهلي أو بحجة خوف الأقليات الوهمي.

غير اننا لا نزال في بداية الطريق، فالنفق الذي أدخلتنا فيه السياسات الفاشلة طويل. أما شراء الوقت الذي نسقته بعبدا والسراي أمس فلن يمنح السلطة المصابة أهلية مفاجئة، ولن يجعل الوحي يهبط على تسوية غشَّت المواطنين، وبدلاً من أن تتخذ من العهد الجديد منطلقاً للتغيير الحقيقي تحولت فرصة للإستئثار وتعيين الأزلام والتواطؤ لمتابعة نهب المواطنين وتغطية مصادرة القرار الوطني.

وصلنا الى ساعة الحقيقة. وهي ليست ساعة شماتة بالتأكيد. فلا ثقة بعهد ولا بحكومة ولا بقوى سياسية حكمت مباشرة أو مداورة منذ اتفاق الطائف وأغرقت لبنان بمئة مليار دولار من الدين، منها 25 ملياراً في "العهد القوي"، ودفعت ابناءه الى الهجرة والمقيمين الى حافة الفقر.

اذا لم يكن لدى سعد الحريري حل سحري، فاستقالة الحكومة ثمن بديهي يجب ان تدفعه باعتبارها السلطة التنفيذية المسؤولة مباشرة عن مصالح اللبنانيين، فلعلها تشكل مدخلاً لانقلاب الطاولة على ذهنية تشكيل الحكومات ونوعية الوزراء، وعلى نمط المكابرة والاحتقار اللذين يعامل بهما الرأي العام من جراء توسيع الوزارات لتتسع للانتهازيين والأتباع.

حكومة "الى العمل" لم تتعثر بفعل التعطيل يا دولة الرئيس، بل هي أصلاً مصابة بعطب بنيوي، كونك منذ مشاورات تشكيلها رضخت للابتزاز وقبلت بالبازار الذي أدخلك به جبران باسيل. فهل تستطيع في 72 ساعة ان تستعيد المبادرة وتفرض بنودك الاصلاحية وترضي ضميرك والمحتجين؟ أم كان يجب عليك الاستقالة الفورية ووضع شروطك للعودة لانقاذ الوضع والعهد المتهاوي ومن فيه؟.

أنت اليوم يا دولة الرئيس في مواجهة المواطنين. لن يفيدك إلقاء اللوم على فلان أو علَّان، وسترتكب خطيئة لو توهمت ببراغماتية تبرر تموضعك في مشروع حلفائك المحدثين، وأنت لست من النوع الذي يراهن على قوة القمع لفرط عقد المتظاهرين. لا يزال لديك رصيد عند الناس كونك ابن الشهيد الذي علَّم وعمَّر وحرّر دمه لبنان من الوصاية والاحتلال، فلا تصرفه في تشكيل غطاء لمن يريدون استغلالك للتسلط واستعادة النظام الأمني.