إيمي ماكينون

ما مصير حرب بوتين؟

1 نيسان 2022

المصدر: Foreign Policy

02 : 01

قبل بزوغ فجر يوم 24 شباط، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن تخطيطه لغزو أوكرانيا المجاورة للمرة الثانية، ثم بدأت الصواريخ الروسية تُمطِر المدن الأوكرانية بعد لحظات معدودة، فاندلعت بذلك أكبر حرب برية تشهدها أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية. اضطر الأوكرانيون للهرب من منازلهم وتغيرت معالم أوروبا إلى الأبد منذ ذلك الحين.

سبق وشهدت هذه الحرب تطورات غير متوقعة. راهنت القوات الروسية على تنفيذ هجوم سريع للسيطرة على العاصمة الأوكرانية، كييف، لكنها أصبحت عالقة في هذا الصراع اليوم بسبب قلة الإمدادات الأساسية وتراجع معنويات الجنود، وتشير تقديرات حلف الناتو إلى مقتل أو إصابة أو اعتقال 40 ألف جندي روسي خلال شهر واحد. كذلك، قُتِل سبعة جنرالات روس في ساحة المعركة وفق المصادر الأوكرانية.

قابلت صحيفة "فورين بوليسي" أكثر من 12 مسؤولاً أميركياً وأوروبياً، فضلاً عن محللين عسكريين بارزين وخبراء إقليميين، للاطلاع على تقييمهم لمسار الصراع أو طريقة انتهائه. سارع البعض إلى التأكيد على استحالة توقع مسار الحرب. لا يُجمِع المحللون على وضع أوكرانيا المستقبلي، لكن تتعدد السيناريوهات المحتملة مع بدء الشهر الثاني من الصراع، وقد تشمل النتيجة النهائية خليطاً من التوقعات الواردة أدناه.

مأزق دموي

من المستبعد أن تتمكن روسيا من إنقاذ عمليتها العسكرية، لكن أعلن مسؤول دفاعي أميركي في الأسبوع الماضي أن موسكو تناقش كيفية تأمين إمدادات جديدة وجلب تعزيزات عسكرية مضاعفة، ما قد يزيد صعوبة الهجوم الأوكراني المضاد. يرتفع احتمال أن يسود وضع من المراوحة حيث يعجز الطرفان عن السيطرة على الأراضي لكنهما يحاولان إضعاف الطرف الآخر خلال حرب استنزاف واسعة.

يخشى عدد كبير من المحللين أن تتخذ الحرب منحىً أكثر وحشية وتصبح الاعتداءات في المناطق المدنية أكثر عشوائية، فيما تحاول روسيا إحباط معنويات الأوكرانيين وإجبار البلد على تقديم التنازلات خلال المفاوضات.

في هذا السياق يقول جيم تاونساند، نائب مساعد وزير الدفاع لأوروبا والناتو: "أنا لا أكف عن التفكير بحروب البلقان. لقد شعرنا حينها بأن الحرب لن تنتهي مطلقاً. عند الوصول إلى طريق مسدود، لا يكون أي طرف مستعداً للتحرك إذا كان يشعر بأنه قادر على التفوق أو أنه يحتاج إلى مناورات أخرى لكسب نفوذ إضافي".

لكن ما هو مسار حرب الاســـتنزاف المتوقعة؟ يقول مايكل كوفمـــــان، خبير في شؤون الجيش الروسي من "مركز التحليلات البحرية": "يتوقف مسار الحرب على الظروف القائمة. لقد سمعتُ البعض يقول إن هذه الحرب ستصبّ في مصلحة روسيا لأنها تملك عدداً أكبر من الجنود والمواد. لكن يُرجّح البعض الآخر كفة أوكرانيا لأن عزيمتها أقوى من روسيا ولا تملك موسكو القوات المسلحة اللازمة لاحتلال البلد. هذه العوامل كلها ستؤثر على النتيجة النهائية".



تقسيم أوكرانيا

يوم الأحد الماضي، حذّر الجنرال كيريلو بودانوف، رئيس استخبارات الدفاع الأوكرانية، من احتمال أن تحاول موسكو تقسيم البلد بين أراضٍ محتلة وأخرى غير محتلة وتكرار تجربة الكوريتَين في أوكرانيا.

كذلك، قال مسؤول أوروبي آخر إنه يخشى أن تسقط مدينة "ماريوبول" المحاصرة في جنوب شرق أوكرانيا خلال أسبوع، ما يمنح القوات الروسية موقعاً قوياً قد تستعمله للتوجه شمالاً والتوحّد مع القوات الآتية جنوباً من "خاركيف".

لكن من المتوقع أن تطلق أوكرانيا حركة تمرّد شرسة بدل الاستسلام للمحتلين الروس برأي المسؤولين والخبراء، لا سيما بعد انتهاء حرب محتدمة استُنزِفت خلالها قدرات القوات الروسية بالكامل. كذلك، من المستبعد أن يوافق الرأي العام الأوكراني على أي اتفاق سلام مبكر إذا كان يتخلى عن أجزاء من الأراضي لصالح روسيا، فهو يعتبر النصر نتيجة محتملة اليوم.

قال مسؤول أمني أوروبي مرموق شرط عدم الإفصاح عن هويته: "سبق وترسّخت معالم الدفاع عن الأراضي لدرجة أن يصبح إقناع الناس بالتخلي عن جزء من المساحات أمراً مستحيلاً. لن يحصـل ذلك لأي سبب".

لكن يظن بعض الخبراء أن صفقة مشابهة لطريقة تقسيم أوروبا تاريخياً قد تكون ممكنة، كما حصل في فنلندا في العام 1939 أو البلقان خلال التسعينات.

يوضح جيمس ستافريديس، أميرال متقاعد في البحرية الأميركية وقائد سابق لقوات الولايات المتحدة والناتو في أوروبا: "الجميع سيكرهون هذه النتيجة. لن يتقبّلها بوتين لأنها تعني أنه فشل في السيطرة على البلد كله. ولن يتقبلها الأوكرانيون لأنها تعني أنهم خسروا جزءاً من بلدهم. ولن يتقبلها الغرب لأنه سيضطر لرفع جزء من العقوبات لإتمام الصفقة. لكن هكذا هي المساعي الدبلوماسية، ويصعب تحقيق انتصار كامل حين يكون الخصم مسلّحاً نووياً".

انتصار حاسمأدت الإخفاقات العسكرية المتلاحقة على مر شهر كامل إلى إضعاف زخم روسيا وتسليط الضوء على الشوائب في نوعية قواتها العسكرية وإمداداتها ومعداتها وخدماتها اللوجستية، وهذا ما أوصل بعض خبراء الدفاع والأمن في الغرب إلى استنتاج مفاده أن تحقيق انتصار روسي شامل (أي احتلال أوكرانيا بالكامل وسقوط الحكومة الأوكرانية الموالية للغرب) يبقى مستبعداً.

لكن لا يعني ذلك أن انتصار أوكرانيا الشامل ممكن. أبهر الجيش الأوكراني الخبراء بفضل عزيمته القوية وتكتيكاته اللافتة، لكنه يفتقر إلى الجنود والأسلحة. ولم يثبت بوتين في أي لحظة أن حصيلة الخسائر التي تكبّدها الجيش الروسي أو الكارثة الإنسانية التي سببها هذا الغزو قد تدفع موسكو إلى الانسحاب بالكامل.

يقول سامويل شاراب، خبير في شؤون الأمن الروسي في مؤسسة "راند": "قد يتباطأ مسار الروس أو يعجزون عن إحراز أي تقدّم إضافي، لكنهم لن يتعرضوا لهزيمة عسكرية".

لكن لا يحمل الجميع التشاؤم نفسه بشأن احتمال فوز أوكرانيا. يقول السفير الأميركي السابق في أوكرانيا، ويليام تايلور: "لا يزال الوقت مبكراً لإصدار حُكم نهائي، لكني لا أستبعد هذا الاحتمال. قد يعجز الجيش الروسي عن إصلاح مشاكله الكبرى. لا يمكنني أن أحدّد نسبة دقيقة، لكن يبقى احتمال أن يتعثر الجيش الروسي قائماً".

وفي إشارة إلى حجم الإحباط الذي يجتاح جزءاً من الجنود الروس، ذكرت صحيفة "بوليتيكو" معلومة مأخوذة من مسؤولين غربيين ومفادها أن الجنود هم الذين قتلوا قائدهم الروسي لأنهم غاضبون من زيادة الخسائر في صفوفهم.



اتــــــفــــــاق ســــــلام

قد تواجه حكومة زيلينسكي ضغوطاً متزايدة من الدول الأوروبية الكبرى لإبرام اتفاق سلام إذا تابعت الحرب تأجيج الاضطرابات الاقتصادية العالمية، لا سيما في قطاع الغاز.

يقول مسؤول أمني أوروبي: "نحن نشعر بالقلق من احتمال أن تُكثّف الدول الأوروبية المؤثرة ضغوطها. بدأت هذه الدول تُقيّم نتائج أي تسوية روسية محتملة في مدينة "خيرسون" المتنازع عليها. استولت القوات الروسية على هذه المدينة منذ مرحلة مبكرة من الحرب، وهي تحاول سحق المقاومة الشعبية عبر اللجوء إلى تكتيكات وحشية. تكشف التجارب السابقة أن أي اتفاق سلام وفق الشروط الروسية يعني تكبّد خسائر تفوق عواقب الحرب. هذا ما بدأ يحصل في خيرسون".

لكن يظن عدد من كبار المسؤولين العسكريين السابقين أن روسيا قد تستعمل الأسلحة الكيماوية في ساحة المعركة من باب اليأس نظراً إلى استعداد الجيش لاستهداف المدنيين. من المعروف أن روسيا لا تتردد في استخدام الأسلحة الكيماوية ضد المعارضين، من أمثال زعيم المعارضة ألكسي نافالني، وضد المنشقين في الخارج.

في هذا الإطار يقول جيمس فوغو، أميرال متقاعد كان قد قاد الأسطول السادس من البحرية الأميركية، وهو يرأس اليوم "مركز الاستراتيجية البحرية" في "رابطة البحرية الأميركية": "إذا وصل يأس الروس إلى هذه الدرجة واستمرت خسائرهم في المرحلة المقبلة، قد يكونون أغبياء بما يكفي لاستعمال الأسلحة الكيماوية. قد تتطلب هذه الخطوة رداً أقوى بكثير من الدول الغربية، لكني لستُ متفائلاً بشأن طبيعة هذا الرد المحتمل".

أخيراً، يخشى المسؤولون الأميركيون والأوروبيون أن تلجأ روسيا إلى استعمال الأسلحة النووية منخفضة القوة في أوكرانيا. يستبعد الخبراء هذا السيناريو حتى الآن، لكنهم يؤكدون ضرورة أن يستعد مخططو الدفاع الغربيون لجميع الحالات الطارئة المحتملة. قد يؤدي أي هجوم نووي إلى تغيير مسار الحرب وتعديل الرد الغربي بطريقة جذرية، ما يعني إطلاق الحرب بين حلف الناتو وروسيا.

يوضح مسؤول الدفاع الأوروبي الغربي: "كنا نتحرك في الماضي انطلاقاً من الفرضية القائلة إن بوتين مسؤول منطقي. إذا كان لا يزال يتمسك بحسّه المنطقي، يعني ذلك أن منطقه مختلف جداً عن منطق الغرب".

أما الصدمة الأخيرة التي تستطيع تغيير مسار الحرب جذرياً، فتتعلق باحتمال إسقاط بوتين من السلطة، مع أن معظم الخبراء يعتبرون هذا الاحتمال مستبعداً في المرحلة الراهنة. لطالما كان بوتين يخشى تغيير نظامه وقد حاول طوال سنوات أن يحيط نفسه بفريق من البيروقراطيين والأوليغارشيين الموالين له، ما يعني امتناعهم عن تحدّي سلطته في أي ظرف من الظروف. تبقى أي انتفاضة شعبية واسعة مستبعدة أيضاً برأي المسؤولين والخبراء. أقدمت أجهزة الأمن الروسية على سحق التظاهرات خلال الأيام الأولى التي تلت اندلاع الحرب، واعتقلت حوالى 5 آلاف محتجّ على الحرب. حتى أن الرئيس الروسي قد يواجه ضغوطاً أقوى من داعمي الحرب.

كذلك، حصلت انشقاقات رفيعة المستوى من النخبة الروسية الحاكمة، أبرزها من جانب أناتولي تشوبايس، الإصلاحي المخضرم المعروف من فترة التسعينات، وهو كان مبعوث بوتين في الملف المناخي. ومع ذلك، من المستبعد أن تطلق هذه النخبة انقلاباً حقيقياً.

في النهاية تقول تاتيانا ستانوفايا، باحثة غير مقيمة في "مركز كارنيغي موسكو": "لا أظن أن أحداً في محيط بوتين قد ينقلب ضده. جميع الأشخاص المقربين منه اليوم يحملون العقلية نفسها".


MISS 3