سامي نادر

خطة مع وقف التنفيذ

23 آذار 2022

02 : 00

تتوالى الاستراتيجيات الإقتصادية والخطط الإصلاحية الواحدة تلو الأخرى، تأخذ مساحتها في الإعلام والحملات الدعائية ثم تنطفئ ولا يبقى منها سوى حبر على ورق، وتضيع في أدراج الوزارات والمؤسسات الدولية قبل أن يأكلها الغبار وتغرق في النسيان. وآخر هذه الخطط التي نتمنّى لها مصيراً مختلفاً عن كل سابقاتها خطة إصلاح الكهرباء التي أقرّها مجلس الوزراء الأسبوع الفائت.

لن نتوقف عند تفاصيلها التقنية فهي تطرح حلولاً لا يختلف عليها اثنان، مثل ضرورة إنشاء معامل إنتاج جديدة، ومحطات للتغويز، وتتبنّى كثيراً من عناصر الدراسة المعدّة بالشراكة بين البنك الدولي ومؤسسة كهرباء فرنسا، ولن نتوقف عند ما يشوبها من ثغرات أكان في ما يتعلق بطبيعة العقود والشراكات مع مقدّمي الخدمات، أو في ما يتعلق بدقّة جدواها المالية وأسعار الصرف المعتمدة.

فبغضّ النظر عن السلبيات والإيجابيات التي ترافق أي خطة، لا بدّ من طرح السؤال البديهي الأول، والذي يفرض نفسه عند كل خطة إصلاحية أو مشروع استثماري وما أكثرها: من أين سوف يأتي التمويل؟ من أين يأتي تمويل بناء المنشآت وشبكات البنى التحتية والإصلاحات مجمّدة، ومجمّدة معها كل المساعدات والقروض التي أقرّتها المؤتمرات الدولية. هي أيضاً بقيت حبراً على ورق تنتظر إصلاحات لم ترَ النور.

ولأن قطار الإصلاحات لم ينطلق يوماً، كان يستعاض عنه بسياسات الهروب إلى الأمام والاستدانة. فبعدما أقفلت أبواب الصناديق الدولية والعربية، واندثرت الآمال بحكومات الإنقاذ والإصلاح المتعاقبة وشعاراتها البراقة التي زيّنت بياناتها الوزارية، لم يعد متاحاً أمام أهل السلطة سوى القرع على باب مصرف لبنان الذي ما برح يمدّهم بالقروض «الإستثنائية» لتمويل الحلول «الموقتة» بانتظار الإصلاحات والحلول الشاملة.

فمصرف لبنان على عكس المؤسسات الدولية لم يشترط الإصلاحات. كان فقط يتمنّاها، وفقط يكتفي بالحثّ عليها، وعلى طريقة «ببكي وبروح» تنتهي به الأمور وعند كل استحقاق، إلى مدّ حكومات نظام المحاصصة المتتالية بالأموال المطلوبة حتى لو من الإحتياطي لديه، ويعلّل النفس بإصدار البيانات الشكلية المطالبة بالإصلاحات، كما لا يتوانى إن دعت الحاجة عن التذكير، في إطار التبرير، بالظروف «الإستثنائية الخطورة» كما جاء بالمادة 91 من قانون النقد والتسليف.

أما اليوم بعدما نفد المال العام؛ وبعد نفاد المال الخاص وتبخّر الودائع، مصدر سيولة مصرف لبنان الأساسية، وأمام استحالة الإصلاحات الشرط الصارم للتمويل الدولي، يبقى السؤال كيف ستموّل خطة إصلاح الكهرباء؟ حتى الحل الموقت والقاضي باستجرار الغاز والكهرباء من مصر والأردن، وبالرغم من توفر أمواله المرصودة لدى البنك الدولي، ما زال عالقاً في ملفات الصراع في الإقليم والعقوبات الدولية على إيران وحلفائها وما زال عالقاً معه ملف ترسيم الحدود مع إسرائيل.

أبواب التمويل مقفلة، لأن آفاق الحلول في الإقليم مسدودة. لهذا السبب تبقى خطة الكهرباء وغيرها من الأوراق الإصلاحية، مجرد مشاريع مع وقف التنفيذ وأوراق تطرح لتمرير الوقت المقتطع من أعمار اللبنانيين وأرزاقهم.


MISS 3