منير يونس

"بناء الدولة القوية ليس ضمن أولويات حركة أمل وحزب لله"

خليل: الاقتصاد ليس أولوية عند الثنائي الشيعي

4 نيسان 2022

02 : 00

حسن خليل

تقدّم الخبير الإقتصادي والمالي حسن أحمد خليل بمبادرة هدفها التهدئة بين المودعين والمصارف، ولتقريب وجهات النظر في ما بينهم وصولًا الى خطاب موحّد في مقابل الدولة. وأكد خليل في حوار مع "نداء الوطن" أنّه يجب وضع حدّ للإستنسابيّة التي يمارسها مصرف لبنان والتعاميم غير القانونية التي يصدرها، مشدّدًا على رفض منح حاكم مصرف لبنان حق التقرير في اللجنة التي نصّ عليها مشروع قانون الكابيتال كونترول لأنّه ملاحق قضائيًا ومسؤول إلى جانب آخرين عمّا وصلت إليه البلاد ماليًا ومصرفيًا ونقديًا. على صعيد آخر، اعتبر خليل أنّ الشأن الإقتصادي ليس أولويّة عند الثنائي الشيعي، لا بل ان بناء الدولة القوية ليس في رأس أولويّات هذا الثنائي. وفي ما يلي نصّ الحوار:



ماذا تتوقع لاستئناف المحادثات بين لبنان وصندوق النقد الدولي؟

لا أتوقع اتفاقاً مع صندوق النقد إلا في ما يسمى عناوين عامة. في لبنان أوضاع غير مسبوقة لم يشهدها الصندوق في اي من دول العالم التي تعثرت، او أعلنت توقفها عن السداد.

وللمثال، فان التعاميم التي أصدرها البنك المركزي خلال الأزمة غير قانونية. السلطة القضائية تعلم ذلك وتسكت عنه لانها تابعة للنفوذ السياسي. يمارس البنك المركزي استنسابية وصلاحيات ليس معطاة له في القانون لا سيما في تحديد سقوف السحوبات في غياب قانون كابيتال كونترول.

حتى القرارات القضائية التي تصدر وتلمح الى وجود سعر صرف رسمي عند 1500 ليرة للدولار هي غير قانونية، إذ ليس في لبنان اي قانون يحدد سعر الصرف. كما أن المصارف تمارس استنسابية ايضاً مثل لجوئها مؤخراً الى اقتطاع 22% من رواتب موطّنة لديها، اقتطاع من دون اي وجه حق. اضافة الى ان الدولار الدفتري في البنوك لا يساوي اكثر من 16% من الدولار الفعلي... وشواذات كثيرة أخرى مثل أن تقول الحكومة والمصارف لصاحب الوديعة بالدولار إنها ستمنحه مقابلها ليرات! والأنكى انهم يضعون البنك المركزي والمصارف أولوية قبل أولوية حقوق المودعين... هذا من الأمثلة التي لم يشهدها صندوق النقد من قبل.

لذا طلب الصندوق اعادة ترتيب الأولويات رافضاً تقديم مصالح المصارف على مصالح المودعين. ففي النطام المصرفي الرأسمالي العالمي حق المودع أولوية قبل أي طرف آخر.

كيف ترى الأزمة المتفاقمة بين المودعين والمصارف؟

تقدمت بمبادرة يفترض ان تدرسها جمعية المصارف، وأخذت لذلك موافقة من الجهات الأمنية المعنية لأنها قلقة جداً من امكانية انهيار الأمن والقانون في لبنان، خصوصاً اذا اقفلت المصارف وعمّ الغضب في الشارع. هل يمكن تصور وضع لا يستطيع الناس فيه الحصول لا على ليرة ولا على دولار؟


إذاً أنت ضد إقفال المصارف ؟

انا ضد ان يقفل القضاء المصارف. مبادرتي هي لتهدئة القضاء والدعاوى القضائية. نعمل على خلق كيمياء معينة بين المودعين والمصارف لتقريب وجهات النظر، او حتى توحيد الخطاب لمفاوضة الدولة، كي لا يعتبر المودع دائماً وأبداً ان المصرف لص ومحتال. إن الضرر الذي يصيب المصارف هو ضرر للمودعين ايضاَ.

لكنك كنت تقول إن المصارف مفلسة... فكيف تعول عليها الآن؟

ما زلت أقول إنها مفلسة. لكن هناك فرقاً بين انها مفلسة وبين ان تعلن افلاسها. على المصارف الاستمرار في أداء عملها. ما من بلد يعمل بلا نظام مصرفي مهما كان.

المصارف فقدت كل شيء تقريباً ما عدا ما تم تهريبه الى الخارج. خسرت كل رساميلها وهذا ما بدأ المصرفيون يعترفون به على الملأ، وامام القاضية غادة عون كذلك الأمر.

يمكن ان نعين لجنة ادارية لكل بنك، او نقول للادارات الحالية استمري بشرط البدء بإعادة بناء الثقة مع المودعين عبر جهود ملموسة لإصلاح ما يمكن اصلاحه. يجب ان يستمر البنك في تسيير أمور الناس، وعلينا منع الانهيار الشامل.

كما على المصارف ممارسة الشفافية مع المودعين وتقول لهم: صحيح أننا اخطأنا في تقييم المخاطر، نحن وثقنا بالبنك المركزي وهو غشنا. اعتقدنا ان أموالنا موجودة لديه وتبين عكس ذلك، أهدر الأموال هو والطبقة السياسية التي رعته.

وعلى المصارف ان تقول للمودعين أيضاً: ما تريدونه منا ليس موجوداً لدينا. يمكن تحميلنا المسؤولية، لكن ما الحل اذا كانت الاموال غير موجودة، ماذا علينا ان نفعل سوياً. انتم فقدتم ودائعكم ونحن فقدنا رساميلنا. تعالوا سوياً نضع خطة او اقتراحات محددة كي نمنع الانهيار الشامل. لأن الباقي في البنك المركزي 8 مليارات دولار فقط. الخطة هي لوقف نزيف هذه المليارات القليلة لعدة اشهر، نعمل خلالها على كيفية اطلاق اقتصاد جديد بالاعتماد ايضاً على الدولارات "الفرش" القادمة من الخارج. اذا وصلنا الى الانهيار الشامل ينقطع وصول الدولارات الطازحة... في هكذا وضع يحصل فلتان غير قابل للتصور. والناس قد تأكل بعضها في الشارع.

ما رأي جمعيات المودعين في ما تطرح من مبادرات؟

جمعيات المودعين تستمع لما اقول. يثقون بي وهذا ما نقلته لجمعية المصارف. وهناك ثقة بنا أيضاً من المحامين رافعي الدعاوى، وليس سراً أني وراء ما يقومون به من مداعاة ومقاضاة لحفظ حقوق المودعين. سنعمل على تهدئة الدعاوى، والهدف النهائي منع استمرار المصارف في إذلال المودعين، وخلق خطاب موحد في فريق موحد في مواجهة الدولة.

هل تؤمن بحسن نية البنوك؟

لا أؤمن بحسن نيتها، لكني اعتبر ان لا خيار أمامها الا ما نطرحه. وعليها عدم الامعان في المكابرة كما يفعل السياسيون.

ماذا بعد حصول الاتفاق الذي تتحدثون عنه بين المودعين والمصارف؟

اذا حصل هذا الاتفاق بين المودعين والمصارف نستطيع التوجه الى الدولة بصوت واحد لنقول لها: لا يمكن الاستمرار في الحديث فقط عن توزيع الخسائر، بل يجب بدء العمل على اعادة تكوين الودائع. ومعنى ذلك عودة الدورة الاقتصادية الى الدوران تدريجياً، وتعود أيضاً القيمة الى الأصول والعقارات التي لا مشترين لها اليوم.. رويداً رويداً تتحسن التسهيلات للمودعين. خلال 10 سنوات يمكن ان تعود الحياة طبيعية بالحد الأدنى. وبذلك يقتنع المودع بأن أمواله الدفترية الآن سيستطيع الحصول على شيء منها أكثر فأكثر تباعاً.

هل يمكن الوثوق بأن الطبقة السياسية القائمة ستقوم بما يجب وصولاً الى ما تحدثت عنه لجهة التعافي التدريجي؟

اذا بقيت هذه الطبقة السياسية على تعنتها بأنها هي او لا أحد غيرها يقرر ما يشاء، وأي شيء يجب أن يمر عبرها إلزاميا لتعبث به كما تشاء... واذا لم يتطوعوا للمضي قدماً في ما يطرح من حلول... فلبنان ذاهب الى الانهيار المالي والاقتصادي الشامل، وانهيار الأمن والقانون.



ماذا تقول للمودع المتجه قريباً الى المشاركة في الانتخابات النيابية؟

من يقترع لأي شخص يعرف جيداً أنه أجرم وأساء الأمانة، فانه يقترع ضد أبنائه وليس ضد نفسه فقط. أولاده سيحاسبونه غداً لا محالة اذا صوت لنفس المنظومة الحاكمة.

على من تضع المسؤولية تاريخياً؟

المسؤولية تقع على كل المجالس النيابية والحكومات المنبثقة منها. حكومات لبنان مجلس نيابي مصغر. والا كيف أقرت كل تلك العجوزات في الموازنات؟

هل لذلك يقال ان الرئيس بري هو رأس المنظومة السياسية والاقتصادية المقررة في لبنان؟

هذه المنظومة لا تنظر الى مصالح الناس، بل همها شبه الوحيد كيفية استمرار نفوذها في الحكم، والمحاصصة على حساب المودعين والمواطنين، وليس هناك بريء من دم هذا الصديق. وفي ما خص "حزب الله"، انا أحيّد المقاومة بلا ادنى شك، لكني لا أحيّد سياسات الحزب الأخرى. ولا اجد لهم تبريراً مقنعاً في ما ينتهجونه خصوصاً لجهة التحالف مع الرئيس بري. ولا أعلم مَن يستخدم مَن في الثنائي.

كيف تصف البيت الشيعي الذي يريدون الحفاظ عليه لتبرير التحالف بينهما ؟

الحزب يعتبر ان الرئيس بري يناسبه والعكس صحيح. ستكشف الايام من هو على حق ومَن كان يستخدم مَن.



ما تأثير الثنائي الشيعي في الاقتصاد وأزمته وكيفيه إنعاشه من جديد؟

الاقتصاد يقبع في آخر أولويات الثنائي الشيعي. لا بل ان بناء الدولة هو آخر أولوية لدى الثنائي. حاولت سنوات طويلة ان اشرح لهم ان افضل ضمان للبيئة الحاضنة للمقاومة هي الدولة القوية، لكنهم لا يعترفون بذلك.

هناك في الثنائي من يعتبر انه يستحيل اصلاح هذه الدولة. ويضعون المقاومة في رأس أولوياتهم فقط. اما انا فأقول إن الاخلال ببناء الدولة هو أكبر ضعف للمقاومة.

واسألهم: هل الوضع الاقتصادي للبيئة الحاضنة للمقاومة جيد اليوم مع هذه الأزمة الخانقة؟ هل هذه البيئة تدعم المقاومة بشكل افضل اذا كانت ضعيفة وفقيرة او اذا كانت قوية ومنتعشة اقتصادياً في دولة قوية؟ عليهم الاختيار!


حذارِ من اللجنة الواردة في مشروع الكابيتال كونترول

عن مشروع قانون الكابيتال كونترول، يقول حسن خليل: لا يمكن الموافقة على بنود تفتح باب الاستنسابية امام لجنة تعزز صلاحيات حاكم البنك المركزي المطلوب الى التحقيق في 8 دول. كيف يمكن اعطاء شخص ملاحق قضائياً حق حل خلاف مع مصدّر او مستورد على سبيل المثال لا الحصر. والى جانبه في تلك اللجنة هناك وزير مالية اسمه يوسف خليل ورئيس حكومة اسمه نجيب ميقاتي... لا يمكن وضع صلاحيات الاستنسابية بيد حكومة بعض رموزها مسؤول عن الوضع الذي وصلنا اليه.

ومن الأسئلة أيضاً، كيف يمكن اعطاء صلاحيات لمن أساء الأمانة ومنحه حق التقرير في ما تبقى من عملات أجنبية؟ هذه جريمة اخرى تضاف الى الجرائم السابقة. هل نوافق على صلاحيات لحاكم مصرف لبنان لاستكمال ما اقترفته يداه وندعه يتصرف بنحو 8 مليارات دولار هي الاموال الباقية لديه في ما تبقى من الاحتياط؟ كما لا يعقل القبول بمشروع يفصل بين دولارات جديدة ودولارات قديمة.

الاصل في الكابيتال كونترول هو منع خروج الاموال الا في ما يتعلق بالضرورات القصوى.، وأي لغط أو التباس في حالة معينة سيعود للجنة التقرير فيهما. ما يعني جعل المعنيين بالاعمال وغيرهم أسرى نفوذ الطبقة السياسية التي تعفي من تشاء وتعاقب من تشاء من معارضيها.

كل الدول التي اعتمدت الكابيتال كونترول بالاتفاق مع صندوق النقد نفذته مصحوباً بخطة تفصيلية ترسم طريق الخروج من الأزمة. أما المعنيون لدينا في لبنان فلا يضعون المشاريع ويقرونها الا بما يضمن بقاءهم في الحكم. ولا يعبأون بأي خطة انعاش مالي واقتصادي تفصيلية، ولا يكترثون لأي خطة تعيد اطلاق الانتاج اللبناني.

لا أهمية كبيرة لمليارات الصندوق

يؤكد حسن خليل أن لا اهمية كبيرة للمليارات القليلة التي سيقرضها صندوق النقد الدولي للبنان، بل تكمن الأهمية في ان الصندوق سيصادق على ان ما نقوم به هو في الطريق الصحيح. نكسب معه مصداقية، وتحصل صدمة ايجابية فيعود تدفق الاموال والاستثمارات الى لبنان كما في السابق، مع انحسار الخوف تدريجياً وصولاً إلى الاطمئنان.