شربل داغر

الكتابة القلقة والثور الهائج

11 نيسان 2022

01 : 59

أكتبُ في ما أفكر. أفكرُ في ما أكتب.

هاتان عمليتان مشتركتان ومنفصلتان، لكنهما تندمجان في حاصل الكتاب، او المقال.

هذا ما أنتبهُ إليه، إذ أعيد قراءة ما كتبتُ، بعد تباعد المسافة الزمنية بيني وبينه.

هذا قد يُتعب القارئ في القراءة، لكنني أتحقق من كون فكرة الكتاب ليست بينة تماماً، إذ لا يتم التمييز تماماً بين القول والكتاب.

هذا ما يصيب قراء و... كتاباً كذلك. وما يغيب، في هذه الأحوال، هو أن الكتابة صناعة (بمعنى العلم قديماً)، وخبرة (أو الدربة، كما كانوا يكتبون عنها).

فلكتابة البحث شروطها، ولكتابة الإبداع شروطها بدورها. غير أنني أنظر إلى الكتابة، ولا سيما الإبداعية، بوصفها معركة، ولكن بالسلاح الأبيض (إذا جاز القول).

هي معركة غير متاحة، ولا مأمونة، مثل الفارس الإسباني مع الثور الهائج: له أن يغلبه، بخبرته المتراكمة، بأدواته وحركاته وتنقلاته، وإلا فإن الثور سيهزمه بالضرورة.

غير ذلك، غير المواجهة، تكون الكتابة استعادةً لما سبق، وترتيباً لما قيل، والتفرج على مصارعة الثيران في فيديو مسجل.

هناك من يٌقبل على الكتابة مثل من يستعد صاغراً ومنتشياً (في الوقت عينه)، للوقوف في صفٍّ متتابعٍ مع سابقِيه، على اساس أن الانضمام إلى هذا المجموع يَقِيه مخاوف الإقبال على كتابة ستكون خطرة...

قال لي الكاتب التركي الراحل يشار كمال، في لقاء بعيد: "أتقدمُ (في الكتابة)، في اتجاهِ ما يخيفني"، وهو ما لا أتوانى عن التفكير فيه. الكاتب الراحل كان أقرب، في هيئته، قبل كتبه، إلى مصارع، إلى فلاح من أناطوليا، ويهوى قلبَ الأرض وحرثَها، في أثلام، في سطور. ذلك ان المصارع يَقتل (قبل الحيوان) الخوف الذي فيه، مثلما الفلاح يقلع جذور الموات التي في الأرض، لكي يبذر.


MISS 3