محمد بسام كبارة

مشروع قانون الـ"كابيتال كونترول"... مثالب تحدّ من تنفيذ أهدافه

15 نيسان 2022

02 : 00

بعد الاطلاع عن كثب على نص مشروع قانون الـ"كابيتال كونترول" تبين وجود مثالب تقنية بالصياغة تؤدي إلى تشتيت الهدف منه المتمثل بما توصلت إليه السلطات اللبنانية، وفريق عمل صندوق النقد الدولي، تحت عنوان "اتفاق على مستوى طاقم العمل" والذي يرمي إلى وضع سياسات اقتصادية شاملة يمكن دعمها لفترة 46 شهراً، تتمثل في المفاهيم التالية:

تتفهّم السلطات الحاجة إلى الشروع في الإصلاحات في أسرع وقت ممكن، ووافقت على استكمال الإجراءات التالية قبل عرض الأمر على مجلس إدارة صندوق النقد الدولي:

1 - موافقة مجلس الوزراء على استراتيجية إعادة هيكلة المصارف التي تعترف وتعالج مقدماً خسائر كبيرة في القطاع، فيما ستعمل على حماية صغار المودعين والحدّ من اللجوء إلى الموارد العامة.

2 - موافقة البرلمان على تشريع مناسب للمعالجة الطارئة في القطاع المصرفي المطلوبة بشدة من أجل تنفيذ استراتيجية إعادة هيكلة المصارف وإطلاق عملية استعادة صحّة القطاع المالي، وهو أمر أساسي لدعم النمو،(مشروع قانون الـ"كابيتال كونترول").

3 - الشروع في تقييم مدعوم خارجياً لكل بنك على حدة لأكبر 14 بنكاً من خلال توقيع الشروط المرجعية مع شركة دولية مرموقة. (اعادة هيكلة المصارف ).

4 - موافقة البرلمان على مراجعة قانون السرية المصرفية لجعله يتماشى مع القانون الدولي ومعايير محاربة الفساد وإزالة العوائق أمام هيكلة فعالة للقطاع المصرفي والرقابة عليه، وعلى إدارة الضرائب، والتحقيق في الجرائم المالية، واسترداد الأصول. (التدقيق الجنائي ).

5 - إتمام التدقيق في وضع الأصول الأجنبية لمصرف لبنان لبدء تحسين شفافية هذه المؤسسة الرئيسية.

6 - موافقة مجلس الوزراء على استراتيجية متوسّطة المدى لإعادة هيكلة المالية العامة والديون المطلوبة لاستعادة القدرة على تحمل الديون، وغرس الصدقية في السياسات الاقتصادية وخلق حيّز مالي و/أو الإنفاق الاجتماعي وإعادة الإعمار الإضافي. ( تمويل دولي).

7 - موافقة مجلس النواب على موازنة 2022 لبدء استعادة المساءلة المالية.

8- توحيد مصرف لبنان أسعار الصرف لعمليات الحساب الجاري المصرّح بها، والتي هي أمر بالغ الأهمية لتعزيز النشاط الاقتصادي، واستعادة الصدقية والقدرة الخارجية، والإرادة يتم دعمها من خلال تطبيق ضوابط رسمية على رأس المال. (استقرار اقتصادي، مالي، واجتماعي).

الأسباب الموجبة لمشروع القانون

إن ما ساقه مشروع القانون من أسباب موجبة تتلخص بما يلي:

1 - مساهمته في إعادة الإستقرار المالي.

2 - تثبيت قدرة المصارف على الإستمرار.

3 - إستئناف العمليات المالية.

4 - إدخال ضوابط على عمليات التحاويل المصرفية الى الخارج.

5 - وضع استثناءات على التحاويل الى العملات الأجنبية وعلى السحوبات المحلية النقدية.

6 - صياغة شفافة لمنع مزيد من تدهور سعر الصرف.

7 - حماية إحتياطي البنك المركزي بالعملات الأجنبية.

8 - استعادة السيولة في القطاع المصرفي.

9 - حماية المودعين.

كل تلك الإهداف والأسباب الموجبة، لم يشفع لمشروع القانون أن يكون على مستوى الأهداف والحدث.

إذ بعد مراجعة مشروع القانون وجدنا مثالب عديدة تحدّ من تنفيذ المراحل الأساسية لوضع السياسات الاقتصادية التي أشار إليها فريق عمل صندوق النقد الدولي. وكذلك وجدنا عقبات تحدّ من قدرة المشروع على وضع ضوابط على السحوبات والتحاويل بشكل إستثنائي لمنع تسيب المصارف إستنسابياً بهذا الصدد لأنه كان غير مستند إلى مسوغ قانوني مما أدى الى هروب رؤوس أموال إضافية الى الخارج (الأسباب الموجبة).

مثالب الصياغة القانونية

جاءت التعاريف ملتبسة وغير دقيقة، ولم تعتمد في متن المواد التي أشارت الى عبارات تختلف عن التعاريف وعلى سبيل المثال:

1 - تعريف الوسطاء المعتمدون

لم يعتمد التعريف، في الفقرة 11ب من المادة الثانية. بحيث فهم أن الوسطاء المعتمدون يمكن أن يودع لديهم أموال الغير، المادة الخامسة فقرة 1 حيث أعيد اجتزاء تعريف لهم يجب حذفه.

2 - تعريف الحساب المصرفي

استعملت عبارة الحساب الجاري بدلاً عن عبارة الحساب المصرفي المعرفة، وذلك في الفقرة 15 من المادة الثانية، المادة الرابعة، المادة الخامسة فقرة 4 ف. والمادة السابعة فقرة 31، والمادة 216.

كما شمل معنى الحساب المصرفي "الأموال الجديدة" المعرفة بالفقرة 17 من المادة الثانية. من دون تحديد زمني لوقت فتح الحساب المصرفي للأموال الجديدة، مما يؤدي الى بلبلة في التطبيق.

3 - تعريف كلمة "العميل"

لم تستعمل العبارة في نص المشروع (مثلاً المادة الحادية عشرة، والمادة 6|فقرة 3 حيث استعملت كلمة "كل فرد" و"كل شخص طبيعي أو معنوي"، سوى في المادة 55. مما يقتضي تصحيحه.

4 - العملة الوطنية

لم يشمل التعريف الأموال بالعملة اللبنانية المودعة لدى الوسطاء المعتمدين المسموح لهم بذلك (الفقرة 11ب).

حركة التحاويل إلى الخارج وحركة رأس المال عبر الحدود وعمليات نقل الأموال والتحاويل:

تقارن مع المادة 216، علماً بأن المشروع استعمل عبارات مغايرة لهذا التعريف مثل عمليات وتحاويل ومدفوعات (المادة الرابعة) (والمادة الثالثة فقرة 3 أ). ولم يذكر في نص المشروع حركة رأس المال عبر الحدود، إضافة الى أن كلمتي حركة وعمليات التحاويل يجب أن يذكر أنها تحاويل مصرفية أو من قبل "الوسطاء المعتمدون"، للايداع في حساب مصرفي وليس في حساب جارٍ (كما ذكر في المادة السابعة 3أ).

5 - تعريف الأموال الجديدة

عالجت المواد 2 فقرة 17، المادة 5 فقرة هـ، والمادة 9 فقرة 7 والمادة 6 فقرة1 والمادة 7 فقرة 3 عبارة الأموال الجديدة. والتي يفهم منها أن الأموال الجديدة وفتح حسابات مصرفية جديدة يجب ان يتم بعد إثبات عدم توفر أي حساب آخر لتنفيذ عملية تدفقات العميل من العمليات الأجنبية. وهذا بحد ذاته قيد لا مبرر له. إذ إنه يحدّ من حرية الشخص في فتح الحساب الذي يريد طالما يزود المصرف بالمستندات المطلوبة.

وكان الأجدر وضع مادة تشمل كل ما يتعلق بالحسابات الجديدة بدلاً من تشتيت قواعدها بين طيات المواد المختلفة.

6 - تعريف عمليات القطع الاجنبي

لم تعتمد العبارات الواردة في المادة الخامسة على هذا التعريف للعبارة بل ذكر "عمليات القطع" أو "عمليات الصرف". وهذا خطأ تقني تعريفي لا يجب إهماله بل النظر في إصلاح العيب.

وكمثل، الفقرة 5 من المادة الخامسة حيث ذكر عمليات الصرف بدل العبارة المعرفة "عمليات القطع الأجنبي".

وإذ نكتفي بهذه الأمثلة لننتقل إلى المثالب التي تفيد تناقضاً بين مفهوم مواده المخلتفة وذلك على سبيل المثال فقط.

مثالب تتعلق بصلاحيات اللجنة الخاصة

أعطيت اللجنة الخاصة المنشأة بموجب المادة الثالثة عدة صلاحيات وأعباء تتغول على ما جاء من صلاحيات وأعباء لمصرف لبنان وحاكم المصرف حسب ما جاء بقانون النقد والتسليف، بحيث نص أن القانون سيكون له أولوية في التطبيق مما يتيح تناقضات وخلافات لوجستية وتنظيمية بين النصين. وفي ما يلي اختصار لصلاحيات اللجنة الخاصة ( اللجنة) من دون تعليق مسهب:

1 - تقترح اللجنة النصوص التطبيقية اللازمة لوضع هذا القانون موضع التنفيذ.

2 - تضع القيود المفروضة بموجبه.

- كما تتولى نشر القرارات التي تصدرها أو تنشرها من خلال تعاميم دورية تصدر عن مصرف لبنان.

- تستثني اللجنة من حظر نقل الأموال عبر الحدود ومدفوعات الحساب الجاري والتحاويل (المادة الرابعة). تستثني التحاويل والعمليات والمدفوعات التي تحددها وتعدلها. وفقاً لمقتضيات ومتطلبات الوضع الإقتصادي والحساب الجاري (الحساب المصرفي).

- تحدد اللجنة شروط ودقائق تطبيق المادة الرابعة بموجب قرارات تصدرها وعلى أن يصار الى نشرها من خلال تعاميم تصدر عن مصرف لبنان بحسب الأصول (الفقرة 8 من المادة 4).

- تعفى من عمليات القطع الأجنبي أي تحاويل وعمليات ومدفوعات تحددها (الفقرة 8 من المادة الرابعة) وذلك وفق مقتضيات الوضع الاقتصادي والحساب الجاري (للدولة أو للعميل)؟

- تحدد شروط وتطبيق المادة الخامسة بموجب قرارات يصدرها وعلى أن يصار الى نشرها من خلال تعاميم تصدر عن مصرف لبنان بحسب الأصول.

- تحديد ضوابط قيود جميع السحوبات النقدية (باستثناء "حسابات الأموال الجديدة" بحيث تسمح هذه القيود للفرد "العميل" بأن يسحب شهرياً مبلغاً لا يزيد عن 1000 دولار أميركي (أو ما يعادله من العملة الأجنبية اذا كان حسابه بعملة أخرى) أن يسحبه إما بالعملة الأجنبية أو بالعملة الوطنية أو بالعملتين معاً.

- تحدد اللجنة شروط ومندرجات تطبيق الفقرتين 3 و4 (ز-ح)، كما يجاز لها تعديل قيمة المبلغ المذكور "الف دولار".

- تستثني اللجنة الحالات التي تحددها في ما يتعلق بالمدفوعات والتحاويل المحلية كافة بين المقيمين وغير المقيمين بالليرة اللبنانية (المادة 7 فقرة1) (دون ضوابط مذكورة) وتستثني اللجنة الحالات التي تحددها.

- تحدد اللجنة القيود المفروضة على التحاويل بالعملة الوطنية والعملة الأجنبية بين المصارف.

- كما تحدد القيود وكل استخدام الشيكات (من دون استثناء الحسابات الجديدة، والشيكات بين المصارف والشيكات بين العملاء).

- تحدد شروط تحويل الأموال الى الليرة اللبنانية وإيداع الأموال في حساب مصرفي بالليرة اللبنانية.

- تحدد اللجنة الشروط والأحكام الخاصة المتعلقة بالعائدات المالية للصادرات وتسويتها بموجب تعاميم تصدر عن مصرف لبنان لهذه الغاية.

"شاهد ما شفش حاجة"

وأخيراً وليس آخراً، على اللجنة أن تقدم تقريراً فصلياً الى مجلس الوزراء حول نتائج تطبيق هذا القانون، الذي يحيله بدوره إلى مجلس النواب للإطلاع. ويبدو أن موقف مجلس النواب سيكون: كـ"شاهد ما شفش حاجة"؟

ونظراً لضيق المساحة نكتفي بهذا القدر على ان نستكمل بيان المخالفات والمثالب والتناقضات بين صلاحيات اللجنة والعمليات اللوجستية المتوجبة إزاءها. والعقبات بين ما تقرره وما ينشره مصرف لبنان من مفاهيم تنتج عن قراراتها. وبيان اللغط في صياغة مواد وعبارات تتعلق بوضع القانون موضع التنفيذ والتحقق من حسن تطبيقه، والتناقض الوارد في المادة العاشرة بأن أحكامه تسري بشكل فوري، لا سيما لجهة رفع السرية المصرفية.

وبالخلاصة، نعتقد ان اللجان النيابية المشتركة ستولي هذا الموضوع حقه من الدراسة والتعديل متوّجة الحقبة البرلمانية بانجاز على مستوى يقارب رغبة المجتمع الدولي بمساعدة لبنان في التغلب على الفساد الذي رافق عقدين من عقود المجلس النيابي. مما ادى الى رفع شعار "كلن يعني كلن"، وشعار "ولا واحد منن".