د. ميشال الشماعي

المواجهة السياسيّة هي التي ستكرّس لبنان الجديد

14 نيسان 2022

02 : 00

لا يمكن بعد اليوم الطلب ممّن يملك الوسائل القديمة بأن يقدّم شيئاً جديداً بالوسائل نفسها. فما كان صالحاً، وبرغم عدم صوابيّته، في تسعينات القرن الماضي ما عاد صائباً ولا صالحاً اليوم. فالأسلوب السوري بالتعاطي مع الأفرقاء السياسيّين لا يمشي اليوم. وقد سقط مع مرور الزمن. كيف ستتمكّن القوّات اللبنانية كحزب سياسي من إرساء العمل السياسي وسيلةً للمنافسة السياسية والعمل الوطني في بلدٍ عُوِّدَتِ النّاسُ فيه على منطق القوّة وغلَبَةِ السلاحِ غير الشرعي وسلطة الوصاية والاحتلال؟

نجح حزب القوات اللبنانية في مشهديّة الانتخابات النيابية المرتقبة في أيّار القادم بإرساء حقبة جديدة من العمل السياسي تقوم على قاعدة العمل وفق برنامج إنتخابي يستمدّ مشروعيّته من مطالب الناس، ويراعي هواجسهم، ويلبّي طموحاتهم.

يبدو أنّ المرحلة المقبلة سياسياً على حماوتها، لن تكون إلا على قدر طموح كلّ الذين وضعوا وسيضعون ثقتهم بالقوّات ونهجها السياسي عبر تصويتهم للوائح المدعومة قوّاتيّاً؛ وذلك لأنّ هذا الحزب نجح بإقناع النّاس بأنّ المنافسة اليوم ليست على مقعد نيابي من هنا أو كرسيّ من هناك، بل هي رؤية كاملة متكاملة حول أيّ وطن نريد. هنا تكمن الإشكاليّة التي تحملها هذه الانتخابات في طيّاتها. فهي منافسة بين مشروعين، كلّ منهما يحمل لبنان الذي يراه وفقًا لمشاريعه. وما يميّز هذين المشروعين بعضهما عن بعض هو الولاء. فمشروع «حزب الله» وحلفائه لا يدين بالولاء للجمهوريّة اللبنانيّة بل للجمهوريّة الإسلاميّة في إيران. ولا نخفي شيئاً إن جاهرنا بذلك لأنّ الأمين العام لـ»حزب الله» الذي يتزعّم هذا المشروع هو بنفسه قد صرّح بذلك. أمّأ مشروع القوّات فلم يكن يوماً إلا مشروعاً سياديّاً كيانيّاً وطنيّاً بامتياز، منذ أن كان حزب القوّات مقاومة لبنانيّة - وما زال- وحتّى لحظة دخوله في صلب العمل السياسي.

وهذه هي الأهمية التي توليها القوات للعملية الانتخابية بوصفها السبيل الوحيد المتبقي اليوم لإنقاذ ما تبقى من الجمهورية. وتصرّ القوات كحزب سياسي على رفع مستوى المواجهة وحصرها في الإطار السياسي. وهذا ما لم يعتَدْ عليه خصوم القوّات السياسيّون، وأوّلهم «حزب الله» الذي بدأ كعادته بشيطنة القوّات وربط التصويت لها بالتصويت لأميركا. ومَن يسمع خطاب «حزب الله» اليوم يظنّ للوهلة الأولى بأنّه حزب محض لبنانيّ، وهو المعترف أمينه العام بولائه وانتمائه للجمهورية الاسلامية في إيران. وما بين الولاء والعمَالة شعرة لا يقطعها الحزب. بينما القوّات اللبنانية في تاريخها كلّه لم تكن يوماً إلا حزباً لبنانيّاً أصيلاً، تربطها علاقات سياسية مع كلّ الدول والكيانات السياسيّة في العالم، على قاعدة الاحترام المتبادَل.

فعملية الشيطنة هذه مصحوبة بأسطوانة العمالة مردودة إلى مطلقيها.

من هنا، على اللبنانيّين أن يعتادوا من الآن فصاعداً على العمل السياسي وفق القواعد السياسية المرعيّة الاجراء؛ لا أن تتحوّل المواجهة السياسيّة إلى مواجهة ميدانيّة، قد تترجم أحياناً بصراعاتٍ دمويّة. ولعلّ هذا ما تحاول القوات اليوم كحزب سياسي أن تثبّته في الأذهان من خلال عملها وفق الأجندات والبرامج السياسية الوطنية. ولا يجوز لـ»حزب الله أو لغيره العزف على وتر التوتير الطائفي، ولا العمالة لإسرائيل والغرب وأميركا، ولا تكفير الخصوم دينيّاً. فهذه موضة بالية باتت غير مجدية ولا تنطلي على الأفهام والعقول النيّرة. أمّا مَن يعشْ في الظلامِ فسيبقى بين القبورِ ملكاً، لا أكثر.

خلاصة القول، مشروعان يتواجهان اليوم في لبنان: مشروع يحمل ثقافة الحياة ومشروع يحمل ثقافة الموت. وعلى اللبنانيين أن يحسنوا الاختيار في خياراتهم هذه المرّة. فالخطأ ممنوع. لا سيما وأنّ نسبة تطيير الانتخابات، أو حتّى تأجيلها باتت منخفضة، ويبدو أن استعدادات الأفرقاء كلّهم تنبئ بأنّها ستكون مصيريّة بالنسبة إلى وجه ووجهة لبنان الكيانيَّين. ويبدو أنّ القوّات نجح كحزب سياسي في أخذ المواجهة إلى الساحة السياسيّة حيثما يجب أن تكون أساساً، وهنا تكمن أهميّة هذا التوجّه. يبقى أنّ فعاليّة المواجهة السياسيّة هي الأمضى والأفعل من أيّ مواجهة أخرى لذلك لن يألو جهداً الفريق المناهض للخطّ السيادي بأن يأخذ هذا الفريق إلى المواجهة الميدانيّة التي يبرع فيها. فهل سينجح بذلك ليثبت مشروعه دستوريّاً؟ أم أنّ المواجهة السياسيّة هي التي ستكرّس لبنان الجديد؟


MISS 3