مايا الخوري

بشارة عطالله: أفضّل مشروعاً جامعاً للفنّ والرسالة

30 آذار 2022

02 : 00

تميّز الفنان بشارة عطالله بمواهب متعددة ما بين التمثيل والرقص وتنسيق الأزياء والإخراج، فقدّم مجموعة من التصاميم المبتكرة حققت له إنتشاراً محلياً وعالمياً. أطلّ أخيراً في دور "روك" في مسلسل "بكيّر" وهو يستعدّ لمجموعة من المشاريع في لبنان وأوروبا. عن مسيرته الفنية ونشاطه المبدع، يتحدث إلى "نداء الوطن".



ممثل، مصمّم أزياء، راقص، مساعد مخرج، مسرحي، سينمائي، متعدد المواهب بأسلوبٍ خاص شكلاً وتعبيراً، كيف إنطلقت في هذا المسار؟


تخصصت بداية في الإدارة العامة والعلوم السياسية في الجامعة الأميركية في بيروت، لكنني إكتشفت رغبتي في إحتراف الفنّ بعدما التحقت بنادي المسرح، وسط معارضة أهلي الذين اعتبروه قطاعاً لا يؤمن مستقبلاً زاهراً في لبنان. بعدها، ومن دون علمهم، تسجّلت في قسم التمثيل والإخراج التابع لمعهد الفنون الجميلة، موازاة مع إستكمال الدراسات العليا في الإدارة العامة. إنما سرعان ما تفرّغت للفن، متخلياً عن الإدارة العامة، لأعمل في مجال التمثيل وتنسيق الأزياء وتصميمها وتصميم الديكور، إضافة إلى مساعد مخرج سينمائي. تعاونت مع المخرج اللبناني فيليب عرقتنجي والمخرج اللبناني الأردني الفلسطيني ركان ميّاسي. كما وقفت على مسارح عدّة للتمثيل والرقص تحت إدارة أساتذتي الجامعيين مثل الأستاذ يعقوب الشدراوي في مسرحية "هنيبعل" التي قدّمناها على مسرح قرطاج. تمكنّت في خلال تلك الأعوام من جمع 10 آلاف قطعة ثياب معتّقة حول العالم، أستخدمها في تصاميم أزيائي.



مع سينتيا كرم




كيف تمكّنت من التنسيق بين تلك المواهب من دون إضاعة هويتك الفنية الخاصة؟


أكسبتني مشاركتي في الأعمال المختلفة مقوّمات فنيّة ساهمت في دعم مسيرتي وتطويرها. إنعكس شغفي في الأزياء والأقمشة والألوان والثياب إيجاباً على مشاريعي منذ دراستي الجامعية. وأعزو التنوّع الذي حققته منذ البداية، إلى قبول العروض المختلفة التي تلقيتها من دون حصرها بالتمثيل، بهدف تأسيس ذاتي وتأمين إستمراريتي في هذا المجال.




...وسمير حبشي



هل تهتمّ شخصياً بتنسيق ملابس شخصياتك؟


يحدّد المخرج أو منسّق الأزياء عادة هذا الموضوع، إنما من الطبيعي أن أضفي شيئاً من ذاتي إلى الشخصيات التي أؤديها، خصوصاً أنهم يدركون إمتلاكي لمجموعة كبيرة من الملابس، أستوحي منها قالب الشخصية التي أؤديها.



مع كارول الحاج




كيف تؤمن الإنتاج والتمويل لتحضير الأزياء والتصاميم والديكور؟


أعمل في كل الأوقات ومن كل قلبي، وفي أي مجال فنّي ممكن أن يخطر إلى البال. إنها الوسيلة الوحيدة للإستمرار في بلدنا المنهك إقتصادياً منذ زمن بعيد. منذ مقاعد الدراسة، عملت في مجالات مختلفة كالإعلام والسينما والمسرح وفي برنامج للأطفال عبر شاشة المستقبل وشاركت في مهرجانات كثيرة، حيث أسست أول فرقة رقص معاصر في لبنان، وكنّا أول من قدّم عرضاً مسرحياً في الهواء الطلق. فأغنت هذه التجارب كلها الفنان بداخلي، ومكّنتني من الإستمرار بغض النظر عن قيمة الإنتاج والمردود المادي، مكتسباً لقب الفنان المتعدد المواهب عن جدارة.





قدّمت مشاريع فنيّة في إطار التوعية على "حقوق الإنسان" و"المرأة والطفل"، فهل تعتبر أن مشاركتك في دور "روك" يصبّ في هذا الإطار؟


فضّلت الإبتعاد عن مجال الإدارة العامة رغم أنه إختصاصي الأساس، لأن إنضمامي إلى مكتب مع مديرين عامين والتواصل مباشرة مع الناس، سيضعني في مواجهة مع الرشاوى والفساد والتبعية، لذلك قررت التغيير من موقع آخر. يتحقق التغيير عبر أشخاص يسعون إلى تطوير القوانين بهدف تحسين أوضاع الإنسان في بلد ما. بات واضحاً أن سياسيي لبنان لا يريدون الإجتهاد من أجل اللبنانيين، فيما يظنّ هؤلاء أنهم شعب فعلي، لكنهم في الحقيقة أفراد يتبعون لرؤساء أحزاب يساعدونهم في مسارهم. برأيي، يصبّ تطوير القوانين في إطار حماية الناس وهذه من أهم وأسمى الأشياء التي تنجزها البلدان. نصّت القوانين كافة عبر العصور على ضرورة أن يعيش الإنسان بكرامة وحرية وفرح. شخصياً، أفضّل المشروع الهادف والجامع ما بين الفنّ والرسالة.





أعمالك الدرامية قليلة، فما ميزة شخصية "روك"؟


صحيح، أنا إنتقائي جداً في أعمالي كافة، أختار ما يضيء على أمور هادفة لتحسين القوانين وتطويرها في ظلّ مجتمع يظنّ البعض فيه أنه يحق للسمكة الكبيرة أن تأكل السمكة الصغيرة من دون قانون رادع. أمّا بالنسبة إلى شخصية "روك"، فحين إجتمعت مع المخرج سمير حبشي وميلاد طوق، أصرّا على أدائي لها، مؤكدين أن أحداً لن يقدّمها كما سأفعل أنا. وهكذا، ما إن قرأت النص حتى وافقت سريعاً. إنه دور شفّاف يعبّر عن رسالة إنسانية، بضرورة الإعتراف بالخطأ وتصحيحه من دون إستخدام العنف. صحح "روك" أخطاءه بمحبة فيما إختار "سمير"، الشخصية التي أدّاها الممثل عمار شلق، طريقاً آخر مبنية على القسوة، فكان مسار الشخصيتين ومصير عائلتيهما في النهاية معاكساً. تحلّ بعض الأمور أحياناً بهدوء وأحياناً أخرى من خلال المسار القانوني، لذا يجب حماية المرأة والطفل والرجل والمثليين وكل فرد في المجتمع من خلال القانون، لأنه يحقّ لأي مواطن العيش بكرامة بغض النظر عن ميوله الفكرية والسياسية والجنسية. برأيي، الفنّ هو الوسيلة الأكثر إستخداماً في العالم للإضاءة على المشكلات الإجتماعية لذا يجب المطالبة دائماً بتطوير القوانين من خلاله بهدف التصحيح.



حققّت ثنائيتك مع سينتيا كرم نجاحاً لافتاً وحضوراً محبباً، ما العناصر التي كرّست هذا النجاح؟


لقاؤنا نووي وساحر منذ لحظة قراءتنا للنص. تتميّز سينتيا بالإنفتاح مثلي على الإقتراحات والسعي من دون تردد لخوض التجارب الجديدة. لقد تبادلنا الحماس، وفاجأنا بعضنا البعض بتعابير وردود فعل عفوية. إلى ذلك منح المخرج سمير حبشي ثنائيتنا الثقة الكاملة مبدياً إهتماماً بوجهات نظرنا في الأداء والتعبير. كانت تجربة جميلة جداً رغم التعب، ورغم المجهود النفسي والجسدي في أثناء التصوير.





ما تفاصيل مسرحية «Cabaret migrant» التي انطلقت من بيروت إلى العالمية؟

نُظّمت 4 ورشات عمل طويلة في بيت الفنان حمّانا مع «collectif kahraba»، حيث تمّ إختيار 7 أشخاص أساسيين من أصل 20، يقدّمون مواد فنية مختلفة، أضيفوا إلى الشخصيات الأربع الأساسية، بإدارة المخرج الفرنسي «إريك دونيو»، الذي يستقر ويعمل في لبنان. إفتتحنا المسرحية في مدينة «رين» الفرنسية ومن ثم «أرا»، وبعدها في المركز الثقافي الفرنسي و»بوردو» وهي مسارح فرنسية وطنية. حققت العروض نجاحاً كبيراً، عكست وجه لبنان الثقافي والفنّي. إذا إستقرّت الأوضاع في أوروبا سنعود مجدداً إلى فرنسا في «أكتوبر» المقبل ونشارك بعدها في مهرجان الخريف في «مدريد».



طالما أنك قادر على العمل في أي بلد أوروبي يقدّر الفنّ والمواهب، لماذا تستقرّ في لبنان؟


بعدما درست اللغة الألمانية للتخصص في السينما في ألمانيا، قررت فجأة أنني إذا أردت النجاح فليكن ذلك في وطني. وجودي في لبنان مهمّ بمقدار وجوده في داخلي. أتحدث دائماً عن لبنان وثرواته الغنية في الفكر والعلم والشباب، وبالجيل الذي سبقنا ومهّد الطريق لنعبّر عن أفكارنا ونطالب بحقوقنا وحقوق غيرنا. من جهة أخرى، كيف يتباهى بعضهم بوطن الرسالة، ووطن الأبجدية، فيما نقف على شفير الهاوية ويمكن لأي عاصفة إسقاطنا، ولا نعلم كيف نشبّث جذورنا في الأرض لنتطلّع نحو السماء؟ لا أفهم هجرة بعضهم في إنتظار إصلاح البلد على يد الذين يضحون بحياتهم في سبيله، وهجرة بعض الذين يظنون أنهم يستطيعون المساعدة من الخارج ودعم الوطن. عانى بعض أصدقائي من إنهيار نفسي بسبب هذه الأوضاع فكان خيار الهجرة هو الأفضل بالنسبة إليه، لذلك لا أحكم على من هاجر.



ملصق مسلسل باب الجحيم



ما مشاريعك المقبلة؟


تلقيت بريداً إلكترونياً من المخرج روي عريضة اللبناني الأصل المستقرّ في فرنسا، يدعوني للتعاون في مشروعه الجديد، وتنسيق أزياء الممثلين في فيلمه القصير الذي سيُصوّر في لبنان. إنطلقت التحضيرات للتصوير هذا الشهر في لبنان، ومن ثمّ يتم التوليف في فرنسا ليجول بعدها على المهرجانات العالمية.


يقدّم لبنان أفضل مبدعيه إلى العالم فكيف تفسّر الإنهيار الذي بلغناه؟


لا ترتكز ثروتنا على المادة، بل على الغنى الفكري والثقافي والدليل إلى ذلك أنه محطّ أنظار المخرجين والفنانين الأجانب الذي ينفّذون أعمالهم عندنا. نحن أغنياء فكرياً إنما دولتنا سارقة. الوزارات عاطلة عن العمل، والنواب صامتون موجّهون من قبل أحزابهم. فيما لا يعرف الشعب كيف ينتخب بوعيٍ، وكيف يقيّم المرشّحين وفق البرنامج الإنتخابي لا وفق الطائفة والحزب والدين. إلى ذلك نحن مجبرون على الإنتخاب وفق دوائر معيّنة بغضّ النظر ما إذا كان هناك مرشّح يحاكي تطلعاتنا، فنضطر أن ننتخب المشروع الأقل ضرراً.


MISS 3