مايكل ويس

روسيا تتهرب من العقوبات عبر تقديم القروض لسوريا

9 نيسان 2022

المصدر: newslines magazine

02 : 05

حصلت صحيفة "نيو لاينز" الأميركية على وثائق مسرّبة تكشف أن الاتحاد الروسي قدّم قرضَين بقيمة مليار دولار إلى سوريا شرط أن تُستعمَل هذه الأموال حصراً لدفع المال إلى شركات روسية محددة خلال مهلة ستة أشهر، على أن تُفرَض عقوبات على أي أموال غير مستعملة بعد هذه المهلة.

تشمل الشركات الروسية الواردة في الاتفاق كيانات يملكها الأوليغارشيان جينادي تيمشينكو ويفغيني بريغوجين، علماً أن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة كانا قد فرضا العقوبات عليهما بسبب دورهما في تسهيل شنّ الحرب على أوكرانيا. كذلك تورطت "مجموعة فاغنر"، التي تتألف من مرتزقة ويديرها بريغوجين، في انتهاكات فاضحة لحقوق الإنسان وجرائم ضد الإنسانية في سوريا، بما في ذلك تعذيب وتشويه عنصر فار من الجيش السوري.

تذكر الوثائق نفسها أن الشركات التي يسيطر عليها تيمشينكو وبريغوجين كانت مُصمّمة لكسب أرباح طائلة من القروض، ما يثبت أن الجانب الروسي ابتكر هذه الأداة على الأرجح للتهرب من العقوبات، وربما بدأ يستعملها منذ الآن لتحقيق غايته.

تعجز سوريا اليوم عن تأمين أبسط السلع، لا سيما المواد الغذائية والوقود من السوق الدولية، نتيجة خليط من العقوبات الدولية، والجفاف، وانهيار العملة المحلية، وتلاشي الاحتياطيات الأجنبية، واستمرار الحرب منذ 11 سنة. اتكل هذا البلد على واردات النفط من إيران ومشتريات القمح من روسيا، ولم يجد خيارات أخرى كثيرة لتلبية حجم الطلب المحلي. يقول المصدر الذي سمح للصحيفة بالاطلاع على الوثائق المسرّبة إن هذا الوضع جعل الجانب السوري مُحبَطاً ومُهاناً في تعاملاته مع روسيا بموجب هذا الاتفاق. بحسب قوله، تابع الروس إحداث التعديلات في الاتفاق حتى اللحظة الأخيرة، حين كان الوفد السوري في طريقه إلى موسكو للتوقيع عليه.

ينص اتفاق القروض على تأمين أهم السلع، مثل القمح والبنزين والمازوت للتدفئة. تحمّل السوريون نقصاً حاداً خلال البرد القارس وانتظروا في طوابير طويلة على محطات البنزين.

كذلك، تُهدّد أزمة الخبز المستمرة بدفع البلد إلى شفير المجاعة، لا سيما في ظل تدهور الظروف المناخية وتلاحق حرائق الغابات بسبب الحرّ المفرط والجفاف الحاد خلال أشهر الصيف. احترقت مساحات شاسعة من حقول القمح خلال هذه الحرائق في آخر سنتين، وشهدت سوريا في السنة الماضية أدنى مستويات إنتاج القمح منذ خمسين سنة، وفق أرقام منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، ما أدى إلى زيادة اتكال سوريا على روسيا لتأمين الخبز.

لكن لم تصل كميات القمح الروسي الموعودة في الوقت المتوقع وفق المصدر نفسه، فقد بقيت بنود معينة بشأن تأمينها عالقة طوال أشهر بسبب غياب التوقيع المناسب من الجانب الروسي، وتباطُؤ الروس عمداً في التوقيع على الاتفاق. كذلك، تبقى نوعية القمح الروسي والسلع الروسية الأخرى أقل مستوى من المعايير الدولية.

كان نظام الأسد وحلفاؤه الروس قد شاركوا في تدمير البنية التحتية المحلية على مر سنوات من القصف الجوي، فضلاً عن حرق حقول القمح في بعض أجزاء البلد عندما بلغت الحرب ذروتها وحاصر نظام الأسد مناطق الثوار التي كانت تشمل حينها ملايين المدنيين.

شمل الملف الذي اطلعت عليه صحيفة "نيو لاينز" أيضاً تعديلاً لهذا الاتفاق، تم توقيعه في آب 2021، وهو ينصّ على تمديد المهلة النهائية التي تملكها سوريا لاستعمال قرض التصدير لسنة واحدة وتخفيض قيمته إلى 555 مليون دولار. لم يتّضح بعد ما إذا كان هذا التعديل ينجم عن فشل روسيا المزعوم في تسليم السلع والخدمات كما يقول المصدر المطّلع على هذه الصفقة.

بالإضافة إلى القمح والوقود، شمل الملف المُسرّب لائحة فيها سلع أخرى مثل السكر، وعلف الدجاج، وكميات من الأدوية، والمستلزمات الطبية، وقطع غيار لمولدات الكهرباء.

لا يشمل الاتفاق أي مرجع حول أسعار السلع والخدمات التي تقدّمها روسيا إلى سوريا. ينص الاتفاق على ضرورة تسعير المنتجات كلّها بالدولار الأميركي، لكن يُفترض أن تُدفَع القروض بالروبل أو اليورو، بحسب سعر الصرف الرسمي الذي يحدده البنك المركزي الروسي.

يشمل الاتفاق أيضاً قرضاً تمويلياً بقيمة 300 مليون دولار وقائمة بأسماء الشركات الروسية باعتبارها المستفيدة الوحيدة من تسديد هذا القرض. لم تُذكَر أي معلومات خطّية أخرى حول السلع والخدمات التي تتلقاها سوريا عبر هذه الشركات، لكن يوضح المصدر السري أن الهدف الفعلي من الدفع هو تصفية ديون سوريا أو التزاماتها تجاه هذه الشركات. يتعلق جزء من الديون بسلع وخدمات قدّمتها روسيا في العام 2004.

كذلك، شمل التعديل في آب 2021 تغيرات في القرض التمويلي، فتراجعت قيمته إلى 145 مليون دولار تقريباً وأُضيفت شركات أخرى إلى قائمة المتلقين الروس، منها شركات روسية مملوكة للدولة مثل Rosoboronexport (وكالة متخصصة باستيراد وتصدير الأسلحة وبالتكنولوجيا ذات الاستخدام المزدوج)، ومكتب تصميم الأدوات KBP المتخصص بالذخائر الدقيقة وأنظمة الدفاع الجوي، وشركة Vodstroy التي تُنسّق مشاريع البنية التحتية في سوريا. كانت شركتا Rosoboronexport وKBP قد تعرّضتا للعقوبات الأميركية منذ العام 2014، وقد أفلست Vodstroy في تشرين الأول 2021.

يخضع اثنان من المستفيدين الروس الآخرين للعقوبات الأميركية، وهما شركتان من القطاع الخاص:Evro Polis وSTG Engineering.

تُعتبر Evro Polis واحدة من الشركات المتعددة التي يملكها بريغوجين، حليف بوتين المقرّب. هو معروف باسم "طبّاخ بوتين"، وقد بدأ مسيرته في "سانت بطرسبرغ" كمالك مطعم، ثم أسّس إمبراطورية في قطاع الطعام وكان يقدّم خدماته للكرملين والجيش الروسي.

اتُّهِم بريغوجين بالتورط في نشاطات جهاز المخابرات العسكرية الروسية عن طريق "مجموعة فاغنر"، وهي شركة عسكرية خاصة كانت قد نشرت عناصرها في أوكرانيا، وسوريا، وليبيا، وجمهورية أفريقيا الوسطى. وفق تقارير صحفية جديدة، انتشر حوالى ألف عنصر من مجموعة "فاغنر" في أوكرانيا لدعم حملة بوتين العسكرية المتعثرة هناك.

لم تكن نشاطات "مجموعة فاغنر" في سوريا تخلو من الحوافز المربحة. وعدت دمشق شركة Evro Polis بمنحها 25% من مجموع الإيرادات الاستخراجية من حقول الطاقة التي استرجعتها من تنظيم "الدولة الإسلامية". في العام 2018، شارك عدد من مرتزقة "فاغنر" في عملية انتحارية ضد معمل "كونوكو" للغاز الذي يحظى بحماية أميركية في دير الزور، شرقي سوريا. لكن عادت الطائرات والمروحيات الحربية الأميركية وقضت عليهم جميعاً.

كذلك، موّل بريغوجين "وكالة أبحاث الإنترنت" المعروفة على نطاق واسع باسم "مزرعة التصيّد"، وهي واحدة من جهات عدة كانت مسؤولة عن التدخل الروسي في الانتخابات الرئاسية الأميركية في العام 2016، وشاركت في عمليات مؤثرة وسرية في أنحاء أوروبا عبر استعمال عدد كبير من العملاء الناشطين في "المكتب الخلفي" التابع له في "سانت بطرسبرغ".

يواجه بريغوجين اتهامات جنائية في الولايات المتحدة، وتخضع شركاته أيضاً لعقوبات من واشنطن والاتحاد الأوروبي بسبب تدخلها في الانتخابات، ومشاركتها في حملات التضليل، ودورها في حرب أوكرانيا، وروابطها مع النظام السوري.

يقول غافين وايلد، المدير السابق لمجلس الأمن القومي لشؤون روسيا والبلطيق والقوقاز في إدارة ترامب، إن هذه القروض تثبت "الرابط بين التهرب من العقوبات، والجشع المحض، واستمرار النزعة التي أتقنها بريغوجين على ما يبدو لصالح الكرملين، أي استغلال موارد الدول الغارقة في الحرب، حيث يعجز المواطنون عن تحمّل كلفتها، أو حتى استعمارها مباشرةً.

على صعيد آخر، يملك تيمشينكو شركة STG Engineering، وهو ملياردير وصديق شخصي قديم لبوتين. بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، انتقل تيمشينكو إلى فنلندا للعمل مع شركة Urals Finland Oy المتخصصة باستيراد النفط الروسي، ثم أصبح رئيسها التنفيذي. في العام 2000، أسّس تيمشينكو شركة Gunvor Group، بالشراكة مع رجل الأعمال السويدي توربيون تورنكفيست، وسرعان ما أصبحت هذه المجموعة أكبر تاجر للسلع المستقلة في العالم. وفي العام 2014، واستباقاً للعقوبات الأميركية بعد إقدام روسيا على ضم شبه جزيرة القرم، باع تيمشينكو حصته بأقل من قيمتها الحقيقية إلى تورنكفيست. وفي العام 2007، أسّس الشركة الاستثمارية Volga Group التي تملك 23% من أسهم شركة الغاز الطبيعي Novatek، ثاني أكبر مُنتِج للغاز في روسيا.

تعرّض تيمشينكو للعقوبات الغربية بعد ضم شبه جزيرة القرم في العام 2014 وبعد غزو روسيا أوكرانيا في العام 2022. لم تطرح الوثيقة المُعدّلة أي تفسير أو توضيح إضافي حول طبيعة المدفوعات المطلوبة من سوريا إلى الشركات الواردة في القائمة.

يجب أن يُسدَّد القرضان خلال مهلة عشر سنوات على شكل أقساط نصف سنوية (القسط الأول في 15 نيسان، والثاني في 15 تشرين الأول من كل سنة)، على أن يبلغ معدل الفائدة 1.5% في السنة الأولى، ثم 1.75% في السنة الثانية، ثم 2% في السنة الثالثة، وصولاً إلى 8% في العام 2033.

لم يشمل الملف المُسرّب أي وثائق حول كمية الأموال التي تلقتها الشركات الروسية حتى الآن، إذا وُجِدت، لكن صرّح مصدر المعلومات السرية لصحيفة "نيو لاينز" بأن شركة KBP سبق وتلقّت 25 مليون دولار "على الأقل"، وEvro Polis55 مليون دولار، وSTG Engineering 20 مليون دولار.

أخيراً يقول دان فرايد، مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق لشؤون أوروبا وأوراسيا ومهندس العقوبات ضد روسيا في عهد باراك أوباما: "كانت المحاولات الروسية للتهرب من العقوبات متوقعة. ونظراً إلى نطاق العقوبات المفروضة أصلاً على سوريا، من الأفضل أن تراجع الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي المجموعة الكاملة من محاولات التحايل على العقوبات كتلك التي يعكسها هذا الاتفاق تمهيداً لملاحقة شركات الطرف الثالث المتورطة في هذه النشاطات".


MISS 3