"سمكة" مصنوعة من خلايا قلبية بشرية تسبح مثل قلبٍ نابض

02 : 00

تتنقل هذه السمكة الاصطناعية الغريبة داخل محلول من الملح والغلوكوز بفضل ذيلها المتحرك بإيقاع منتظم من جنبٍ إلى جنب، فتستعمل طاقة موازية لقلب البشر النابض. كذلك، يستطيع نظام الدورة الدموية المصغّر والبارع الذي طوّره علماء من جامعتَي "هارفارد" و"إيموري" متابعة السباحة على وقع ذلك النبض لأكثر من مئة يوم.

يعوّل مخترعو هذا الابتكار على الجهاز الصغير والغريب الذي يشمل خلايا حية من عضلة القلب كانت قد زُرِعت انطلاقاً من خلايا جذعية بشرية.

ويُركّز اختراع هذه السمكة "البيولوجية الهجينة" على ميزتَين تنظيميتَين أساسيتَين في القلب البشري: القدرة على العمل تلقائياً، أي من دون الحاجة إلى مدخلات واعية، ورسائل مشتقة من الحركة الميكانيكية (إشارات كهربائية وآلية). قد تسمح هذه الخصائص للباحثين بتحليل جوانب محددة من أمراض القلب عن قرب.

يقول خبير الهندسة الطبية الحيوية، كيفين كيت باركر، من جامعة "هارفارد": "هدفنا النهائي هو تصميم قلب اصطناعي لاستبدال القلوب المشوّهة لدى الأطفال".

قد يكون اختراع قطعة شبيهة بالقلب إنجازاً كبيراً، لكن من الأصعب طبعاً نقل وظائف القلب إلى الابتكار الجديد. يمكن اعتبار هذه السمكة الآلية المتحركة خطوة كبيرة لتحقيق هذا الهدف، فهي تتكل على أبحاث سابقة كانت قد استعملت عضلات من قلب الفئران لتصنيع مضخة هجينة على شكل قنديل البحر، وكائن "سايبورغ" على شكل سمك الراي اللاسع.

يوضح باركر: "يمكنني أن أبني مجسّماً للقلب عبر استعمال صلصال اللعب، لكن لا يعني ذلك أنني أستطيع اختراع قلب حقيقي. ويمكننا أن نزرع أيضاً بعض خلايا الأورام العشوائية في طبق مخبري إلى أن تتحول إلى كتلة نابضة، فنسمّيها عضويات القلب. لكن لا يستطيع أيٌّ من هذه الابتكارات أن يسترجع الخصائص الفيزيائية للجهاز الذي يخفق لأكثر من مليار مرة خلال حياتنا تزامناً مع إعادة بناء خلاياه. هذا هو التحدي الحقيقي. نحن نحاول السير في هذا الاتجاه تحديداً".

صُمّمت السمكة الهجينة كي تكون مستقلة بفضل طبقتَين من عضلات القلب على كل طرف من زعنفة الذيل، ما يعني أنها تستطيع التحكم بحركاتها بنفسها.

حين يضيق طرف معيّن، يتوسع الطرف الآخر، فتنشط آلية ارتجاعية تجعل الطرف المتمدّد ينقبض ثم تُطلق الآلية نفسها على الطرف الآخر في إطار دورة متواصلة.

هذا النظام من الانقباضات العضلية غير المتزامنة يرتكز على عضلات الطيران لدى الحشرات. ويكون الانحناء الجسدي الحركة الميكانيكية التي تُنشّط الإشارة الكهربائية المسؤولة عن تشكيل القنوات الأيونية في العضلات. ثم تحثّ هذه القنوات العضلات على تكثيف نشاطها أو الانقباض. أدى تعريض هذا النظام لعنصرَي الستربتومايسين والغادولينيوم المعروفَين بتعطيل القنوات الأيونية في العضلات إلى تراجع سرعة السباحة وفك الرابط بين التمطط الميكانيكي وإطلاق الانقباض اللاحق على الطرف الآخر. كما أكدت هذه العملية مشاركة القنوات الأيونية في الانقباضات الإيقاعية.

يقول خبير الهندسة الطبية الحيوية في جامعة "هارفارد"، كيل يونغ لي: "من خلال استعمال الإشارات القلبية الميكانيكية والكهربائية بين طبقتَي العضلات، أعدنا ابتكار الدورة التي يكون فيها الانقباض رداً تلقائياً على تمطط الطرف المعاكس. تسلّط هذه النتائج الضوء على دور الآليات الارتجاعية في مضخات عضلية مثل القلب".

على صعيد آخر، دسّ باركر وزملاؤه نظاماً مشابهاً لجهاز تنظيم ضربات القلب في السمكة الهجينة: إنها مجموعة معزولة من الخلايا التي تتحكم بوتيرة هذه الحركات ودرجة تنسيقها. يوضح المشرف الأول على الدراسة، سونغ جين بارك، وهو باحث في مجال الفيزياء الحيوية: "بسبب الآليتَين الداخليتَين للإيقاع، تستطيع السمكة التي ابتكرناها أن تعيش لوقتٍ أطول وتتحرك بوتيرة أسرع وتسبح بفعالية تفوق التجارب السابقة".

تشبه انقباضات الأنسجة الواسعة سمك الزرد الذي صُمّمت السمكة الهجينة انطلاقاً منه، ما يعني أنها تُحرّك الجهاز الصغير أكثر من الأنظمة الآلية الميكانيكية.

في النهاية، يستنتج باركر: "بدل استعمال تقنيات تصوير القلب كخطة أساسية في هذه العملية، فضّلنا تحديد المبادئ الفيزيائية الحيوية التي تضمن تشغيل القلب، واستعملناها كمعايير لتصميم ابتكارنا وتكرارها داخل نظام على شكل سمكة حية ومتحركة حيث يسهل علينا تقييم نجاح التجربة".

نُشرت نتائج البحث في مجلة "ساينس".


MISS 3