مريم سيف الدين

آثار التعذيب تُغطّي أجساد المُفرج عنهم

عسكر... على المتظاهرين

20 تشرين الأول 2019

01 : 09

أمام ثكنة الحلو وقف أمس أهالي المتظاهرين الذين اعتقلوا ومتضامنون معهم للضغط من أجل إطلاق سراح المعتقلين. فخرج المعتقلون على دفعات وآثار الضرب الوحشي، الذي ارتكبته القوى الأمنية، واضحة على رؤوسهم ووجوههم وأجسادهم. وأكد عدد من المفرج عنهم لـ"نداء الوطن" أنهم تعرضوا للإهانات والتعنيف بعد إلقاء القبض عليهم في منطقة رياض الصلح. كما أكدوا صحة الصورة التي انتشرت ليل أول من أمس حيث اعتقل نحو 44 متظاهراً، وتظهر الصورة متظاهرين معتقلين ملقيّين على الأرض، وأكد بعضهم أنهم تعرضوا للدوس من عناصر الأمن. استفز هذا المشهد أهالي هؤلاء الذين تلاسنوا مع عناصر الدرك الواقفين أمام الثكنة.

أمام "المعتقل" وقف متظاهرون يناشدون بالإفراج الفوري عن جميع المعتقلين ووقف معهم محامون ومتطوعون. بدأ المعتقلون بالخروج تباعاً بينما ناشد المحتجون بالإفراج الفوري عن الجميع، على بعد أمتار من الثكنة عملت مجموعة من المحتجين على إقفال الطريق. "يا عسكر عسكر على مين؟ عسكر على المتظاهرين، عسكر على المديونين"، شعار كرره المحتجون احتجاجاً على اعتقال القوى الأمنية للمتظاهرين وقمعها التظاهرات. "من بيروت لفلسطين بدنا كل المعتقلين" هتاف آخر تقصّد المحتجون إطلاقه لتشبيه ما تقوم به قوى الأمن الداخلي بممارسات جيش الاحتلال الإسرائيلي بحق الفلسطينيين".

قبل خروج المعتقلين كان أهاليهم في انتظارهم. وصلت إحدى الأمهات التي تعرفت الى صورة ابنها الملقى على الأرض مع غيره. هذه الصورة مكّنتها من معرفة مصير ابنها الذي منع كغيره من المعتقلين من التواصل مع أهله لابلاغهم باعتقاله أو حتى الاتصال بمحام، في مخالفة للقانون وانتهاك لحقوق المواطن. فجّرت السيدة غضبها بالقوى الأمنية التي حمّلتها مسؤولية ما حدث لابنها. تقول السيدة لـ "نداء الوطن" إنها وبعد أن رأت صورة ابنها على الأرض ستنزل إلى الشارع للاحتجاج مجدداً.

وفي حديث إلى "نداء الوطن" يؤكد عدد من المفرج عنهم أنه جرى اعتقالهم لمجرد التظاهر من دون القيام بأعمال شغب، وأن القوى الأمنية وبعد اعتقالهم بدأت بضربهم وإهانتهم وتعذيبهم والدوس عليهم، لكن معظمهم يؤكد أنه لم يتعرض للضرب في الثكنة. ويقول أحد المفرج عنهم أن عناصر الأمن وبعد القبض عليه أدخلوه إلى إحدى الغرف في رياض الصلح وتعرضوا له بالضرب المبرح. كلام المفرج عنهم تؤكده آثار الضرب الوحشي المطبوعة على أجسادهم. أحدهم أصيب بالهراوة على عينه ما اضطره لتقطيبها ويروي أن القوى الأمنية منعته من الخضوع للعلاج حتى الصباح، أي بعد ساعات من تعرضه للإصابة. وعلى الرغم من الإصابات والآلام يؤكد هؤلاء أنهم عائدون إلى التظاهر والتعبير عن غضبهم. مشهد الأجساد المدماة أثار الغضب والتوتر في محيط الثكنة. فتوعد بعض الأهالي الغاضبين القوى الأمنية بالانتقام منها لما تسببت به، بينما اكتفى بعضهم بالدعوات التي تعبر عن كمّ القهر.

الموقف القانوني

من الناحية القانونية تشير المحامية ماريانا برو لـ"نداء الوطن" أن بإمكان القوى الأمنية إعتقال من تضبطه وهو يرتكب جرماً، لكن القانون لا يسمح لها باعتقال الناس أثناء التعبير عن رأيهم مهما كان الغضب. "في حال ضبط المتظاهرين وهم يقومون بالتكسير يجري اعتقالهم بطريقة راقية كأي إنسان لا بالترهيب وكأنهم إرهابيون. الأسلوب الذي تم القبض فيه على المتظاهرين مخالف للقانون الذي يناهض التعذيب ويعتبر الكفّ تعذيباً. بينما هنا وإن فقد محتج عينه يعتبرون الأمر عادياً". وترى برو أنه "من المفترض إحالة العناصر الذين اعتقلوا المتظاهرين بهذه الطريقة إلى التحقيق"، محملة وزيرة الداخلية ريا الحسن والقضاء مسؤولية ما حصل، "فقوى الأمن تحت إمرة الوزيرة، كذلك على النيابات العامة أن تتحرك بعد رؤية هذه المشاهد، إذ يحق لها التحرك من تلقاء نفسها عند وقوع أحداث أو أي جرم يمسّ الحق العام، والشعب هو من الحق العام". أما الصورة التي انتشرت أمس الأول، فتستدعي تحقيقاً من قبل المحكمة العسكرية وأن تتحرك النيابة العامة التمييزية، وفق برو.

وعن العقوبة المفترض صدورها في حال الادعاء في موضوع الصورة المهينة التي انتشرت، تقول برو: "في تاريخ لبنان لم يعاقب أحد في موضوع كهذا بسبب الفساد والدولة البوليسية. وتؤكد المحامية حق كل من يتوقف وبالاستناد إلى المادة 47 من أصول المحاكمات الجزائية، الاتصال بأحد أقربائه لإبلاغه وتوكيل محام والتزام الصمت حتى توكيل المحامي، "فلا يجوز اعتقال المتظاهرين وكأنها عمليات خطف".

ووفق المحامي شريف سليمان الذي عمل مع عدد من زملائه على الإفراج عن الموقوفين، جرى اعتقال 13 متظاهراً فجر الجمعة، ووزعوا على فصائل امنية عدة. "أعطى مدعي عام التمييز إشارة بتركهم رهن التحقيق بسند إقامة عند العاشرة من مساء الجمعة، لكننا تفاجأنا بينما كنا بانتظار خروجهم عند الساعة الأولى والنصف ليلاً بوصول 44 متظاهراً جرى اعتقالهم". ولم يفرج عن المجموعة الأولى حتى الثانية عشرة من فجر أمس. وهو ما يعتبره شريف "مماطلة مجحفة وحجز حرية ما يشكل جرماً جزائياً".

وأعلنت قوى الأمن الداخلي الإفراج عن جميع الموقوفين بناءً لإشارة من القضاء المختص، باستثناء شخصَيْن أحدهما بحقه قرار جزائي (غرامة مالية) والتحقيق مع الآخر للإشتباه فيه بجرم مخدرات.


MISS 3